ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

بقلم: غسان ميشيل ربيز
يعتبر رئيس الوزراء نتنياهو فترة رئاسة الرئيس ترامب فرصة ذهبية. وهو يظن أن «إسرائيل» قامت بعمل جيد في أول عامين ونصف في الإدارة الحالية. ومن جانبها شرعنت واشنطن احتلال «إسرائيل» للضفة الغربية بسلسلة من الخطوات الدبلوماسية متعلقة بالقدس والمستوطنات. ثانياً: ضغطت «إسرائيل» على عدد من المشرعين الأمريكيين للتعامل مع كفاح الفلسطينيين باعتباره عملاً غير قانوني. ثالثاً: خلال السنوات القليلة الماضية نجحت «إسرائيل» في تحويل الاهتمام العالمي من فلسطين إلى إيران بحملة عالمية تشيطن نظام طهران. 
لكن هل تستمر هذه المكاسب؟ ليس من المؤكد أن ترامب قد جعل "إسرائيل" أكثر أماناً. عاجلاً أم آجلاً سوف يدرك الأمريكان أنهم يدعمون احتلالاً غير قابل للاستمرار. دولة يهودية تسيطر على شعب ستكون غالبيته عما قريب من الفلسطينيين. لا يهم أين تكون عاصمة "إسرائيل" أو أين تقع السفارة الأمريكية، ولا يهم مدى قانونية أو شرعية مستوطنات الضفة الغربية بالنسبة لواشنطن، ولا يهم متى سيتم التوصل إلى ضم الأراضي المتنازع عليها، فالحقيقة تبقى أن الفلسطينيين ليسوا راحلين عن الأرض الواقعة بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. و"إسرائيل" متجهة إما إلى حل الدولة الواحدة أو إلى سياسة التمييز العنصري. في تعليقه على مؤتمر السلام من أجل الازدهار الأخير الذي عقد في البحرين، والذي لم يتطرق إلى مسألة دولة فلسطين، حتى صديق ترامب المقرب، السناتور الجمهوري ليندسي غراهام، حذر البيت الأبيض من أن حل الدولتين سوف يخفف على "إسرائيل" عبء الاحتلال فحسب. 
ثاني مكسب يروق لنتنياهو يدور حول السيطرة على الرأي العام الأمريكي. أغلق ترامب مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وأوقف أغلب التمويلات لفلسطين، وغير النظر إلى الذين ينتمون إلى أبناء حروب 1948 و1967 كلاجئين وكونهم يستحقون المعاملة على هذا النحو. وبدأ يصبح من الصعب على الفلسطينيين وناشطي السلام اليهود التحريض على المستوطنات "الإسرائيلية". في بعض الحالات، كان يتم معاقبة الأفراد والشركات ممن يدعمون حركات المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات بموجب القانون. لكن الأمريكيين ليسوا سذجاً ليجهلوا التمييز بين الدعوة وبين العنف أو المقاومة المدنية والسلوك غير القانوني. يرى العديد من الأمريكيين أن تحالف ترامب ونتنياهو ينسجم مع اتجاه عالمي ناشئ من القومية المبالغ فيها والمركزية العرقية. ويؤيد غالبية الديمقراطيين المرشحين للرئاسة حل الدولتين. 
لن يستمر عهد التمييز الترامبي ضد الفلسطينيين (وجماعات أخرى مستضعفة) طويلاً؛ فهو عهد تدمير ذاتي. والاندفاع نحو إسكات ناشطي السلام ونحو الامتناع عن تقديم الخدمات للفلسطينيين قد أزعج في واقع الأمر عدداً من المفكرين الأمريكيين اليهود ممن هم قلقون بحق حيال "إسرائيل". 
ثالث مكسب "إسرائيلي" ملاحظ هو تهميش القضية الفلسطينية، من خلال خلق مخاوف وجودية إقليمية متصاعدة من إيران. حيث بات من الملاحظ جداً سرعة تحول اهتمام العالم من فلسطين إلى إيران.
منذ 9 سنوات قصيرة، أثار الرئيس باراك أوباما ووزير الخارجية جون كيري آمال الفلسطينيين في امتلاك دولتهم الخاصة بهم إلى جانب "إسرائيل". وخابت الآمال في عامين بعدما فشلت "عملية السلام". 
لا ينبغي أن يتم استخدام ارتباط إيران بالقضية الفلسطينية لصرف الانتباه عن جهود السلام الشرق أوسطية الحقيقية. وقضايا إيران متصلة بشكل أساسي بسياسات القوة الإقليمية. ولأنها تعي أن معاناة الشعب الفلسطيني لن يتم نسيانها أو التسامح بها ببساطة، كانت "إسرائيل" الدولة الأولى والوحيدة في المنطقة التي تمتلك ترسانة ذرية لحماية ذاتية مطلقة. وكما أصبحت إيران أقوى منافس لـ"إسرائيل"، تريد "تل أبيب" التأكد من أن طهران قد وهنت على الصعيد العسكري وأنها ممنوعة من تطوير أي قدرة في الأسلحة النووية. وتدجين منافسي "إسرائيل" بمشاركة الولايات المتحدة ليست بالظاهرة الجديدة، لكن كلفة ذلك أصبحت باهظة للغاية. 
