السيد القائد قطع زيارة الصماد إلى جبهة علب بعسير حتى لا يتم رصده أو يقع له مكروه 

حوار: صلاح العلي/ صحيفة لا -
ما ستقرؤونه في هذه السطور، ليس حديثاً منمقاً يقال في أعقاب رحيل القادة، بل شهادة تنطق بها خلجات الرجل قبل لسانه، حالاً ليس متفرداً لدى ضيفنا، بل عند كل من عرف رئيسنا الشهيد صالح الصماد وجالسه... ضيفنا، العميد أمين الحميري، قائد الشرطة العسكرية في محافظة صعدة، ومساعد قائد قوات حرس 
الحدود اليمنية، يقدم شهادته عن الشهيد الصماد من واقع العلاقة التي ربطتهما في فترة ما بعد الحروب الـ6، وتركت أثرها العميق لدى ضيفنا، حسب ما أفصحت عنه مكنوناته خلال لقائنا. به.       الشهادة تطرقت إلى الصماد صديقاً وقائداً ومرشداً وأباً وشاعراً ومثقفاً، إنساناً بلغ من الكمال علوه حتى اصطفاه الله إلى جواره.. إليكم الحوار.

معراج الحرية والاستقلال باهظ الثمن ولا مناص من أن نمهره أزكى الدماء وأطهر الأنفس وأن نتلقى بين الحين والآخر نبأ استشهاد قائد من كبار قاداتنا ورجل من أرجل رجالنا. وفي هذا السياق وعلى هذا الدرب كان معراج استشهاد المجاهد البطل أمين الحميري أسد هيجاء جبهة نجران ..
كانت «لا» قد أجرت حوارا مع الشهيد عن الشهيد صالح الصماد في سنوية استشهاده الأولى ورأت أن من المناسب إعادة نشره بعد أن أصبح بارتقاء أمين الحميري حوار شهادة خالصا، واعدة قراءها بإعداد ملف يليق بمقام الشهيد الراحل في قادم الأيام. 


الفاجعة المؤلمة
 العميد أمين الحميري.. نرحب بكم في صحفيتكم «لا». تأتي هذه الزيارة إلى محافظة صعدة تتبعاً لأسفار الشهيد الرئيس صالح الصماد، في الذكرى الأولى لارتقائه.. وكان معلوماً ظهوركم إلى جانبه في زيارات ميدانية عدة، عوضاً عن علاقة وطيدة جمعتكما.. بداية، أريد أن أعرف شعورك في هذه الذكرى؟
أهلاً بكم، ونشكركم على هذه الاستضافة في صحيفتكم «لا».. الخبر كان فاجعة مؤلمة لنا، فقدنا شخصاً عزيزاً.. من المؤسف جداً جداً جداً، أن نفقد رجلاً كالصماد، فالحزن والأسى يملأ قلوبنا، والاشتياق كبير له، وبرغم كل مشاعر الوجع والفقد باستشهاد رئيسنا صالح الصماد، سلام ربي عليه، إلا أننا كيمنيين نشعر بالفخر الشديد لكون مثل هؤلاء هم قادتنا ومصدر إلهامنا وصمودنا واستبسالنا، ولن نكون إلا أوفياء لعهده وماضين على الطريق حتى الانتصار أو اللحاق بركبه.. وأنا شخصياً أشعر بالرضى والتوفيق من الله أنني تعرفت على الشهيد الصماد ورافقته.

في خط المواجهة
 ما هي أهم المواقف التي عرفتها عن الرئيس الشهيد خلال مرافقتك له خلال زيارات الميدان؟
من أهم المواقف التي أذكرها، هي عند زيارتنا الخط الأمامي في جبهة جيزان في عيد الفطر قبل الفائت، وكان معنا قائد قوات حرس الحدود مرتضى المنبهي –وكانت هذه آخر زيارة للميدان أنا وهو- عندما فضل سلام الله عليه أن نقضي أيام العيد في جبهات القتال مع المقاتلين، حينها تكلم معهم قائلاً: «فضلنا ألا نستقبل المعايدين في القصور، وإنما القدوم لقضاء العيد معكم في الجبهة». ومن هناك أعلن عن استراتيجية التحول من الدفاع إلى الهجوم.
مشينا مناطق كثيرة جداً على أقدامنا هناك، كانت تقلنا سيارة موديل 86م، وحين عجزت عن الصعود في تلك الطريق الوعرة، قال لي وهو مبتسم: أنا وأنت أثقل شخصين في السيارة، هيا ننزل نمشي... كنت أمشي معه وبشعور غامر لدي، لسنا رئيساً ومرؤوساً، بل أصدقاء وزملاء، كان في موقع رئيس الجمهورية ويمشي، لكأننا لسنا في جبهة والرصاص ينهال من كل جانب، بينما هو يتقدم إلى الواجهة المكشوفة للعدو، ويتنقل بكل شجاعة وثقة بين المرابطين، غير هياب ولا آبه برصاصة قناصة ولا بغيرها، ويمشي معنا ويتحرك في خط المواجهة بلا حراسة...

