علي نعمان المقطري / لا ميديا -

لم تكن خدع الربيع العربي ظاهرة جديدة أو لعبة تفتقت عنها عبقرية الغرب الاستعماري، بل هي تكرار لما أسس عليه في بلادنا العربية منذ قرون من الاحتلال والهيمنة؛ فتارة يأتي الاستعمار بوجوهه الكالحة وقد ألبسها أثواب الدعاة القديسين الأتقياء الأنقياء المتعبدين، محاكاة للعرب المسلمين ولأوهامهم ونواياهم الساذجة المبهمة، وإذا بعملائه ووكلائه قد أصبحوا في صورة الرهبان المتهجدين الواعظين يوزعون الخيرات يسارا ويمينا للناس الفقراء والمساكين ويكسبون عواطفهم ومشاعرهم وحبهم.

فقهاء الاستعمار 
كان فقهاء الاستعمار جاهزين لإسكات الأصوات الحرة وإخماد أنفاسها باكراً -من الرجال الإسلاميين الأحرار- بالقتل والمطاردة والحرمان وإحلال فقهاء مائعين لبراليين من مدرسة المستعمر الوهابية أمثال (الباحميش) الذي كان قد عينه المستعمر رئيس المؤسسة الدينية والقضائية لعدن المستعمرة ويعرف الذين عاشوا تلك المرحلة كيف كان يدير الأمور الدينية ولمصلحة من.
كان يقدم رجل الدين نموذجاً ليبرالياً استعمارياً قبيحاً يُبيح في فتاواه المحرمات الصريحة الواضحة في الدين كمثال المحلل في الطلاق، والتي اشتهرت عنه كثيراً. ويشهد عنه سائقه أنه (باحميش) كان يكلفه بدور المحلل لليلة واحدة ثم يطلق تلك المرأة لترجع إلى المطلِق الأول مقابل مبلغ من المال يحصل عليه من المستفيد... ومثل هؤلاء كان المستعمر يرعى ويدعم ويربي.
لقد كان مثل هذا النوع يسبح بكلمة لله وبعشر للمستعمر، ويحمل بالهجوم على الثوار الأحرار في كل مناسبة وهو يفجر ويفسق في سلوكه اليومي دون حياء.

البداية الأولى للزنداني من عدن
كان (الزنداني) في الستينيات أحد تلامذة الوهابية الإخوانية، ومن عدن المستعمرة بدأ مشواره في خدمه المستعمر. كان أبوه يدير مركزاً لتحويلات المغتربين اليمنيين في السعودية، أي أنه من إب صيرفي يعمل في تجارة المال والربا الحرام والفائدة الطفيلية، وجميع الأديان السماوية والمبادئ الاقتصادية تحرِّم هذا النشاط ولا تعترف به كمصدر مشروع للمال، عدا مدرسة المستعمر الدينية المزورة التي تولت إنتاج نماذج دينية ممسوخة كالإخوانية والوهابية.
وما يلفت النظر، هو حقيقة أن هذا الذي قضى عمره في مهاجمة وتكفير الوطنيين واليساريين والقوميين والأحرار والجمهوريين وتكفير الشعب في الجنوب، وتبرير الحرب العدوانية ضده وتبرير الحرب العدوانية ضد الشعب في صعدة بمبرر أنهم روافض وانهم مخالفون للملة السلفية الإخوانية الوهابية، هذا هو نفسه الذي خدم الطغيان بحماسة، كما خدم من قبل الاستعمار في عدن. وهو نفسه كانت له قضايا جنائية أخلاقية من العيار الثقيل ووصلت إلى المحاكم، ويعرفها العاملون في مجال القضاء بالتفصيل، مثل الدكتور مصطفى عبدالخالق وزير العدل السابق في الجنوب. ومقتل ابنته لينا مصطفى من قبل الزنداني كان على خلفية ملفاته الجنائية في قضاء عدن التي كان الزنداني يعتقد بشكل قاطع أن الدكتور مطلع على ملفاتها وحيازتها... ومن ثم أراد الزنداني وجماعته إذلاله وقهر إرادته من خلال خطف ابنته والتصرف معه كمافيا شارك فيها علي صالح بنفسه وغطى على الجريمة وساهم في إجهاضها، بل وأنيط به دور الوسيط لإقناع مصطفى بالتعاون والخضوع لطلبات الجماعة بدلا من الدفاع -ولو صوريا- عن أمن الناس في جمهوريته، فصار صالح يلعب دور المرابي بين الطرفين للحصول على عمولاته من الجانبين.
كانت هذه من أهم الأمثلة على ما صنعه المستعمر من وكلاء وفقهاء دين!

