عفاف محمد / لا ميديا -

الشعر المعاصر بأشكاله المتنوعة، وبشقيه الفصيح والشعبي، وبكل مقاييسه النقدية، يعد رافداً شعرياً أصيلاً بلغ من الجودة والجمال مبلغاً عظيماً... فقد ازدان بالزخرفة والتشكيل الموسيقي، واتسم بالمقومات الوزنية الدقيقة، التي نبعت من الإحساس الصادق والعميق بالواقع المعاش.
ولم يخل شعر اليوم من الإمتاع والإبداع.. فالأحداث قد أعطت أبناء الشعب اليمني طاقة خلاقة للمقاومة في مجالات متعددة من أبرزها الأدب والفن، فاشتد انهمار القصائد وتدفق فن الزامل حتى غطت الساحة الثقافية بهذا الجديد الممتع..
وكما تعرفون أن صوغ الشعر جزء من الأحلام، والشاعر لا بد أنه حالم.. في الشعر وصف، وفي الشعر سخرية، وفي الشعر نقد... 

شاعر كفؤ وله بصمة
بصمة شعرائنا بارزة ومميزة، ملونة بلون ملحمي تراثي أصيل كثير الشبه بشعر أيام الحروب في العصور القديمة، حيث تناول شعراء المرحلة موضوع النزال في الجبهات بإسهاب وتمرس، يفاخرون بالملاحم البطولية التي تدور في جبهات النزال بينهم وبين المعتدي الذي جار على أرض اليمن ظلماً وعدواناً، وكانت بطولات المجاهدين قد طارت فعانقت صفحات السماء وساوتها في رفعتها وصفائها.. وسالت أقلام وألسنة الشعراء في وصف الفروسية والبطولات، وفي شعرهم لم يبكوا شهداءهم بعويل وتفجع، بل جعلوا لهم مكانة يتسابقون للفوز بمثلها، وصاروا يقذعون في هجائهم العدو والمرتزق، ويمسونهم على نحو ما رأينا في أبياتهم الملتهبة، التي شاعت في كل مكان، ولم تخف حدة ألسنتهم على العدو، بل عمدوا إلى التهكم والسخرية، وكذلك رموهم بالويل كما يفعلون بهم في الجبهات، وينكلون بهم أشد تنكيل بألسنتهم وبنادقهم، شارحين ومفصلين النصر المبين الذي أوقعه الله على أيديهم وجعلهم في الصدارة، متمكنين من عدة وعتاد العدو، مفاخرين بتطور التصنيع العسكري الذي حار لأجله الغافلون والمتذبذبون، وصاروا يضربون أخماساً في أسداس، متسائلين عن مصدر هذه الأسلحة التي تصيب أهدافها بدقة..
وكما عودناكم نتناول وإياكم سيرة متواضعة لشاعر معاصر برع في الشعر، ممن يعدون بحق شعراء ثورة.. وقد أحدث هذا الشاعر مع شعراء المرحلة ضروباً من التغيير في الشعر المعارض للظلم، فكانت قصائده قد انثالت في رفض ظلم العدوان الجائر الذي ارتكب أبشع المجازر دون هوادة أو إحساس بالذنب، واتسمت القصائد المعاصرة بشكل وأسلوب تعبيري متميز، حيث أتقن شاعرنا مع أقرانه من الشعراء الخصائص الموضوعية والفنية للقصيدة.

هو شاعر شارك في هذه الثورة الشعرية، وجادت قريحته بأجود أنواع الشعر في مجابهة الظلم. إنه الشاعر جميل جعفر. 
الاسم الرباعي: جميل أحمد حسين جعفر.
- تاريخ ومحل الميلاد: 1972 خـولان الطيال بني شـداد.
- اللقب الشعري: شـاعر هـيلان.
- الكنية: أبـو شـامـخ.
- الحالة الاجتماعية: متزوج وله 5 أولاد ذكور.
- العمل: رئيس قسم الإعـلام التربوي بمكتب التربية بمديرية خـولان.
- بدايته الشعرية: نبغت موهبته الشعرية في بواكير صباه، متأثراً بالشعراء الشعبيين.
- مؤهلاته: دبلوم سنتين بعد الثانوية معهد الشوكاني تخصص لغة عـربية .