وفي الوقت الذي بدأت فيه عملية السلام بالتلاشي، باتت الحرب بين إيران و"إسرائيل" خطراً حقيقياً وارداً. قبل أن يتم التوقيع على الاتفاق النووي، أطلقت "إسرائيل" حملة ترهيب بحجة أن إيران كانت مستعدة لامتلاك قنبلة ذرية لمحو اليهود من على الخارطة. 
وبقيادة الولايات المتحدة، تفاوضت ست قوى كبرى خلال 3 أعوام على اتفاق نووي سيبطئ عمل إيران بالطاقة النووية لتأمين "إسرائيل" وبقية العالم، كون إنتاج اليورانيوم من الدرجة الأولى سيصبح تحت الإشراف والسيطرة وسيكون مفتوحاً للمراقبة الكاملة.
في 2015، تم التوقيع على الاتفاق الدولي النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) مع إيران. وشعر العالم براحة لبعض الوقت، عدا "إسرائيل" التي عارضت الاتفاق. ودائما ما كانت حجة "إسرائيل" ضد إيران هي نفسها: الجمهورية الإسلامية هي دولة ثيوقراطية (عقائدية) عازمة على إزالة الدولة اليهودية وبالتالي لا يمكن الوثوق بها. 
لم يكن يجب على "إسرائيل" أن تنتظر طويلاً حتى تشعل الرهبة من إيران. صعد الرئيس ترامب إلى السلطة ليتعهد بالانسحاب من الاتفاق النووي وليعيد عقوبات اقتصادية قاسية عديدة على طهران، فأعاد العقوبات وانسحب فعلاً من الاتفاق النووي في 8 مايو 2018. 
صرفت المفاوضات الشاملة متعددة الأطراف مع إيران الأنظار عن فلسطين. وساهمت عوامل إضافية في هذا الإلهاء. ودور إيران العدواني قد عتم على صورتها عالمياً. ولعبت مخاوف البلدان العربية من إيران عاملاً كبيراً في شيطنة الجمهورية الإسلامية. واتحدت الجماعات المحافظة في أمريكا لدعم ادعاءات "إسرائيل". كانت حملة "إسرائيل" على إيران عنيفة وعالمية ومصحوبة ببيانات علمية "مناسبة" لتثبت أن إيران تمثل خطراً. وكانت حملة فعالة على المستوى النفسي. ونجحت "إسرائيل" في تحويل الجدل العالمي حول "الاحتلال" إلى "بقاء اليهود". 
اتخذت إيران إجراءاتها الخاصة معزولة ومنبوذة للرد، فاختبرت الصواريخ الباليستية وكثفت دعمها لحلفائها في حرب اليمن، ويحتمل (بشكل مباشر أو غير مباشر) أنها قامت بمهاجمة ناقلات النفط في المعدات المائية الاستراتيجية في الخليج. وكان آخر عمل قامت به إيران هو إسقاط طائرة بلا طيار أمريكية، وكذلك خرقت قوانين تخصيب اليورانيوم. 
بعد أكثر من عام على قرار انسحاب ترامب من الاتفاق النووي، أصبح العالم في حيرة ما بين حل أزمة العزل الاقتصادي لإيران والاستجابة لتهديدات "إسرائيل" العسكرية بـ"وقف إيران" وإقناع ترامب بإعادة التفكير بسياسة "الضغط الكبير" التي ينتهجها على إيران. والحرب تلوح في الأفق. وفي الأثناء تبقى فلسطين على هامش هذا الجدل. 
يقول خبراء إن إيران لا تنوي صنع قنبلة ذرية، بيد أنها تملك القدرة على فعل ذلك. وعزل إيران اقتصادياً سوف يجلب المنطقة إلى حرب جديدة مجهولة العواقب. وتغيير النظام في إيران غير محتمل حدوثه بضغط من الخارج. ورغم أن ذلك التغيير الجذري يجب أن يحدث من خلال هزيمة طهران كلياً، يمكن أن يتجه أي نظام جديد لامتلاك القنبلة. 
والحل الحقيقي لحل الصراع بين إيران وواشنطن هو إعادة النظر في العلاقات وسط واشنطن وتل أبيب وطهران والرياض. وبالمساعدة في حل هذه الأزمة الإقليمية متعددة الأطراف يجب أن تدرك الولايات المتحدة أن تكتيك الترهيب من إيران يجب ألا يستخدم لتهميش القضية الفلسطينية، ولكن للرد بعدالة على كل دول المنطقة. 



"لوب لوغ"، 10 يوليو 2019 
وكالة أنباء عالمية أمريكية