ترجمة خاصة - لا ميديا / نشوان دماج -

يعقــوب راينـمـــار* 
ألمانيا، ومعها كافة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهم قوى الفيتو المنوط بها الحفاظ على السلم العالمي، هم أكبر مصدري أسلحة الحرب إلى التحالف السعودي-الإماراتي المكون من ثماني دول، والمسؤول عن ارتكاب أفظع جرائم الحرب في اليمن. ويعتبر مصدرو الأسلحة مشاركين في تلك الجرائم. 
فلو أن الولايات المتحدة أوقفت الليلة دعمها للتحالف السعودي-الإماراتي، وهي حقيقة بديهية في سياق قصف اليمن المستمر منذ أكثر من أربع سنوات، فإن الحرب ستنتهي صباح الغد. في منتصف أبريل 2019، أقر الكونغرس الأمريكي بأغلبية نسبية مشروع قرار كان من شأنه أن يوقف هذا الدعم فوراً -لاسيما وقد أثير بشكل كبير من خلال ليس فقط القصف المتعمد للحافلات المدرسية أو حفلات الزفاف أو قوارب اللاجئين، بل وأيضا من خلال مقتل كاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست، جمال خاشقجي. كان القرار خطوة مهمة ستنهي الحرب في اليمن على المدى القصير إلى المتوسط. غير أن دونالد ترامب استخدم الفيتو الرئاسي للمرة الثانية فأجهض القرار. أما المرة الأولى التي استخدم فيها (الفيتو) فكانت لوأد قرار يلغي "حالة طوارئه القومية" في بناء بعض جداره ضد المكسيك. فمواصلة إمطار القنابل الأمريكية على رؤوس المدنيين اليمنيين من الواضح أن لها أولوية عالية بالنسبة لترامب تماماً كتعويذة "بناء جداره" القومي.
بالإضافة إلى مبيعات الأسلحة بمليارات الدولارات، تقدم الولايات المتحدة دعمها لتحالف الحرب المكون من ثمانية أعضاء -بقيادة السعودية والإمارات- ضد السكان المدنيين في اليمن، من خلال تزويد مقاتلات التحالف بالوقود الجوي، ومده بالمعلومات العسكرية والاستخباراتية لـ"السي آي إي"، وبالدعم اللوجستي، وانتقاء الأهداف، والاستشارات العسكرية العامة في مراكز القيادة في كل من الرياض وأبو ظبي، بالإضافة إلى تواجد بعض القوات الخاصة الأمريكية على الأرض، والأهم من هذا كله الدعم الدبلوماسي والسياسي، وليس أقل منه الدعم الأخلاقي لتحالف الحرب -من دعم أوباما الصريح إلى الاندماج التكافلي للعائلة السعودية بعائلة ترامب.
ونظراً لهذا التواطؤ الشامل، فإن من المفهوم أن تركيز التغطية ينصب نوعاً ما على دعم الولايات المتحدة لتحالف الحرب -عملا بنظرية المؤامرة الحاضرة في كل من العالم العربي والغربي. وفي الحقيقة أن السعودية تقود الحرب في اليمن كدمية للبنتاغون. وبقدر ما يكون هذا الدعم الأمريكي مفهوما، إلا أنه يرسم صورة ناقصة كثيرا ويخفي بشكل منهجي المسؤولية المشتركة لجميع الدول الأخرى -معظمها أوروبية- عن استمرار القصف الوحشي لليمن.

من أين تأتي الأسلحة؟!
إن أكثر أشكال الدعم فورية ووضوحاً هو إمداد تحالف الحرب بالأسلحة. فصناعة الأسلحة المحلية في كل من السعودية والإمارات لا تكاد تذكر. كجزء من رؤية كل منهما لعام 2030 -برامج طموحة لتنويع الاقتصاديات المعتمدة على النفط- يريد كلا البلدين أيضا أن تكون أسلحته على الأقل بنسبة 50 في المائة قائمة على أقدام محلية. مع عدد لا يحصى من المشاريع المشتركة القائمة أو المخطط لها، والشراكات مع مصانع الأسلحة في جميع أنحاء العالم، من المقرر أن تبلغ صناعات الدفاع الخاصة بالبلدين مستوى عالميا في العقد المقبل، وهي عملية عسكرة واسعة النطاق في شبه الجزيرة العربية لا تزال في مهدها. أما شركاء التحالف الآخرون، الأردن والمغرب والكويت والبحرين والسودان، فلديهم إنتاج محلي زهيد. على الرغم من أن مصر طورت تاريخياً من صناعة دفاع متقدمة نسبياً، إلا أن دول التحالف الثماني جميعها تعتمد اعتمادا كبيرا على واردات الأسلحة، كما يلخص معهد الاتحاد الأوروبي للدراسات الأمنية في مسح شامل لصناعات الدفاع العربية.
