مجاهد الصريمي / لا ميديا -

ما أجل الشعر، وما أعذب موارده! أنه الكائن الذي يكون بما تقوم عليه أغراضه، فهو كل هذا الكون الواسع والرحب والغامض، إنه المقام الذي يقدم لنا بالكلمات حقيقة كل الكائنات، وصورة كل المخلوقات، لأن منشأه الحس، ومصدره الروح، وزاده الفكر، ومداره الإنسان وقضاياه، لذلك يبقى الشعر دورة دم ولو جسدته شذرات مداد بجرة قلم.

ودعنا يا عزيزي نجتليهِ
نقوشاً بالقلوب وفي المآقي 
وأسفاراً تنـــــــازع قارؤوهـــــــا
لنار البعــــــد أو نور التلاقي
وضيف رحلتنا هذه هو الشاعر بلال محمد علي الوجيه، من أبناء البيضاء مديرية رداع. يعيش الشعر واقعاً، ينطلق بالموهبة منطلق الشعور بالمسؤولية، فهو فارس يقاتل بسيفين: القلم والبندقية، وفيلق يتحرك بمحورين: محور الوعي والتثبيت ويقوم به من خلال الشعر، ومحور النفير والتنكيل وينطلق في غماره كونه أحد رجال جيشنا ولجاننا الشعبية لقد كان من طلائع الأحرار الذين شكلوا اللجان الشعبية أثناء انطلاقة الثورة الشعبية، الغراء، ثورة 21 سبتمبر، وهو متزوج وله ولدان هما: «محمد» و»الحمزة». ولقد حمل هدفاً سامياً يسعى لتحقيقه من خلال موهبته الشعرية، ليكون شاعر الجيش واللجان الشعبية، فهو يحب هذا اللقب ويعمل على أن يستحقه بجدارة.
لطالما تدفق شعر المرحلة بكثير من السمات والميزات والخصائص التي جعلته الإطار المشكل لحيز الصورة التي تعطينا كمال الفتوة والنضج للذات الثورية في مجتمعنا الصامد في وجه العدوان.
فالعشق والحب والهيام والوله لم يعد يقتصر على الفتاة المحبوبة، كما هو معروف في كل تاريخ الشعر، وحتى الفرسان من الشعراء وهم في ميدان المعركة بين طعن السيوف وضرب الرماح، كان يكتنفهم شيء من الخوف، ويحيط بأشدهم شيء من الفزع من خلال تعلقهم بالحياة وزينتها فهذا عنترة يقول: 
ولقد ذكرتك والرماح نواهل
مني وبيض الهند تقطر من دمي 
فوددت تقبيل السيوف لأنها
لمعت كبارق ثغرك المتبسم
وإن جعل عنترة هذا باباً للاعتداد بفروسيته، إلَّا أن الأبيات توحي بنوازع خوف تداخلت في نفسيته وطفحت بها كلماته. وهنا نجد شعراءنا المعتلين لمنصات النثير في مواجهة العدوان، وقد بينوا فرادة فرسان الجيش واللجان بالفروسية الكاملة التي لم يحزها فرسان أي عصر. فمقاتل الجيش واللجان لا يرى عبلته من خلال وطيس المعركة وعبر آلات الحرب فيها، بل إن معشوقته التي شغفته حباً هي المعركة وأدواتها، لأنه يرى وجوده قائماً على ما يترتب عليها من نتائج؛ فهو الكل الذي يعيش كل جزء منه داخل ميدان الوغى من خلال وعي عقائدي، ليعيش قلباً وساعداً وفكراً وقدماً قوة دفع تحشده إلى الميدان وتشده لتقحم أهواله، والتراث العربي -بحسب معرفتي- لا يزخر بمثل هذه القيمة العليا وعياً وثباتاً كما يزخر بها شعر مرحلة التصدي للعدوان كما في الزامل الشعبي لعيسى الليث: 
شديت بالصهبان حالي واحتزمت الجيتري 
من أجل عزك يا وطنا ثارنا ما نتركه 
العز غالي والنبي وآله وربي المشتري 
غيري عشق عبلة وانا فارس عشقت المعركة 
فلو قارنا هذا البيت مع بيتين شعريين عدهما النقاد من أبلغ ما قيل في الشجاعة لرجح عليهما. وهنا نوردهما ونترك الحكم للقارئ.
البيت الأول قول أحدهم:
أقول لها إذا جشأت وجاشت
مكانك تهدئي أو تستريحي 
والثاني قول قطري بن الفجاءة أحد زعماء الخوارج: 
أقول لها وقد طارت شعاعا
من الأبطال ويحك لا تراعي 
فإنك لو سألت بقاء يوم
من الأجل الذي لك لن تطاعي 

