مارش الحسام / لا ميديا -

ألحق العدوان على اليمن منذ 5 سنوات، أضراراً كبيرة بقطاع الكهرباء، أدت الى سقوط منظومتها بالضربة القاضية.
وبحسب تقارير رسمية، فقد رصدت وزارة الكهرباء في صنعاء، تدمير طيران العدوان بالقصف المباشر 84 محطة ومولداً كهربائياً وملحقاتهما، ويقدّر حجم الأضرار المباشرة التي لحقت بالبنى التحتية لقطاع الكهرباء والطاقة بمبلغ مليار و892 مليوناً و344 ألف دولار، إضافة إلى أضرار غير مباشرة بمختلف قطاعات الكهرباء أفضت في مجملها الى خروج محطّات التوليد الرئيسية عن الخدمة في صنعاء والمحافظات الواقعة تحت سيطرة حكومة الإنقاذ.

اتجاه إجباري للكهرباء الخاصة
في ظل حالة الشلل التام لقطاع الكهرباء الحكومية، خلقت الحاجة الملحة للطاقة، الى ظهور الكهرباء الخاصة والتي حظيت بتجاوب أعداد لا بأس بها من المواطنين، كملاذ وحيد واتجاه إجباري نحو جشع تجار الكهرباء وأسعارهم المكلفة وشروطهم المجحفة للحصول على الخدمة، وفرضهم رسوماً غير قانونية تحت مسمى اشتراك شهري أو أسبوعي، ويبلغ الفارق في متوسط سعر الكيلو وات الواحد بين سعر الدولة وسعر الكهرباء الخاصة أكثر من 225 ريالاً.

أسعار عابرة للحارات
تتراوح تعرفة سعر الكيلو وات للكهرباء الخاصة في صنعاء ما بين 250 و300 ريال، ويُشترط على المشترك دفع مبلغ مالي كضمان أولي، وشراء عداد كهرباء جديد وكابل ودفع أجور المهندسين.
أما سعر الكيلو وات فيخضع لمزاجية ملاك محطات توليد الكهرباء, فمثلاً في مذبح وتحديداً في الحارة المجاورة لنادي الشعب يبلغ سعر الكيلو وات 300 ريال الى جانب دفع رسوم 2000 ريال تحت مسمى اشتراك شهري، وفي ذات المنطقة مذبح ولكن في الحارة المجاورة لمكتب النائب العام سعر الكيلو وات هو 300 ريال ودفع 650 ريالاً رسوم اشتراك أسبوعي. 
أما في شارع عشرين بهائل فسعر الكيلو وات 220 ريالاً واشتراك شهري 3000 ريال. وفي سعوان حارة شارع النصر سعر الكيلو وات 280 ريالاً واشتراك شهري 2000 ريال، وفي بعض أحياء الحصبة سعر الكيلو وات 300 ريال مع دفع 2000 ريال مقابل اشتراك شهري... وهكذا لكل محطة سعر يخضع لمزاج صاحب المولد.

الطاقة الشمسية والكهرباء الخاصة
تعتبر الكهرباء الخاصة أنسب وبكثير من منظومة الطاقة الشمسية بقدرتها على تشغيل الآلات الكهربائية والثلاجات والمكيفات لمواجهة موجة الحر، وخصوصاً في فصل الصيف، ومع ذلك تبقى غير مناسبة للمنازل لكونها مكلفة جداً، أما المحلات التجارية فهم مجبرون على استخدامها. 
والطاقة الشمسية قد تلبي 60 أو 70% من احتياجات المنزل، ولكنها لا تلبي احتياجات المتاجر والورش، والفنادق، وغيرها من المشاريع التجارية، حيث لا تفي أنظمة الطاقة الشمسية باحتياجاتها.

مش مخارج
بهذه العبارة لخص لبيب القاضي (صاحب محل تطريز) معاناته مع الكهرباء الخاصة.
يقول لبيب: "أنا لدي معمل متواضع للتطريز يحوي 3 آلات صغيرة، وكل 10 أيام تطلع الفاتورة بـ120 ألفاً مقابل الاستهلاك، رغم أنها آلات صغيرة ويدوية وليست أوتوماتيك. ومع هذا إجمالي الاستهلاك الشهري حوالي 360 ألف ريال، وباقي رواتب 3 عمال وإيجار محل، وإحنا عسى الله كم نربح.
وتابع: "التجار يعطوننا القماش، ونحن نقوم بالتطريز، ويحاسبوننا على القطعة. وسعر الكيلووات 300 ريال، ونربح بعد قطعة القماش أقل من 50 ريالاً، وما ينتجه المعمل لا يغطي نفقات الكهرباء وأجور العمال والصرفيات التي تبلغ حوالي مليون ريال شهرياً، صار لدي عجز كبير ومديون للتجار ومديون للعمال، وبعدها اضطررت الى توقيف آلتين، وصرت أشتغل بآلة واحدة، وقلَّت الإنتاجية بنسبة 90%، والمحصول لايغطي مصاريفي ومصاريف العامل الوحيد الذي احتفظت به.. يعني مش مخارج".

