شايف العين/ لا ميديا -

منذ 97 عاما ميلادياً، 99 عاماً هجرياً، لا يأتي موسم الحج إلا ويجلب معه الحزن والألم لأبناء الشعب، بذكرى المجزرة التي ارتكبها بنو سعود وضباعهم الوهابية بحق الآلاف من الحجاج اليمنيين، معلنا براءته من الجريمة ومقدما اعتذاره لأحفاد من نصروا رسول الله محمداً وآله.
المجزرة غيبتها لعقود طوال أنظمة الوصاية عن وعي أجيال من أبناء الشعب معظمهم أحفاد لضحاياها، لم يعرفوا ما حدث لأجدادهم ذلك اليوم المشؤوم، في "تنومة"، تلك المنطقة الواقعة ضمن عسير. لقد بقيت مجزرة تنومة حبيسة الإخفاء القسري منذ 1923 حتى 21 أيلول 2014.
في تلك المجزرة المروعة التي ارتكبها جنود عبدالعزيز بن سعود الوهابيون بقيادة المجرم عبدالعزيز بن إبراهيم، استشهد أكثر من ثلاثة آلاف حاج يمني قدموا من معظم قرى اليمن، ولولا القلة القليلة الذين نجوا، لما عرفنا اليوم شيئاً عن تلك الجريمة البشعة.
صحيفة "لا" تضع بين يدي قرائها ما نقله أربعة من أحفاد الشهداء عن آبائهم عن الناجين من رفاق أجدادهم الشهداء.

99 عاما هجريا على الوداع الأخير
تحل هذا العام الذكرى الهجرية التاسعة والتسعون لمجزرة تنومة التي استشهد فيها 3105 حجاج يمنيين خرجوا في ذي القعدة من السنة 1341هـ متوجهين إلى بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج والفرح يملؤهم وأسرهم التي لم تدرك أن ذلك هو الوداع الأخير وبعضها مازالت تجهل حتى اليوم مصير من ودعتهم.
في واد بعسير كان الحجاج ثلاث فرق: الأولى سلكت طريق تنومة، والثانية سدوان الأعلى، والثالثة سدوان الأسفل، وهي مناطق متقاربة. من هناك رافقهم المجرمون بزعم حمايتهم. وما إن وصلوا تلك الأماكن باشرتهم وحوش بني سعود الوهابية بمختلف ما يخترق الأجساد: رصاص، سيوف، سواطير... حدث ذلك في يوم الأحد 17 ذي القعدة 1341 هجرية، بحسب باحثين ومؤرخين، بعد عام من انتزاع الهالك عبدالعزيز المنطقة من أميرها آنذاك حسن بن عائض. 

تفاصيل من تنومة 
التفاصيل المتوفرة حول مجزرة تنومة ليست بحجم الجريمة، بسبب التغييب الذي فُرض عليها قرابة القرن، بدفع من بني سعود، وبمساعدة أنظمة الوصاية والخيانة التي احتلت كرسي الحكم في اليمن حتى 2014. كما أن غياب وسائل التوثيق حينها ساهم في ذلك. ولولا روايات من تمكنوا من النجاة من أنياب التكفيريين لما وصلنا عنها شيء. خصوصاً وأن جثث الشهداء لم تعد ولم تدفن وإنما أكلتها الضوراي والجوارح.

لحظة الهجوم 
عبدالله أحمد التركي، مواطن من صنعاء يعمل مدرسا، يروي ما فعله جنود المجرم الهالك عبدالعزيز بن سعود بجده الشهيد مهدي سعد عبدالله التركي، الذي كان يعمل طبيبا. يقول: "أخبرني والدي، وهو حفيد الشهيد، أن جده كان جالسا مع مجموعة من الحجاج يقرؤون سورة يس. ما إن قرؤوا: "سلام قولا من رب رحيم"، باشرهم القتلة بالأعيرة النارية. أصابته رصاصة في رأسه ليسقط شهيدا".
وأضاف أن هذه القصة رواها غالب الحرازي، من مديرية آنس بمحافظة ذمار، الذي نجا من براثن المجرمين واستطاع الهرب رغم الجرح الذي أصابه برصاصهم، ليروي لأولاد مهدي ما حصل لوالدهم، مشيراً إلى أن القتلة نهبوا مقتنيات الحجاج بعد أن قتلوهم، ومن ضمن تلك المقتنيات كتاب في الطب ألفه جده الشهيد. 

