استطـلاع: مارش الحسام / لا ميديا-

لم يمنع العدوان الغاشم والحصار الجائر اليمنيين من مشاركة أقرانهم المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها الاحتفال بعيد الأضحى المبارك، والذي احتفى به اليمنيون للعام الخامس على التوالي كعيد صمود وانتصار، إلى جانب كونه مناسبة إسلامية عزيزة.
وفي رسالة تحدٍّ للعدوان، يمارس اليمنيون عاداتهم وتقاليدهم وطقوسهم العيدية بصورة طبيعية تؤكد أنهم شعب لا يقهر. 

طقوس وتحدٍّ
أحد المواطنين التقيناه في حديقة السبعين، تحدث لصحيفة "لا" قائلاً: "الذهاب إلى الحدائق والمنتزهات من الطقوس العيدية التي لا يمكن التخلي عنها رغم العدوان والحصار".
وأضاف: "اعتدت قضاء إجازات الاعياد (الفطر والأضحى) في الحدائق والمنتزهات، ففي الصباح أذهب لزيارة الأقارب والأرحام، وبعد الظهر أذهب إلى الحدائق. هذه الأماكن تشعرنا بجمالية وروحانية العيد، وبالذات حين نشاهد فرحة الأطفال بالعيد الذي نفرح به لفرحهم، فالعيد فرحة، وقبل كل شيء رسالة تحد للعدوان بأننا هنا نعيش حياتنا الطبيعية ونمارس طقوسنا العيدية بصورة طبيعية، ولن نركع إلَّا لله". 

فرصـة للتنفـيس
زائر آخر للحدائق يقول: "نحن طوال أيام السنة منشغلون بأعمال ومرتبطون بدوام، ونعتبر إجازة العيد فرصة لتغيير الجو وللتنفيس من الروتين الممل الذي نعاني منه باقي الأيام".
وأضاف أنه يأتي إلى الحديقة مع أسرته حاملين أمتعتهم من "المداكي" والغداء والقات، ليقضوا وقتهم حتى المساء، وتابع: "في هذا المكان أحس بالعيد، وحين أشاهد الحديقة مكتظة بالأطفال المبتهجين أشعر ببهجة العيد، لأن فرحتنا بالعيد إنما ترسمها ابتسامة الأطفال". 

فرحة الأطفـال
الأطفال لهم نصيب الأسد من العيد، حيث تكتظ الحدائق والمنتزهات بالأطفال الفرحين بالعيد والملابس الجديدة. الطفلة رهف فهد (سبع سنوات ونصف) تقول: "أحب العيد عندما أذهب إلى الحديقة وألعب الألعاب، وأذهب لزيارة أعمامي وأخوالي الذين يعطونني الجعالة وعسب العيد".

حديقتـان ومليون نـازح
يوجد في صنعاء حديقتا ملاه (الثورة والسبعين)، تشهدان ازدحاماً كبيراً يفوق طاقتهما الاستيعابية. يذكر أن هناك منتزهات سياحية، وحدائق خاصة، وعليك أن تدفع رسوماً باهظة فقط لمجرد الدخول. أما أسعار تذاكر الألعاب فهي خيالية. وتبقى حديقتا الثورة والسبعين هما الأكثر قصداً لجميع الفئات، حيث يؤمها المواطنون من كل حدب وصوب، وخلال السنوات السابقة ظلت الحديقتان لا تستوعبان الكثير من سكان العاصمة. وما زاد الطين بلة أن العاصمة استقبلت أكثر من مليون نازح، وهو ما دفع كثيراً من الأطفال لمغادرة الحديقة مع تذاكرهم دون أن يتسنى لهم التسلي بإحدى الألعاب. 

ازدحـام
أحد الأطفال يقول: "كنت أمس بحديقة الثورة وقطعت أربع تذاكر ولم أتمكن من الحصول على لعبة، بسبب الزحام الشديد، واليوم جئت الى حديقة السبعين، وقطعت تذاكر. وحالياً أجد نفس المشكلة التي واجهتها بالأمس"، مضيفاً: "الحديقة المجانية لا شيء فيها غير أراجيح عادية وألعاب حديد نتزحلق فوقها، وهي نفس ألعاب الحديقة الموجودة في الحارة. أنا أريد الألعاب الكهربائية والسيارات والقطار وغيرها". 

أجسام البغال تفسد أحلام العصافير
تقول احدى الزائرات إن الكبار يستحوذون على الألعاب ولا يتركون فرصة أو مجالاً للأطفال في التسلي بالألعاب، وأن طلفها لم يتمكن من الحصول على اللعبة التي جاء من أجلها، وهي لعبة السيارات، وذلك بسبب الزحام الشديد، ليس فقط من قبل أقرانه الأطفال، وإنما من قبل أشخاص كبار بـ"أجسام البغال"، حد وصفها.
وتابعت: "أراد ابني أن يلعب لعبة السيارة، وهناك وجدنا أشخاصاً كباراً وأعفاطاً يزاحمون الأطفال على هذه اللعبة، ولا يكتفون بحرمان الطفل من اللعب فحسب وإنما يعرضون الأطفال للمخاطر. وشاهدت بعيني تعرض عدد من الأطفال للسقوط المتكرر وسط الزحام بسبب التدافع. فليس هناك تنظيم، وإنما عشوائية. خفت على طفلي من أن يتعرض للدهس فقمت بإخراجه من وسط الزحام وتركنا اللعبة لهؤلاء البغال". 