يعتبر معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام (SIPRI) المؤسسة العلمية الرائدة في العالم للبحث في الإنفاق العسكري ومبيعات الأسلحة، وقد أصدر مؤخرًا قواعد بياناته لعام 2018. كما أظهر المعهد، من خلال تحليل جميع قواعد البيانات القطرية، أن هناك ما مجموعه 32 دولة قدمت ما قيمته أكثر من 31 مليار دولار من الأسلحة إلى دول التحالف الثمان خلال سنوات الحرب على اليمن -من 2015 إلى 2018.
وعليه، فإن أكبر 10 موردين للأسلحة إلى التحالف السعودي/ الإماراتي 2015-2018 (بملايين الدولارات الأمريكية، حصة الدولة من جميع الشحنات إلى الدول الثمان بالنسبة المئوية بين قوسين) هم:
- الولايات المتحدة 1745 (56.8)
- فرنسا 3975 (12.7)
- روسيا 2،434 (7.8)
- المملكة المتحدة 2136 (6.8)
- ألمانيا 1،194 (3.8)
- هولندا 577 (1.9)
- تركيا 502 (1.6)
- إسبانيا 437 (1.4)
- إيطاليا 434 (1.4)
- الصين 420 (1.3)
تأتي الولايات المتحدة في القمة بنسبة 56%. وإذا تم الأخذ في الاعتبار شحنات الأسلحة الموجهة فقط إلى القوتين المسيّرتين للتحالف -السعودية والإمارات- فإن هذه النسبة ترتفع عملياً إلى 70 في المائة. ومع ذلك، تجد العديد من الدول الأخرى نفسها مرة أخرى في قائمة العار، التي من خلال صادراتها تبقي على الحرب في اليمن. فالغالبية العظمى من ال 32 دولة تقع في أوروبا الغربية أو تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي. والموردون المهمون الوحيدون خارج هذه المجموعة هم روسيا، التي تقوم على نطاق واسع بتصدير الأسلحة إلى مصر منذ عام 2017، والصين، التي تعد ثاني أكبر مورد للسودان بعد روسيا. وتحتل فرنسا المرتبة الثانية بثُمن إجمالي شحنات الأسلحة، لترتقي بعد انقلاب الجنرال السيسي إلى أكبر مورد للديكتاتورية العسكرية المصرية. وتأتي بريطانيا في المركز الرابع وتورد بشكل حصري تقريبا إلى السعودية. أما ألمانيا فثاني أكبر مصدر إلى قطر، فيما هولندا هي المورد الأكبر للأردن.
المثير للاهتمام هو أنه، طالما وهناك تصدير شحنات إلى الأردن، فإن "إسرائيل" أيضاً تدخل ضمن القائمة - باستثناء عمان والقاهرة، لا تعترف أي حكومة في العالم العربي بـ"إسرائيل" كدولة. تجدر الإشارة أيضًا إلى أن أكبر أربعة من مُصَدري الأسلحة للتحالف السعودي-الإماراتي هم من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن (فبالإضافة إلى الصين فإن هذه الدول الخمس هي أيضا أعضاء في الـtop 10). أسلحة الدول هذه، والتي تم تصديرها وفقًا للمادة 24 I من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على "المسؤولية الأساسية عن صون السلام والأمن الدوليين"، ها هي ذي قد أنتجت في اليمن، وبحسب الأمم المتحدة أيضاً، أكبر كارثة إنسانية -ولا أقل منها مثالا واضحا على الحاجة إلى إصلاح هيكل الأمم المتحدة من الأساس.