تخوفات سيد الثورة
 كم قضيتم في جيزان؟
فقط ثاني أيام العيد، ليس لأنه اكتفى، بل كانت هناك اتصالات متتابعة من السيد القائد بأن يعود إلى صنعاء... وكان هو مخططاً أن يقوم بزيارة إلى جبهة علب بعسير وغيرها، ولم يحدث ذلك، فقد كانت هناك تخوفات من السيد العلم من أن يتم رصده وأن يقع له مكروه بسبب أن هذه الجبهات مشتعلة على الدوام والمعارك فيها ضارية.

رئيسنا واحد منا
 كيف تصف الرجل؟
الكلمات تعجز تماماً عن وصف هذا الرجل، للأمانة لا أجد كلمة أقدر أن أعبر أو أصف بها الرئيس صالح علي الصماد، لأن الكلمات تقف عاجزة عن وصفه.. ففي مواجهة العظماء تعجز الكلمات لأنهم هم من يصنعون الكلمات.
وجدناه شجاعاً، الابتسامة لا تفارق وجهه مرسومة على محياه دائماً، خلوق ودود متسامح فلا تحس معه أنك بجانب مسؤول، ولكن تمشي مع أخ، متواضع على الدوام، لا يشعرك بالرتابة التي تجدها لدى المسؤولين، فتجد وزيراً يمشي وهو يحب أن يتمظهر بأنه وزير، بينما هذا كان رئيساً ولا نجده إلا واحداً منا.
عشت وعرفت عن رؤساء عدة منذ الحمدي، فلم أرَ رئيساً أو مسؤولاً بقدره من الشجاعة والشموخ والخلق الحميد والسماحة والمسؤولية والشعور بالآخرين والمحبة والاهتمام ورقي تعامله... جعلنا ندرك أننا في خندق واحد ونترفع عن الصغائر، ولمسنا ذلك تجسداً فيه، في تعامله معنا ومع الجميع لتوحيد الجهود من أجل الهدف المشترك والقضية المشتركة...

حنكة سياسية
 متى عرفت الشهيد؟ وكيف بدأت علاقتكما؟
كان ذلك قبل أن يصعد إلى الرئاسة، في فترة ما بعد الحرب السادسة عندما كان هو المسؤول الثقافي لأنصار الله، وكانوا حينها قد وصلوا إلى مدينة صعدة، وفي تلك الفترة كانت بيننا كقوات مسلحة وبين الأنصار حساسيات واحتكاكات على خلفية الحروب التي قادتها السلطة حينها لأهداف علي صالح وعلي محسن، وخلفهم أسيادهم الخليجيون.
أتذكر الشهيد كان المسارع الأول لإطفاء أية نار تبدأ بالاشتعال، وإنهاء أي احتكاك، ودرء بوادر أية فتنة تحدث، تحركه صادق تماماً وإنساني، وينطلق من مسؤولية ووعي. كان هو السباق في حل أي خلاف، والسباق للمبادرة، والمقرب لوجهات النظر، والمقلص للتباينات، والمبين للقصور في الفهم والأخطاء...