الأمطـار والـزوار
تزامن عيد الأضحى هذا العام مع موسم هطول الأمطار وخلو الحدائق العامة من المساحات الظليلة يجعل زوارها عرضة للبلل وأطفالهم للوعكات الصحية أبرزها السعال والزكام.
بعض الأسر ألغت فكرة الذهاب إلى الحدائق هذا العيد، خوفاً من هطول الأمطار وعدم وجود أماكن يلجؤون إليها إن حدث، فيما آخرون وهم الأغلبية قرروا المجازفة هرباً من تعقيدات الحياة اليومية، والذهاب للاستمتاع بأجواء العيد في الحدائق، حيث الهواء الطلق يستحق المغامرة. ومنهم من قرر المجازفة ولكن بتدابير واحتياطات ثانوية من مظلات وطرابيل.
أحد الزوار يقول: "بالأمس هطل مطر خفيف وكنا في خيمة قماشية، واضطررنا للعودة إلى السيارة والمكوث فيها، واليوم جئنا بالمظلات وطربال لنلف به الخيمة في حال تكرر ما حدث أمس، هذا إذا كان مطراً خفيفاً كالأمس، أما لو هطل مطر غزير فلن تجدي احتياطاتنا نفعاً".
نشوان العبيدي يقول: "اعتدت في كل عيد الذهاب إلى الحدائق وتحمل الرياح والشمس والغبار، لكن المطر لا يحتمل. لذا ألغيت الفكرة هذا العيد بسب هطول الأمطار، ولا يوجد مكان تذهب إليه. أنا يمكن أن أتحمل، لكن الأطفال لا يتحملون وستصيبهم وعكات صحية".

أسعـار التذاكـر
أحد المواطنين يشكو من أسعار التذاكر قائلاً إنه جاء إلى الحديقة بصحبة أولاده وأولاد أخيه والبالغ عددهم تسعة أطفال، ولكن "مقابل اللعبة الواحد أدفع 900 ريال قيمة تذاكر للعبة الواحدة! والمشكلة أن الأطفال لا يكتفون بلعبتين أو ثلاث، وإنما عشر لعب وأكثر، وحتى الآن  صرفت أكثر من عشرة آلاف ريال، ومع ذلك لم أستطع إرضاء الأطفال، فإنهم 

يريدون ألعاباً أخرى".
مواطن آخر جاء مع أطفاله الستة، هو الآخر يشكو من أسعار التذاكر ومن المدى القصير للعبة، وقال إنه في البداية دفع 2400 ريال مقابل 24 تذكرة، بمعدل أربع تذاكر لكل طفل، وتابع: "المشكلة الثانية هي أن مدة اللعبة الواحدة لا تتجاوز ثلاث دقائق، وتنتهي قبل أن يستمتع الطفل باللعبة، وهو ما يدفع الطفل لتكرار نفس اللعبة مرتين وثلاث مرات بتذاكر جديدة". وأكد أن بعض أطفاله صرفوا أربع تذاكر على لعبة واحدة، ويريدون أكثر من لعبة، ولن يكتفوا بلعبها مرة واحدة. "حاولت إقناعهم بالذهاب إلى حديقة الألعاب المجانية ولكن دون جدوى".

الاستحقاقات
مسؤول إحدى الألعاب في حديقة السبعين تحدث لصحيفة "لا" قائلاً: "صحيح أن غالبية أبناء الشعب يعانون من ظروف مادية صعبة، وأن سعر التذكرة الواحدة 100 ريال، وهو سعر مكلف للمواطن الذي لديه تسعة أو عشرة أطفال، و20 ألف ريال غير كافية قيمة تذاكر لكل الألعاب، ولكن بالمقابل يعتبر سعر التذكرة رمزياً مقارنة بالتكاليف الباهظة التي نتحملها".
وتابع بالقول: "أولاً حديقة الألعاب هذه ليست حكومية، وتخص أحد المستثمرين، وهو مستأجر للأرضية من أمانة العاصمة، والسعر يبدو مناسباً 

لنا وللمواطنين. لو حسبنا الاستحقاقات والنفقات التي ندفعها من إيجار للأرضية، ورواتب موظفين، وأجور المزارعين ونفقات التشجير والري وإنارة الحديقة، والألعاب بحاجة إلى طاقة كهربائية عالية وبحاجة إلى صيانة دورية...".
وأكد أن عدداً من الألعاب تم إيقافها، كونها بحاجة إلى طاقة كهربائية عالية لتشغيلها، وأن الـ100 ريال لا تكفي لسداد فاتورة الكهرباء التي ستستهلكها اللعبة، إلى جانب أن صيانتها مكلفة وقطع غيارها باهظة الثمن.

فرحـة للجميـع
فرحة العيد والاستمتاع بالأجواء العيدية ليست حكراً على الميسورين، وإنما تشمل أيضاً شريحة الفقراء والمهمشين وحتى الذين لا يملكون أجور المواصلات للذهاب إلى حديقتي الثورة والسبعين ناهيك عن شراء تذاكر الألعاب لأطفالهم، إلَّا أنهم يجدون ما يسعدهم في هذه الأيام المباركة، وكانت وجهتهم صوب الحدائق المصغرة القريبة من مساكنهم، كحديقة هائل، وحديقة سعوان، وحديقة 26 سبتمبر، وحديقة النصر... وغيرها من الحدائق والمتنفسات الصغيرة المنتشرة في أحياء أمانة العاصمة، والتي توفر ألعاباً مجانية متواضعة.