آلة الحرب الأثقل من صنع ألمانيا
"من الآن فصاعدا، لن نسمح بأي صادرات إلى تلك البلدان، طالما أنها متورطة بشكل مباشر في الحرب على اليمن"، هكذا ينبغي أن يقال بشكل لا لبس فيه في اتفاق التحالف الخاص بإعادة إصدار الـ(GroKo) الحالية. لكن كيفية تعامل حكومة ميركل مع هذه الجملة البسيطة تدل على نفاق في سياسة تصدير الأسلحة الألمانية. وحول سؤال إعادة التدوير المتكررة الذي طرحه الصحفي تيلو يونج في المؤتمر الصحفي الفيدرالي، عن الدول المدرجة في قائمة الحكومة السوداء الخاصة باليمن، بدا المتحدث باسم الحكومة ستيفن سيبرت في إهانة حقيقية مجبراً على التهرب مراراً وتكراراً بالقول: "هناك مناقشات"، كأن لم يقل شيئا سيبرت هذا، والذي وقف عاجزاً أمام هذا السؤال على وجه نادر. من الواضح أن الحكومة الفيدرالية غير راغبة أو غير قادرة على تحديد الدول المشاركة في الحرب على اليمن.
حتى بناء على التفسير الأكثر تحفظًا، فإن من المفترض بالسعودية على الأقل -بصفتها قائدة التحالف- أن تكون هي أيضا "مشاركة بشكل مباشر" في الحرب التي تقودها. ومع ذلك، بدأت الحكومة الفيدرالية في إخلاف وعدها بشكل صارخ، ووافقت على تقرير تصدير الأسلحة المعد من قبل وزير الاقتصاد بيتر ألت ماير (CDU) في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2018 وحده تم تصدير أسلحة إلى السعودية بمبلغ 416 مليون يورو - مقارنة بمبلغ 254 مليون يورو في كامل العام السابق. في ورقة داخلية أعدها آلت ماير إلى البوندستاغ، حصلت عليها صحيفة دير شبيجل، جاء فيها أنه في سبتمبر 2018 تمت الموافقة على "تصدير أسلحة بملايين الدولارات إلى السعودية والإمارات والأردن"، ولهذا السبب يمكن افتراض أن التصاريح نحو السعودية وحدها سوف تتضاعف تقريبا في أول عام الـ"Groko" 2018، (GroKo: التحالف العظيم). إذا لم تكن اتفاقيات التحالف وثائق ملزمة، على الأقل قانونياً، فيمكن للأطراف بكل بساطة أن يوفروا على أنفسهم وعلينا عناء مسرحية أسابيع من المفاوضات حول هذه "المعاهدات".

ألمانيا، ومعها كافة الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي، وهم قوى الفيتو المنوط بها الحفاظ على السلم العالمي، هم أكبر مصدري أسلحة الحرب إلى التحالف السعودي-الإماراتي المكون من ثماني دول، والمسؤول عن ارتكاب أفظع جرائم الحرب في اليمن. ويعتبر مصدرو الأسلحة مشاركين في تلك الجرائم. 
في أكتوبر 2018، برز إلى السطح مقتل جمال خاشقجي، كاتب العمود في صحيفة «واشنطن بوست»، في القنصلية السعودية بأسطنبول. أدت التغطية الإعلامية العالمية القوية في البداية لقضية خاشقجي إلى إجبار الحكومة الألمانية على اتخاذ إجراءات مترددة، الأمر الذي استدعى في البداية وقف الصادرات إلى السعودية لمدة شهرين. وعلى الرغم من أنه تم تمديد هذا "الوقف" عدة مرات، إلا أنه منذ البداية لم يكن يستحق الورق الذي كُتب عليه. وهكذا واصلت Rheinmetall، أقوى شركة أسلحة ألمانية، تقديم قنابل "مارك 83" والذخيرة بكافة أنواعها، وذلك عبر فروعها في كل من إيطاليا وجنوب إفريقيا، إلى السعودية، والتي قدر عضو مجلس إدارة Rheinmetall، هيلموت مارش، قيمتها بأكثر من مائة مليون يورو سنويا. وعلى الرغم من تمديد "التوقف" لستة أشهر أخرى في نهاية مارس، فإنه في نفس الوقت، وتحت ضغوط مكثفة من باريس ولندن، تم التخفيف من القيود المفروضة على توريد المكونات الألمانية في المشاريع الأوروبية المشتركة -في الفترة التي سبقت كان هناك حديث عن "استياء" و"غضب متزايد" من بريطانيا وفرنسا. أما الآن فيمكن تزويد شركات الأسلحة البريطانية من قبل الموردين الألمان من أجل بناء الـ Eurofighter* للسعودية. (*يوروفايتر: شركة متعددة الجنسيات تقوم بتصميم وإنتاج وتحديث طائرات اليوروفايتر تايفون -وهي طائرات قتالية متعددة المهام).