"الغُطغُط" قتلوا الحاج وابنه
المهندس أحمد يحيى محمد محسن الحوثي، من مديرية الحيمة الداخلية، وهو حفيد الشهيد محسن علي عبدالله صلاح الحوثي، يروي تفاصيل من الجريمة حدثه بها والده نقلا عن عبدالله القادري، أحد الناجين، وهو من قرية مجاورة لقريتهم، حيث قال إن المجرمين الوهابيين باشروا الحجاج، العزل من السلاح، بإطلاق النار، ليسقطوهم شهداء، ولم يكتفوا بذلك بل مروا من فوق الجثث ووجهوا إليها طعنات بالسيوف والخناجر التي كانت على رؤوس أسلحتهم ليضمنوا عدم نجاة أحد قد يروي تفاصيل جريمتهم النكراء.
وطبقا لما سمعه من والده فإن رفيق جده الذي أخطأه رصاص المجرمين، اندس بين الجثث متظاهراً بالموت، ليتلقى طعنة من أحد خناجر المجرمين، ولم يستطع الهرب إلا ليلا رغم أن المجزرة وقعت قبل الظهر واستمرت إلى العصر. 
المحزن في قصة هذه العائلة أنه بعد أن طالت مدة غياب شهيدها في "الحج"، سمع "علي" الابن الأصغر للشهيد عن حدث جلل وقع للحجاج اليمنيين مفاده أن "الغُطغُط"، وهو لقب المجرم الذي قاد التكفيريين لتنفيذ الجريمة بأمر من عبدالعزيز وأطلق بعدها هذا الاسم على المجموعة بأكملها. انطلق "علي" دون أن يخبر أحداً من أسرته بحثاً عن والده، لكنه هو الآخر لم يعد حتى اليوم، ولعل "الغُطغُط" قد صادفوه في الطريق، وهذا ما تعتقده الأسرة، خصوصا بعد أن عاد ذلك الناجي وأخبرهم بما حدث. 

إن رجع في صفر وإلا فقد جفر
هذه العبارة أصبحت متداولة عند اليمنيين الذين سمعوا بالمجزرة، وباتوا يرددونها حين يذهب أقرباؤهم لأداء الفريضة في بيت الله الحرام. ومعنى العبارة أن من يذهب إلى الحج ولم يعد في شهر صفر فقد لقي حتفه، كون الرحلة كانت تستغرق شهرين ذهابا وإيابا.
هذا ما قاله ناشر علي ناشر خاتم، الخمسيني، من محافظة حجة، وحفيد الشهيد علي صغير خاتم، والذي لم يعرف والده وأسرته ما حدث للشهيد، كونهم لم يسمعوا خبرا من أحد رفاقه، ما يدل على أن من ذهبوا من القرية والقرى المجاورة استشهدوا جميعهم.
وأكد ناشر أنه ومجايليه من أبناء أسرته لم يكونوا يعلمون أن جده الشهيد كان ضمن قافلة الحج تلك التي قتلها جنود بني سعود في تنومة، وكل ما سمعوه أنه ذهب للحج ولم يعد، وحين سمعوا عن المجزرة عرفوا أنها حدثت في العام نفسه الذي ذهب فيه جده.
ويضيف خاتم أن والده، حفيد الشهيد، أخبره بأن الحجاج كانوا يتعرضون للقتل حتى قبل مجزرة تنومة، من قبل قطاع الطرق الذين يسطون على "الرشاد"، وهو الزاد الذي يحمله الحاج ليكفيه طيلة الرحلة، وغالباً ما يتكون من "القرم" (نوع من الخبز) وبضع ريالات "فرانصي" كما كانت تسمى، وهي جنيهات ذهبية.