الله يعيننا على الفاتورة
وبحسب لبيب فإن الفاتورة حالياً وفي فصل الصيف تصل الى 70 ألف ريال، بعد أن كانت تصل الى ما يقارب 50 ألف ريال في فصل الشتاء، وباقي الفصول المعتدلة، حيث يقتصر تشغيل الثلاجات على 4 ساعات في اليوم بمعدل ساعتين في الصباح، وساعتين في المساء.
ويضيف: "لدينا 6 ثلاجات في المحل، والثلج يذوب بسرعة بسبب الحرارة، يعني لازم نشغل الثلاجة 10 ساعات في اليوم، والله يعيننا على الفاتورة حق هذا الشهر". 
ويتابع: "بعد انقطاع الكهرباء الحكومية قمت بشراء مولد كهربائي، وكنت أجد صعوبة في الحصول على الديزل بسبب أزمات المشتقات النفطية المتلاحقة، وكان المولد كثير الأعطال وبحاجة الى صيانة كل شهر، ما جعلني أترك استخدام المولد، وحالياً أجد نفسي مجبراً على استخدام الكهرباء الخاصة، ليس أمامي خيار آخر أو أغلق المحل".

ابتزاز
صاحب مطعم في شارع عشرين بهائل، يقول إنه تم تغريمه مبلغ 30 ألف ريال، من قبل صاحب المحطة، ودون مبرر.
وقال: "قبل شهر تعرض المحل المجاور لي للسرقة، وأراد جاري أن يضاعف الأقفال وتحصين الباب، وقام باستئجار ماكينة لحام، ولم يكن لديه كهرباء، فبادرت الى توصيل سلك الماكينة من المحل الخاص بي، أثناء ذلك صادف مرور أحد موظفي المحطة، وبعد دقائق جاء بصحبة مسؤولي المحطة، وقاموا بقطع التيار عن محلي، وطلبوا مني دفع غرامة مقدارها 30 ألف ريال لإعادته، وحاولوا أن يلفقوا لي تهمة إتلاف الكابل والتسبب بالضغط على المولد الذي كاد ينفجر، وكانت حجتهم أن هذا الخط عادي وليس خاصاً بالورش والمناجر، ولا يحتمل ماكنية، لأنها بحاجة الى كابل ضغط عال. 
وتابع: "وحين صارحتهم أني قبل أسبوع قمت بتلحيم خزان الماء الخاص بالمطعم وعدد من الكراسي ولمده نصف ساعة، تغيرت التهمة المنسوبة لي بأخرى، وقالوا الغرامة لأنك خالفت الشروط، وليس مصرحاً لك بتوصيل التيار الى الآخرين، وقالوا لصاحب المحل المسروق الذي تكفل بدفع الغرامة نيابة عني إنه لا مفر من الاشتراك إذا أردت تلحيم بابك، ومن ثم قاموا بتهديد الجيران بأنهم سيدفعون نفس الغرامة في حال قيامهم بتوصيل سلك ماكنية اللحام".

تزايد تدريجي
أحمد علي الشهاري، أحد سكان مذبح، يقول: "أنا معتمد بدرجة أساسية على الطاقة الشمسية التي تسد أغلب احتياجاتي المنزلية، وليس كلها، وقبل شهر رمضان فكرت بالاشتراك بإحدى محطات الكهرباء الخاصة، للحالات الطارئة، لسد العجز الذي تخلفه الطاقة الشمسية ولتشغيل الثلاجة في الشهر المبارك، وكان عليَّ بداية دفع مبلغ 20 ألف ريال قيمة العداد، وأجور للكهربائيين المكلفين بتوصيل التيار، وبعدها اشتراك أسبوعي 650 ريالاً، وأسعار جنونية 300 ريال للكيلووات. والمشكلة الكبرى التي جعلتني أقوم بفصل التيار، هي أن الأسعار تتضاعف تدريجياً رغم الحرص والاقتصاد في الاستهلاك. بعد أسبوعين من الاشتراك جاءت الفاتورة بـ1500 ريال، وفي النصف الثاني من الشهر ارتفعت الفاتورة الى 2000 ريال، وبعدها الى 2500 في الأسبوعين، رغم أني قللت الاستهلاك، وهذا استغلالاً واضح من ملاك مولدات الكهرباء".