وبعد كل ما سبق، نعود ونرى شاعرنا كيف تناول هذا المعنى من خلال قصيدة طويلة اخترنا منها هذه الأبيات التي تفي بالغرض:
تدرو من فؤادي يعشق
وافخر فيه كوني عاشق
ديني والوطن والمحزق
والبندق وصوت البارق
وارضي ذي بها يتعلق
عشقي في رضاه الخالق
والشخص الوفي ذي يصدق
في قوله وفعله صادق
والخيل الأصيل ذي يسبق
في الميدان طير الباشق
والجيش اليماني الاعرق
تاريخه ومجده شارق
وابطال اللجان ذي تسحق
 في الجبهات كم من دانق
 ونبقى مع شاعرنا. وهو هذه المرة يقف ساخراً من قيادات المخدوعين والخونة والعملاء والمنافقين، الذين اتخذوا من الشراشف والبراقع وسيلة تمكنهم من الإفلات من قبضة الشعب، ليصلوا إلى العدو وينطلقوا في صفه ضد أبناء شعبهم وقد ارتدوا بزات عسكرية، وقال قائلهم: «قادمون يا صنعاء»:
مهما الــزواحف ضدنا تزحف
ومهما حشد يحشد علـى غيري
طـــارق وغيره كــــلنا نعرف
فــي الحرب محد منهم حيري
 من هو جلف كان اليماني أجلف
يــــا كـــل متشرد وتكفيري
ومن هرب بالأمس بالشـــرشف
للعاصمــة ما عاد بالميـــري
مكلف ومن يلحق قفاه مكلــــف
 وما خانني في الــوصف تعبيري
من يقبل الذلة وصفع الــــكف
كيف يستحق في يوم تقديري
ومن يبيعك يا وطــــن ودف
آخر قرار قلته بتقـــريري 
ولمن لم يعرف العدو، أو لا يزال يعيش ثقافة الاستلاب التي تجعل صاحبها لا يقدر على تمييز الناقة من الجمل، يتوجه إليه شاعرنا بهذه الأبيات:
لو شي ضمير أو خير في الطيار
أو في ملوك الــشــر والــــقادة
ما يقصفوا حرمة بوسط الدار
أو ينسفوا الـــــشايب مـــع اولاده
أو يقتلوا فـــــــي ساعة الأسحار
تلك الــــعجوز ذي فوق سجــادة
تحت الــــركام ونّاتها استغفــــار
وايات تتـــــلى ســــاعة عبادة
تسبيحهــا والهــــدي والأذكــــار
تكفي تدك الأرض وزيـــــــادة
والــــمسبحة صورة لنا تذكــــار
تكشف جرايم حـــــرب وابادة
وابشع جرايم في الدماء والــــعار
ساها السعودي اليوم باسيــــاده
والثار ثم الــــثار ثم الــــثار
 ومن غــــزانا الــــيوم نصطاده
وقبل الختام يبعث شاعرنا أكمل ما استدار بفلكه كنه الكلام حيث يصور مقام نور بدر الثورة في كل قلب يمني، ومستوى تسيد حب السيد القائد أبي جبريل على كل وجدان حر، بهذه الأبيات مسك ختام رحلتنا والتي عنونها بولي الله، يقول فيها:
قتلت اليأس في قلب النشامة
وأحييت الأمل مــن بعد ما مات
وايقظت اليماني من منامـــــه
وأخرجت الجميع من وسط ظلمات
وحلًقنا معــــك فـــــوق الغمامة
ولا نخشـــى سوى رب السماوات 
وبعنا ارواحنا لجل الــــكرامة
وأخذنا في الحروب كل الـشهادات
وأنهينا الخون واهل الـــــدرامة
وأهل الــــزيف في كل المجالات