العدوان السعودي بدأ في 1923
تثبت مجزرة تنومة بحق الحجاج اليمنيين أن عدوان بني سعود وحقدهم على اليمن وشعبه بدأ في عام 1923 بإيعاز من أربابهم البريطانيين الذين دعموهم في تأسيس مملكة قرن الشيطان.
أحفاد الشهداء الذين التقت بهم الصحيفة قالوا إن جريمة بني سعود بقتل الحجاج اليمنيين كانت شكلاً من أشكال الترهيب الذي قامت عليه مملكتهم الشيطانية. علي الحوثي، حفيد شهيد قتل في تنومة، يصف ما حدث في عسير بداية ثلاثينيات القرن التاسع عشر بأنه يثبت أن العدوان على الوطن له جذور قديمة عمل العدو وأذنابه على منع صعودها إلى السطح ومعرفة أبناء اليمن بها.
ويضيف الحوثي أن بني سعود عملوا على تغييب الجريمة عن أذهان الناس، وساندهم في ذلك أذنابهم الذين تولوا الحكم في اليمن لعقود طويلة، حتى أن المناهج الدراسية ووسائل الإعلام لم تتطرق إلى ذكرها على الإطلاق، وبقي الشعور بالحزن والألم مقصورا على أحفاد شهداء المجزرة ومن علم بها. 

21 أيلول تبعث القضية من جديد
ظلت مجزرة تنومة موؤودة طيلة 99 عاما، وهي الفترة التي أخفى فيها العدو وأذناب وصايته 3105 حجاج يمنيين قسريا لا يعلم المواطنون عنهم شيئا، حتى بعض أحفادهم لم يصلهم ما حدث لأجدادهم من جريمة بشعة.
ومثلما نفضت ثورة الشعب في 21 أيلول 2014 بقيادة أنصار الله غبار الوصاية والتبعية عن اليمن، أزالت أكوام غبار التاريخ عن جريمة تنومة لتجعلها دليلا دامغا على وحشية العدو الذي يقود تحالف عدوان كونياً على الوطن انتصف عامه الخامس وارتكب مجازر مروعة بحق الأطفال والنساء والشيوخ والشباب وأوصل الحزن إلى كل قرية ومنزل.
وكما يفعل العدو حاليا، فقد فعل قبل 99 عاما وأوصل الحزن والألم إلى كل قرية في عموم أنحاء الوطن، بقتله أكثر من ثلاثة آلاف، بينهم أطفال ونساء، تحملوا مشقة وتعب الطريق بغية تأدية فريضة الحج وزيارة بيت الله الحرام، لكنهم بدلا من ذلك تحملوها ليقتلوا على أيدي الجماعات التكفيرية ذاتها التي تقتل أبناء الشعب اليوم.
تعتزم أسر شهداء مجزرة تنومة رفع القضية والدعوى التي ظلت عقودا بانتظار رفعها للمحاكم الدولية، وأملهم أن لا يفلت المجرم السعودي من العقاب، وأن ينال جزاءه على ارتكاب تلك الجريمة والجرائم التي يرتكبها حاليا.
ويؤكد أحفاد الشهداء أن قيادة ثورة 21 أيلول لن تفرط في رفع الدعوى ضد بني سعود، لاسيما بعد أن أحيت الروح في قضية بقيت مدفونة قرابة القرن وأعادتها إلى الواجهة، كونها جريمة لا تسقط بالتقادم، ومثلما يتم الرد حاليا على المجازر فيجب الرد على تلك المجزرة.