كذلك، تمت الموافقة على تصدير المعدات إلى شركات الأسلحة الفرنسية حتى تبلغ وجهتها النهائية: السعودية، ولم تحتج إلى أسبوعين من التخفيف؛ مثلما حدث مع آلة الحرب الثقيلة المصدرة إلى قطر (التي منذ يونيو 2017 لم تعد جزءا من التحالف) وإلى كل من مصر والإمارات -"المجرمتين ببساطة"، بحسب رأي سيفيم داجديلن، ممثلة المجموعة اليسارية في البوندستاغ، في حديثها عن أحدث التصاريح الممنوحة لمختلف أعضاء تحالف الحرب.
في تحليل دقيق، أظهرت شبكة البحث عبر أوروبا GermanArms أدلة تثبت بأن أنظمة الأسلحة الألمانية يتم استخدامها من قبل التحالف السعودي-الإماراتي في اليمن "برا وجوا وبحرا"؛ من السفن الحربية إلى قاذفات القنابل إلى مدافع الهاوتزر. وبصورة خاصة، يتم بشكل متكرر التركيز على قوارب الدوريات التي أنشأها لورسن في مكلنبورغ-بوميرانيا الغربية، والتي تم وسيتم تسليم العشرات منها للسعودية، حيث من المرجح أن يستخدمها التحالف للحصار البحري شبه المطبق لليمن -السبب الرئيسي وراء المجاعة التاريخية في البلد. وطالما تبدو هذه الحقيقة عادية أسلحهة يتم بيعها لكي يتم استخدامها- فإن الحل لدى الحكومة الاتحادية يكون دائما هو ردود الفعل الدفاعية الغبية نفسها: "لا أعرف شيئا عن ذلك"، كما أوضح وزير الاقتصاد بيتر ألتماير أمام القنوات الألمانية في مزيج نمطي من الغطرسة والاحتقار.
وفيما تختبئ الحكومة الفيدرالية في مجلس أمن فيدرالي سري ومسؤول عن السرية، حيث يتم إبرام صفقات الأسلحة لديكتاتوريي العالم، ومن ثم تأتي التصريحات (الألتمايرشية) لتخدع نفسها وتخدعنا معها، أظهر استطلاع لـ(YouGov) في مايو 2018 أن 64 في المائة ممن شملهم الاستطلاع يعارضون عموما عمليات تصدير الأسلحة، ويعارض ما يصل إلى 80 في المائة أي شحنات أسلحة إلى مناطق الحرب والأزمات. من الواضح أنه لا يمكن تفسير أي من بيانات الحكومة - أو العكس: من المشين أنه لا يمكن تجاهل إرادة السيادة المفترضة. 

الدعم يعني تواطؤا
خلافا لبقية الداعمين كألمانيا، لا يتوزع الدعم البريطاني على مختلف بلدان تحالف الحرب، بل يتركز بالكامل تقريبا على المملكة العربية السعودية: خصوصا أن القصف الوحشي للسكان المدنيين في شمال اليمن من قبل القوات الجوية الملكية السعودية سيكون بدون الشركة البريطانية (BAE Systems*) بكل بساطة مستحيلا.
(*بي أي إي سيستمز) هي شركة متعددة الجنسيات مختصة في الصناعات الجوية والدفاعية مقرها في لندن في المملكة المتحدة ولها فروع في جميع أنحاء العالم مثل: "إسرائيل". ومن بين أكبر شركات الصناعات الدفاعية في العالم). إن الدعم البريطاني لتحالف الحرب يشمل فعلاً كل شيء، فيما يتعلق بصادرات الأسلحة، والدعم اللوجستي، وتبادل المعلومات الاستخباراتية، والاستشارات العسكرية، والتدريب، ونشر القوات. وسيلعب في القريب العاجل دورا في شتى الأمور، وبدعم من الولايات المتحدة. من الجدير بالذكر أن واشنطن ولندن تقفان على مرحلة مهمة للغاية من الدعم الدبلوماسي والسياسي لجانب الرياض وأبوظبي: ففي يونيو 2018، وبعد يومين من بدء الهجوم الكبير على مدينة الحديدة المسيطر عليها من قبل "الحوثيين" -وهي بمثابة شريان الحياة المفصلي لليمن الذي يدخل من خلاله 80 في المائة من المواد الغذائية إلى البلاد- استخدمت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا حق الفيتو ضد قرار تقدمت به السويد إلى مجلس الأمن يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في الحديدة.