حسَّن علاقتنا كعسكريين مع الأنصار
 هلا ذكرت مثالاً على بداية تعاملك معه؟
أتذكر عندما بدأت حركات التفجيرات الإجرامية والاستهداف الممنهج للقوات المسلحة، خاصة في صنعاء، ذهبنا إلى مران، وجلسنا في بيت الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي، وفي ذلك اليوم كان الشهيد موجوداً، وتواجد قادة آخرون بينهم صالح هبرة، وأيضاً مدير الأمن والمحافظ وغيرهم. تقريباً كان ذلك عام 2012 أو 2013م.
بدأ الحديث بالشرح عن تلك التفجيرات، فكان البعض من الحضور يحاول أن يتملق قادة أنصار الله، طبعاً منهم من قد استشهد الآن رحمهم الله عليهم السلام.. وتحدث الأخ صالح هبرة وقال: شوفوا احمدوا الله أنتم يا قادة آمنين في داخل صعدة. وطبعاً حينها كان القادة العسكريون لا يدخلون إلى صعدة أو يخرجون منها إلا بتصريح بسبب الأحداث التي جرت.
وهنا داخلت بالحديث، قلت: نحن نريد الكرامة والاحترام، والأمن في صعدة صحيح، ونحن نمتدحكم على ذلك، ونعتبر مواقفكم هي الأفضل معنا، حيث إنكم لا تغدرون ولا تخونون ولا تنقضون الاتفاقات والعهود، وحين تواجهون تقومون بذلك بشكل مباشر... لكن نحن نريد أن يكون التعامل صادقاً في كل مكان.
فأعجب الشهيد الصماد بذلك، وأيضاً عبد الله نجل الشهيد القائد السيد حسين، وارتاحوا كثيراً، وبدأ هو علق على هذا الكلام، وتغير الوضع أن يكون التحرك بتصريح.. وعلى عكس الشهيد الصماد، تحسس من كلامي وزعل بعض الأنصار، وبعض من القادة الحاضرين معي طلبوا ألا أتكلم بأي من هذا كي لا أغضب قادة الأنصار الموجودين.. لكن الشهيد كان متفاعلاً بإيجابية، وكل لقـــاء معه كان يفضي بواقع العلاقـــــات إلى الأفضــــــــل والتحسن بيننا كعسكريين وبين أنصار الله.

شخصية كاريزمية
 في جانب الثقافة والوعي كيف خبرت أبا الفضل؟
لو أتحدث فقط عن ذلك اليوم في جيزان، فقد وجدته شاعراً ومتحدثاً لبقاً وحافظاً للقرآن ومحاضراً لديه القدرة على أن يجعلك تميل وتستمع إليه مهما كان الحديث أو الموضوع، كان لديه القدرة على أن يجعلك تنسجم مع حديثه وأن تنقاد وراءه. كان لديه مفاتيح الحديث مع الآخرين كأنه يمتلك مفاتيح عقولهم وأفئدتهم ليستميلهم إليه.

رافقته في معظم زياراته الميدانية
 متى بدأت العلاقة تتوطد بينك وبين الرئيس الصماد؟
وهو رئيس أكثر منها عندما كان في صعدة.. حين كان يصل صعدة كثيراً وهو ذاهب لزيارات يمر بي للخروج معه، وحين يصل لبابي يدعوني «يا فندم أمين»، فأخرج وأجده هو الذي ينادي، وأرد عليه محرجاً: «أنت الفندم يا فندم»...
وللأسف كانت الزيارة الأخيرة التي قام بها إلى خب والشعف، فقد مر بمكاني هو والشهيد أحمد رحمه الله، ولم يجداني ليأخذاني معهما، حيث كنت في زيارة إلى أحد المعسكرات..
 يعني أن علاقتكما ببعض صارت علاقة صداقة وزمالة أكثر منها علاقة رسمية بين موقعين؟
نعم بالتأكيد، كنا لا نشعر بفرق في ما بيننا.

أب للجميع
 أخبرنا عن الرئيس صالح الصماد كأب؟
التقيت به وهو بعيد عن أبنائه.. لكن أبوته مع الجميع كانت طاغية، فإذا كان هذا الرجل هكذا في تعامله مع الآخرين كأب وأخ وصديق، فكيف سيكون تعامله مع أولاده؟ فإن كان تعامل هذا الشهيد بهذه المشاعر الأبوية مع الآخرين بغض النظر إن كانوا أكبر منه سناً (وأنا أكبر منه سناً، حيث قضيت 34 سنة في الجيش، وهو عمره 40 سنة)، لكننا كنا نشعر بالحنان الذي يجود به على هذا الشعب، على هؤلاء المواطنين، وإحساسه بما يعانونه.
لديه إحساس مرهف، وتعامله مع الآخرين بغض النظر عن مواقفهم أو أماكنهم كان راقياً جداً.. الشهيد الصماد كان أباً للشعب الذي حاول الكل أن يبتزه..
انظر كيف قضى الشهيد الحمدي على يد السعودية وعملائها.. والشهيد الصماد اغتيل بذات اليد، لذا نعرف توجه هؤلاء ومشاريعهم حين ننظر إلى أعدائهم.

