ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

جـــونـاثـــان سبايــر
في الأسابيع الماضية، نفذ "الحوثيون" سلسلة من ضربات الدرون والصواريخ الباليستية على أهداف في العمق السعودي. 
دخلت الجهود التي تقودها السعودية لسحق "التمرد"، المتمثل في حركة أنصار الله (الحوثيين) الموالين لإيران، عامها الخامس. وقد نجحت العملية بشكل كبير على الأرض؛ حيث توجد الآن هدنة برعاية أممية تسيطر على ميناء الحديدة في غرب البلد. 

مات أكثر من 10 آلاف شخص منذ بدء التدخل السعودي-الإماراتي في اليمن في مارس 2015. نجحت القوات السعودية والإماراتية في منع الكارثة الاستراتيجية المتمثلة في أن يسيطر "الحوثي" على باب المندب، وهو نقطة صمام تربط بين البحر الأحمر وخليج عدن؛ إلا أن "الحوثيين" مازالوا يسيطرون على العاصمة صنعاء وجزء مهم من الساحل والمراكز الحضرية المهمة من البلد. 
في الأثناء، انقلبت القوات التي تقاتل "الحوثي" على بعضها البعض، حيث تتواجه قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات، مع القوات الموالية للسعودية والمتحالفة مع الحكومة الرسمية التي يقودها عبد ربه منصور هادي. ويسيطر مقاتلو "المجلس" حالياً على ميناء عدن، مع احتمال وقوع صدامات أكبر بين الجانبين. 
بينما ستود الرياض رؤية الهزيمة الكلية لـ"الحوثيين" (بيد أنها أثبتت أنها غير قادرة على فعل ذلك)، يقع تركيز أبوظبي على تأمين خطوط الشحن في البحر الأحمر وتقييد النفوذ للقوات الإسلامية "السُنّية" في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة. 
وفي الوقت الذي وصلت فيه الخطوط الأمامية إلى طريق مسدود، توجد دلائل على أن الحوثيين يحكمون قبضتهم على المناطق التي يسيطرون عليهم ويضفون الطابع الرسمي على حكمهم فيها. وهذا ما يقلق "إسرائيل". 
ومنطقة سيطرة "الحوثي" هي جزء مطلق من نطاق النفوذ الإيراني في المنطقة. ولهذا السبب هي جزء أساسي من التحالف الذي تخوض "القدس" ضده حالياً حرباً سرية وغير سرية. 
وتعزيز قوة الحوثي يأخذ عدداً من الأشكال. 
على المستوى الدبلوماسي، بدأ "الحوثيون" التصرف كحكومة رسمية؛ حيث قاموا بتعيين أول سفراء لهم. وفي 17 أغسطس أعلن عبد الملك الحوثي، قائد الحركة، عن نيته للتواصل بـ"دول صديقة وعلى الأخص بجمهورية إيران الإسلامية". 
في 18 أغسطس، كان قد تم الإعلان عن مرسوم صادر باسم "جمهورية اليمن" يعين "إبراهيم محمد محمد الديلمي كسفير فوق العادة ومفوضاً للجمهورية اليمنية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية". 
أتى هذا الإعلان سريعاً بعد زيارة المتحدث باسم "الحوثي"، محمد عبد السلام، إلى طهران؛ حيث التقى هناك مع القائد الأعلى علي خامنئي ومسؤولين آخرين. وخلال الزيارة، أكد خامنئي مرة أخرى تأييد إيران لـ"الحوثيين" الذين يصفهم بـ"المجاهدين" في اليمن. 
يضفي هذا التعيين طابعاً رسمياً على التواصل "الحوثي" الإيراني، ويبدو أنه يعزز علاقة كان من المناسب -لأسباب عملية بالنسبة لكلا الطرفين- إنكارها أو تقليلها في الماضي. وهي تعكس جرأة متزايدة وانفتاحاً بين الاثنين: طهران وأنصار الله. 
وهذه الثقة الدبلوماسية المتنامية، في الوقت نفسه، مستمدة من القوة العسكرية المتقدمة والثقة بـ"الحوثيين". بفضل مساعدة الحرس الثوري الإيراني ومشاركة أعضاء حزب الله اللبناني، لم يعد "الحوثيون" قوة حرب العصابات التي استولت على صنعاء في 2015. 
بدلاً من ذلك، أصبحوا الآن (بشكل متساوٍ هم ورجال الحرس الثوري الإيراني وحزب الله الذين يعملون إلى جانبهم) قادرين على إدارة الأنظمة الدفاعية الجوية، بما فيها (فاطر-1) و(ثاقب-1). وباستخدام هذه الأنظمة، يزعم "الحوثيون" أنهم أسقطوا "درون" أمريكية من طراز (ريبير إم كيو-9) في الحديدة في 7 يونيو. 
والقدرات الهجومية لـ"الحوثيين" تمضي قدماً بشكل مماثل وسريع. نفذ "الحوثيون" في الأسابيع الماضية سلسلة من هجمات الدرون والصواريخ الباليستية على أهداف في العمق السعودي. 