انسكب شعره من مهجته وصبه في قوالب جميلة تنضح بالحياة والجمال في كل ما وقع على إحساسه أو وقعت عينه عليه.. 
واكب هذه الثورة الشعرية التي تفجرت مع الأحداث السياسية، وتوهجت قصائده شموخاً وكبرياء. 
أنشدت له أول قصيدة عن طريق إرسالها عبر "واتساب" في المجموعات، فاختارها المنشد عبدالخالق النبهان، وقام بإنشادها، والقصيدة مطلعها: بويمن قال رغم القصف صامد وواقف/ والقسم ما انحنى راسه لزمرة سخيفة. ونستشف من قصيدته نزعة الشموخ والأنفة التي يعتد فيها بيمنيته، مباهياً بتسمية "أبو يمن" التي في الغالب يلقب السعاودة أبناء اليمن المغتربين بها، وقد عرف هذا الشاعر بروعة الأسلوب وجزالته وعذوبته ونصاعته، ودقة العبارات واستيفائها لمعانيها مع الألفاظ المستحسنة في الآذان وعلى الأفواه، ألفاظ تغذي العقول برحيقها الصافي وتشفي القلوب من كدر خلفه العدوان. 
ومن ضمن قصائده التي أُنشدت، القصيدة الثانية التي قام بإنشادها المنشد محمد القحوم،ومطلعها:
سيري بنور الله سيري سيري
يا انصار ربي يا حماة الديرة
غـيري على أرض الكرامة غيري
يا اهل الشجاعة والإبا والغيرة 

وهكذا ديدن هذا الشاعر الذي من لقبه "أبو شامخ" اقترنت معظم قصائده بالشموخ.. ويصوغ هذا الشاعر آثاره الأدبية مهتدياً بديباجة الشعر الأصيل من حيث دقة الكلمات ومواضعها من العبارات.
ونتنقل وإياكم في حديقته الشعرية سيما ما أنشد منها، وذلك لقوتها وشيوعها، ومنها قصيدته التالية التي قام بإنشادها المنشد محمد هـبـة، ومطلعها:
«بويمن قال بلّغ خادم أمريكا
صـانع الحرب والإرهاب والربكة
لا يغالط ولا يكذب ويتلكا
أو يقول اليمن استهدفوا مكة» 
وهنا يعود مجدداً لتسمية "بو يمن"، حيث جعلها مفخرة يباهي بها كونه ابن اليمن الولادة بالمجد والبطولات. وقد واكب شاعرنا التحرك الاجتماعي والزمني، وجعل من أدبه رافداً حياً يشارك صنع الأحداث، وفي هذه الأبيات يسخر ممن اسمه "خادم الحرمين"، والذي استبدل تسميته بخادم أمريكا وفقاً للمشاهد المترجمة، وينكر التهمة الفظيعة التي ألصقوها بأهل الإيمان والحكمة، وهي نيتهم هدم الكعبة..!
وننتقل معكم لرائعة تالية وشامخة أخرى، وفيها يتغنى بمناقب قبيلته خولان، وقد قام بإنشادها المنشد ضيف الله زبيدة، وتقول في مطلعها:

خولان خنجـــر سام يطعن من تعدّى أرض سام
والعنفوان السام من سام العروبة قادمة

هنا تحدث، وهو من ذوي النباهة من تنضح كلماته بالشموخ، عن خصال نبيلة لأبناء قبيلته، هي في الأصل معروفة عن حضارة سام، حيث عرف أبناؤها بالكرم والشجاعة والحلم والوفاء وحماية الجار، وكانت أبياته مردها إلى نمو عقله ومرانه الواسع على الحوار والجدل والمناظرة في النحل العقيدية والسياسية والأدبية.. 
وفي رائعة أخرى لـ"أبو شامخ" قام بإنشادها المنشد أحمد الحضرمي، ومطلعها كالآتي:
إذا التحالف قوي رب السماء أقوى
وقـوة الله ما بش مثلها قوة
من هو مع الله مخلص صادق النجوى
يوثق بنصره في الميدان والغزوة

هنا يوضح أن قوة الله هي أكبر من قوة الإنسان، وأن من وثق بالله مده بنصره.. وهذا هو حال معظم شعراء المرحلة من صورت قصائدهم منازع الحياة بصدق عاطفي وثقة قوية بالنفس، وكان الإيمان بالله والثقة به أهم أسباب تميزهم.
وإلى رائعة أخـرى تكشف مدى حبه وولائه لقائده، وهي أنشودة "حسين العصر" التي قام بإنشادها المنشد قاسم الفرح. وهناك الكثير في جعبته الإبداعية من القصائد والزوامل التي يتداولها الكثير في المناسبات والمهرجانات، فكل أبياته خصبة بالتجربة الثورية، وغنية بتجارب الكفاح الوطني الذي تنصهر في بوتقته النفوس، وعطاؤه الشعري يمتاز بالزخم، حيث يقارب عدد قصائده 300 قصيده. 
وبالرغم من اختلاف لهجات القبائل اليمنية، إلا أن شعراء المرحلة كلهم اجتمعوا في لغتهم الفنية. وقصائد "أبو شامخ" يتناقلها أبناء القبائل، وتطوف المتاريس والفيافي والقفار والمساكن. 
وسبق أن أسهم الشاعر جميل جعفر في مسابقة "شاعر الصمود"، حيث أسهمت تجمعات ومسابقات الشعر في أن يرتقي الشعراء ويمروا بمراحل شعرية متطورة، تصقل موهبتهم الشعرية وتحفزهم على الإبداع والتجديد. كما كانت صالونات ومنتديات السبعينيات وغيرها من بوادر تشجيع الشعر حتى في العصر العباسي، ممن ساعدت في ازدهار الأدب ككل.
وكذلك شارك شاعرنا في العديد من مهرجانات محافظة صنعاء، ومديريات خولان والحيمة الداخلية والخارجية وبني مطر وصعفان، وغيرها من المديريات، ومن محافظة البيضاء ومحافظة المحويت ومحافظة ذمار، وتم تكريمه من مؤسسة دمّـون الثقافية، من نقابة الشعراء اليمنية. وكذا تم تكريمه من محافظة صنعاء من مكتب التربية والتعليم، وكذلك تم تكريمه من قبل السيد محمد علي الحوثي في القصر الجمهوري. 
ويتبين لنا مما سبق أن لهذا الشاعر ميزاته الشعرية، ومنها؛ أن شعره عرف بعدم التكلف، حيث انسابت لغته الشعرية معبرة عن إحساسه الجياش تجاه مبادئ وقيم الدين الإسلامي والولاء والانتماء للوطن، وقد جسد تمسكه بها من خلال أعماله الشعرية التي يضخها كمعين صافٍ عذب. 
لم يتوقف سيل إبداعه على مدى 5 سنوات من العدوان، مجاهراً بتذمره ضد العدو المتجبر والمجرم. 
وبذا يكون الشاعر جميل جعفر الملقب بـ"أبو شامخ"، قد كرس أعماله للجهاد بكافة أشكاله، وأسهم في تأسيس ثقافة عربية إسلامية استمد معينها من الثقافة القرآنية، محققاً أهدافاً تشع أضواؤها على وعي المتلقي. ويعد ممن شاركوا في التنوير المجتمعي بقيم دينية ومعايير مجتمعية مهذبة ثابتة.