منذ بدء الحرب على اليمن، وافقت لندن على رفع صادرات السلاح للتحالف السعودي-الإماراتي إلى ما يزيد على 5.5 مليار جنيه (حوالى 3,6 مليار يورو)، إضافة إلى أنها في سنوات الحرب على اليمن تعتبر تاريخيا ثاني أكبر مورد للأسلحة للعائلة المالكة السعودية بعد الولايات المتحدة، وقبل هذا وذاك لا ننسى أن سلاح الجو السعودي يدار من قبل BAE Systems. في فتوى قانونية رائدة صدرت في فبراير 2019، أعلن مجلس اللوردات البريطاني أن شحنات الأسلحة من قبل الحكومة البريطانية إلى التحالف السعودي-الإماراتي كانت غير قانونية بسبب استخدامها ضد المدنيين في اليمن وانتهاك القانون الإنساني الدولي. مع ارتفاع أعداد مماثلة كما هو الحال في استطلاعات الرأي الألمانية، هناك أيضا ثلاثة من أصل أربعة من البريطانيين والبريطانيات هم ضد عمليات تصدير الأسلحة إلى مناطق الحرب. لا داعي للقول بأنه لا لفتوى التحريم البرلمانية ولا لرأي الشعب البريطاني أي تأثير على ممارسات تصدير الأسلحة لإدارة ماي.
وعلى الرغم من أن لندن تنكر على الدوام تورطها شخصيا بأي مشاركة في الأعمال العدائية ضد اليمن، إلا أنه في مارس 2019 أصيب خمسة جنود بريطانيين في معارك مع المتمردين الحوثيين ونقلوا إلى موطنهم متأثرين بجروح بالغة، مما أثار تساؤلات صعبة حول المدى الفعلي لمشاركة الجيش البريطاني في جبهات القتال باليمن. وها هو تقرير ميداني بريطاني في العام 2018 يكشف لأول مرة مدى تورط بريطانيا في حرب اليمن، ويكشف عن عدد هائل قوامه 7000 شخص من المملكة المتحدة (من الجيش والحكومة والقطاع الخاص) يدعمون الجيش السعودي في الحرب على اليمن؛ وخاصة سلاح الجو السعودي. يتراوح هذا الدعم بين صيانة وتسليح قوات الصاعقة السعودية ومقاتلي اليوروفايترز وتدريب الطيارين والتنسيق بين مراكز القيادة العسكرية.
"إذا كان الدعم البريطاني يخلق العنف السعودي، فإن هذا العنف هو أيضا عنف بريطاني"، يكتب الخبير بشؤون الخليج ديفيد ويرنغ في صحيفة الجارديان في أبريل 2019. "وبريطانيا العظمى تصبح مساهما كبيرا في كلفته البشرية". وغني عن القول بأن هذا البيان لا يقتصر على بريطانيا العظمى، بل ويجعل من أي فاعلية دولية مبلبلة بعض الشيء في مصداقيتها ووضوحها.
إن السياسية تبذل الكثير من الجهد لإبطال بديهية مفادها أن عمليات تصدير الأسلحة تفضي إلى بؤس إنساني هناك. فالحجج الوهمية والزائفة والقابلة للدحض حول مهام أو التزامات التحالف، وكذا الشعارات الرنانة الزائفة والجوفاء مثل الإعلان عن الانسحاب النهائي أو قانون الرقابة الصارمة على تصدير الأسلحة، لا بد وأن تحجب البديهة البسيطة القائلة بأن دعم أي قاتل جماعي هو مرادف للتواطؤ في القتل الجماعي. ينطبق بيان ديفيد ويرنغ على جميع الحكومات الـ 32 على الأقل التي، في السنوات الأربع من الحرب الكارثية على اليمن، ظلت تكدس بشكل فاحش ترسانات التحالف السعودي- الإماراتي بالقنابل الفارغة أو ظلت تدعمه بطريقة أخرى في قصفه الإبادي الجماعي - وخاصة الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا وبريطانيا العظمى وألمانيا. لقد أصبح هؤلاء جميعا "متواطئين إلى حد كبير" في المعاناة التي لا تحتمل للسكان المدنيين اليمنيين.

* حقوقي وناشط سلام ألماني