في 16 أغسطس، أطلق "الحوثيون" ضربة "درون" على حقل النفط "الشيبة". يقع "الشيبة" بالقرب من الحدود السعودية الإماراتية ويبعد أكثر من ألف كيلومتر من مناطق سيطرة "الحوثي" في اليمن. وفي 26 أغسطس، أطلقوا 10 صواريخ (بدر1) على مطار جيزان في السعودية (يزعم السعوديون أنهم اعترضوا ثلاثة منها). وبعد يوم، وقعت ضربة "درون" إضافية على هدف عسكري في الرياض. وفي 3 سبتمبر، دمرت مقاتلة تابعة للتحالف العربي "حوثية" كانت قد أطلقت باتجاه السعودية من محافظة عمران في اليمن. 
وسلسلة الهجمات المستمرة هذه هي شهادة على الثقة العسكرية لـ"الحوثي". وبذلك لم يعودوا يواجهون خطراً وجودياً لحكمهم. وبدلاً من ذلك، فإنهم مرتبطون بشدة في مناطق سيطرتهم، وهم يشكلون جزءاً رئيسياً في الكتلة الإقليمية الأوسع التي تقودها إيران. 
يعبر المسؤولون "الإسرائيليون" عن شكوكهم إزاء منحنى الارتفاع الحاد للقدرات التقنية للحركة "الحوثية"؛ حيث إنهم يشيرون إلى الغطاء الجيد الذي تقدمه اليافطة "الحوثية" للأنشطة التي من المرجح أن يتم تنفيذها مباشرة من قبل الأفراد الإيرانيين أو كادر وكلاء للإيرانيين أكثر قدرة، كحزب الله اللبناني. 
وتعزيز قوة "الحوثيين" أيضاً منعكس في عملية بناء المؤسسات التي بدؤوها في جزء من اليمن يتحكمون به. ففي 2 سبتمبر، أعلنت وكالة الأنباء سبأ –المرتبطة بـ"الحوثيين"- عن إنشاء المجلس السياسي الأعلى لجهاز الأمن والمخابرات، وهو جهاز مخابراتي جديد سيكون الكيان الوحيد الذي سيسمح لـ"الحوثي" بالعمل من خلاله في منطقة سيطرته. وسيتم حل جهازي الأمن القومي والسياسي الحاليين. 
لعله تعليق مؤثر (لكن ليس بالمفاجئ) حول حالة الحكم في العالم العربي، وهو أن أول هيكل رسمي ينشأ عن قوة جديدة ناشئة ينبغي أن يكون جهاز بوليس سياسي وسري. وعلى أية حال فإن إنشاء القوة الجديدة من قبل أنصار الله هو شهادة على قوتهم المتنامية وحسهم الأمني الدائم. 
من وجهة نظر "إسرائيل"، فإن القوة المتنامية لـ"الحوثيين" والدليل على المشاركة المباشرة لحزب الله والحرس الثوري الإيراني معهم يثير احتمال أن الجبهة الخارجية التي تشارك فيها قوات "القدس" بالفعل (عبر لبنان وسوريا والعراق) يمكن أن تتوسع وتمتد في وقت قصير أيضاً إلى اليمن. 
والأخيرة لم تعد جبهة منعزلة يشارك فيها شركاء "إسرائيل" -واقعاً- الخليجيون، ضد حليف إيراني أضعف. أو بدلاً من ذلك يبدو أن الجزء الذي يسيطر عليه "الحوثي" في اليمن يظهر كمنصة إضافية لمشروع إسقاط القوة الإيرانية. 
حالياً، مشروع القوة هذا يوجه (كعملية إسقاط) على الأرض ضد السعودية. ولكن الأهمية الإقليمية الأكبر هي احتمال أن تستخدم الأسلحة الإيرانية المهربة إلى مناطق سيطرة "الحوثي" فيما بعد لمهاجمة عمليات الشحن البحري دافعة بها من البحر الأحمر باتجاه قناة السويس. وفي نهاية المطاف، فإن المنطقة التي يسيطر عليها "الحوثي" تضم قسماً كبيراً من ساحل البحر الأحمر. 
تلك القدرة ستشكل أداة ضغط مفيدة إضافية لإيران، في سياق الصراع الإقليمي الواسع الذي يحدث حالياً. ولكن كما هو الحال الآن، يمكن أن تكون "إسرائيل" هي القوة الوحيدة القادرة والراغبة في إحباط محاولة إيران بناء هذه القدرة. 
قد يبدو صعود وتقدم "الحوثيين" على مسافة كبيرة من "القدس". لكن مع استمرار الوضع الحالي، فإن اليمن هي الحديقة الخلفية لـ"إسرائيل" ولإيران، إلَّا أنها، كنتيجة، تنشئ ساحة رئيسية إضافية في الصراع الحالي بينهما. 


ملاحظات من المحرر:
- رغم كثرة التدليسات في المقال، إلَّا أن كاتب المقال ذا الميول الصهيونية يقر باستحالة استئصال أصحاب الأرض المقاومين للمشروع الأمريكي، وهي حقيقة بات يتبناها العالم كأمر واقع.
- مدينة "القدس" ترد في مقال الكاتب باعتبارها عاصمة للكيان الصهيوني، طبقاً لتوجهه الفاضح.

"أورشليم بوست"
 5 سبتمبر 2019