100 ثلج ولا فاتورة تفصع
يروي أحد المواطنين تجربته لـ3 أشهر مع الكهرباء الخاصة.. يقول: "كنت مشتركاً بإحدى محطات التوليد الكهربائية الخاصة، وكانت أسعارهم لا تحتمل، وكان تشغيل الثلاجة خطاً أحمر، أما في أيام الحر كنت أفضل شراء قطعة ثلج بـ100 ريال بدلاً من تشغيل الثلاجة التي ستكلفني استهلاك أضعاف هذا المبلغ، كنت أسخر من نفسي بـ100 ثلج ولا فاتورة تفصع".

شماعة الديزل
العديد من أصحاب المولدات تهربوا من الحديث معنا حين عرفوا أننا بصدد إجراء تحقيق صحفي، واقتصر جوابهم على القول: أين الديزل؟ بكم البرميل الديزل، ليش ما يرخصوا لنا الديزل؟!

رقابة غائبة
حددت وزارة الكهرباء الحد الأعلى لتعرفة بيع الطاقة الكهربائية للمستهلكين من ملاك المولدات الكهربائية الخاصة، بسعر 250 ريالاً للكيلو وات الواحد، بفارق 220 ريالاً للكيلو من الكهرباء الحكومية قبل العدوان.
وتفرض وزارة الكهرباء توفير لمبات إضاءة وإنارة الشوارع الرئيسية على مالكي المولدات التجارية الخاصة في الأحياء والمناطق التي تقدم فيها خدماتها بالعاصمة صنعاء، وهو ما لم يلتزم به مالكو المولدات، من حيث السعر ولا من حيث الإنارة.
رسوم غير قانونية
لم يكتف تجار الكهرباء بفرض أسعار خيالية تثقل كاهل المشتركين، بل أضافوا إليها رسوماً غير مبررة تحت مسمى اشتراك شهري أو أسبوعي.
في السابق وفي عصر الكهرباء الحكومية، كانت رسوم الاشتراك رمزية، وتدفع لصالح المجلس المحلي، وكانت الكهرباء خدمة، وسعر الكيلو وات ما بين 16 و18 ريالاً. لكن ما مبرر هؤلاء لفرض رسوم اشتراك طالما أنهم لا يقدمون خدمة؟

بارقة أمل
أعلنت وزارة الكهرباء في حكومة الإنقاذ، مطلع العام الحالي 2019م، أن لديها خطة كاملة لتشغيل الكهرباء بأمانة العاصمة صنعاء، وعدد من المحافظات.
وكانت محطة حزيز الكهربائية عادت للعمل في 2016م، وبشكل محدود، واقتصرت على عدد من أحياء العاصمة صنعاء، بعد تمكن الفرق الهندسية من إعادة تأهيل المحطة، وأضاءت لمبات الإنارة في المنازل والمحال التجارية بعد فترة طويلة من انقطاع الخدمة في أحياء حدة وشارعي هائل وجمال وبعض المناطق السكنية جنوبي العاصمة (حزيز وبيت الحضرمي) وبسعر 150 ريالاً للكيلو وات. غير أن سكاناً من هذه المناطق أكدوا أن عودة التيار الكهربائي لاتزال غير ثابتة.
وقال مهندسون في مؤسسة الكهرباء إن عملية إعادة التيار الكهربائي لاتزال في طور التجربة والاختبار، خصوصاً مع وجود أعطال كبيرة في الشبكة الداخلية، فضلاً عن أعطال في الشبكات على مستوى المشتركين، ويجري إصلاحها بصورة تدريجية لتلافي وقوع أضرار نتيجة إعادة التيار الكهربائي.
إلى ذلك، أكد وزير الكهرباء، لطف الجرموزي، في يناير الماضي، جهوزية العديد من محطات التوليد الحكومية لتشغيلها، بعد أن تتوفر كميات الوقود اللازمة لها.