وهن تربية المستعمر
في العام 1990 كان د. مصطفى عبدالخالق قد اختير قائداً أولاً لمنظمة الحزب الاشتراكي في العاصمة صنعاء وكان من ألمع الشخصيات السياسية للحزب بعد الوحدة وأحد أهم شخصيات الحزب في الحكومة الموحدة المشكلة من الحزبين المتقاسمين للحكومة؛ فقد كان يشغل منصب نائب وزير الشؤون القانونية. 
وكان هناك وعود وآمال واسعة وعريضة بأن قضايا القانون وهيبته سوف تسود حتما في البلاد وسوف تعود الكثير من الحقوق المسلوبة والمنهوبة للوطن وللشعب وللناس المقهورين، وسوف تعاد اعتبارات وحقوق وحريات الكثير ممن فقدوا وأسروا لدى الأجهزة الأمنية وأخفوا أو حوكموا صورياً ظلماً وزوراً واتخذت بحقهم أحكام جائرة لدوافع سياسية واضحة بدون ذنب ارتكبوه حقيقة، مثال ذلك قضية المعتقل الوطني الشهير المناضل منصور راجح -الطالب في لبنان- القادم إلى قريته للإجازة مع أهله، وكيف لفقت له المخابرات والشيوخ المجندون لها قضايا قتل لا علاقة له بها نهائياً، واستخرجوا حكماً بالإعدام على المعتقل المذكور، ليقضي أكثر من عشرين عاماً في السجن قبل أن يطلق سراحه وينفى خارج البلاد. 
وكان د. مصطفى وزملاؤه آنذاك لهم دور في إثارة قضيته والضغط على البيض لطرح قضيته خلال اجتماعات مجلس الرئاسة، والضغط على وزير العدل عبدالواسع سلام لرفض المصادقة على التنفيذ والمطالبة بإعادة المحاكمة، والعمل على تجميد الإجراءات من قبل ممثلي الحزب في مجلس الرئاسة، وقد نجحت الحملة في تجميد تنفيذ الإعدام والبقاء حياً في السجن. 
كانت هذه القضية من ضمن قضايا أخرى هي التي تقف خلف الحملة التكفيرية على هؤلاء الأحرار وخلف عملية اغتيال الوزير عبدالواسع سلام، وتدمير الوزير مصطفى عبدالخالق وزملائه. ولم يتأخر الضغط المضاد الداخلي، فسرعان ما اتخذ قرار مركزي لا شرعيه له بعزل د. مصطفى عبدالخالق من قيادة المنظمة وتعيين بديل آخر له، ومنعه من إعادة ترشيحه في المؤتمر الثاني للمنظمة الحزبية إلى المنصب. وبالمناسبة، فقد تولى د. ياسين تنفيذ القرار المركزي في المؤتمر الثاني ومنع أي ترشيح إلى موقع الرجل الأول - غير ما قررت الأمانة العامة للبيض. وكان هذا ليس إلَّا استجابة واهنة لضغوط صالح على القيادة الاشتراكية القادمة من عدن. 
كانت مدرسة سياسة عدم التشدد مع الآخر والمرونة هي التي تسود في القيادة تلك، وهذا يفسر الكثير من الإصابات والمصائب التي حلت بالاشتراكي ومناضليه وبالوطن ووحدته.