تجسيد حقيقي للتوجه القرآني
 هل كان له دور في اقترابك من المسيرة والتعرف على فكر أنصار الله؟
التعامل كان أكبر مؤثر، وأنا علاقاتي كبيرة مع الكثير من القادة، لكن الشهيد كان متفرداً، وله تأثير عظيم على الآخرين، فقد كان يشعرك بالود، وهو قادر على أن يجذب الموجودين بحلاوة وعذوبة حديثه وبأخلاقه، فعندما ترى الأخلاق التي يفيض بها وأنت معه تشعر بأن أي مساوئ لدى الآخرين ما هي إلا نشازاً، وأن حقيقة المسيرة هي التوجه القرآني الديني الذي كان يحمله الشهيد سلام الله عليه، كان يحفظ القرآن وكان يطبقه في حياته.
إنه شخص نادر متفرد بهذه الصفات، الصفات القرآنية الإيمانية، ولا يستشهد بآية إلا وهو مجسد لها في واقعه وفي تعامله.

قائد عسكري فذ
 الرئيس الصماد كشخص عسكري كيف كان؟
كان قائداً فذاً مقداماً، المهارات والملكات لدى الإنسان إما مكتسبة أو موهوبة كمنحة من الله تعالى، والأمران كانا لدى الشهيد. 
أما بالنسبة للخبرة القتالية فلا أستطيع أن أتكلم لأني لم أشارك معه في معركة، ولكن من خلال تحركي معه ومن خلال تعامله مع الآخرين كان لديه معرفة بكل شيء، عندما كان يزور المواقع والجبهات كان يعطي توجيهات سديدة، وهذه بالتأكيد نابعة عن ممارسة في الميدان.
وهو بالنسبة لاستراتيجية القتال ومواجهة العدو كان عنده ملكة ليفهم ما هو المطلوب لمواجهة العدوان، وطبعاً هذا السر في اختيار السيد عبدالملك له كشخص يتولى أول مهمة قيادية سياسية وعلى رأس المكون التنفيذي لهذا الشعب، يعني كان في المكتب السياسي لأنصار الله ثم رئيس المجلس السياسي، والمكتب السياسي لأنصار الله كان مكتب حزب، ولكن عندما صار رئيس المجلس السياسي الأعلى صار قيادة شعب، قيادة أمة، وفي ظرف استثنائي هو ظرف عدوان، وليس مواجهة قتال دولة ضد دولة، أي جيش نظامي ضد جيش نظامي، ولكن عدوان عالمي على شعب أعزل لم يعد لديه غير البندقية ورجاله الذين يقاتلون.. هذا الشخص استطاع أن يسير في تلك المرحلة، أن يقوي عزائم الرجال ويمنح المقاتل الثقة في نفسه، فعندما يجد المقاتل أن أعلى منصب سياسي في البلاد معه، وعندما يأتي إليه ويقول له إن مسح غبار أحذية المجاهد أفضل من قصور الدنيا، ماذا تتوقع أن يكون رد الفعل من الجندي المقاتل؟ طبعاً المقاتل يضحي في سبيل الله، ولكنه يزداد ثقة بأن هذه هي قيادته، ويثق بأن قتاله في سبيل الله، وليس في سبيل سلطان، ولا في سبيل الحفاظ على كرسي من كراسي الرئاسة. رئيس ينزل إلى الميدان بعيداً عن الكرسي، ويأتي إليك بملابسه العادية بدون حراسة حاملاً بندقيته، يتحدث معك كمقاتل وليس كرئيس، فيشعر المقاتل بالشموخ والإباء، ويزيد اندفاعه للقتال والجهاد... هذه روحية القائد الصادق التي كنا نفتقدها من مدرسة النبي والإمام علي عليهم الصلاة والسلام.

خير قدوة للناس
  هل أستطيع أن أقول إن الرئيس الصماد أثر فيك تأثيراً عميقاً في وجدانك؟
أي شخص سيقول لك إنه قد تأثر، ولكنني حقاً أعجز عن التعبير عن مدى تأثير الرئيس الشهيد صالح الصماد (رحمه الله) بي، وللأمانة فإن الله مطلع على ما في النفوس يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. حقاً لا أستطيع أن أعبر عن مدى التأثير، لأنه رجل له ملكة قيادية يستطيع أن يقودك إلى أي مكان بكلامه وطيبته وتحركه، تشعر أنك تتعامل مع إنسان صادق، وليس إنساناً يقرأ القرآن ويطبق غيره، بل إنه كان يقرأ القرآن ويطبقه على نفسه أولاً، «يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم»، كان يبدأ بنفسه قبل أن يبدأ بالآخرين.