ترجمة خاصة / زينب صلاح الدين -

بقلم: ألكس وارد 
في أمريكا دونالد ترامب، ما يقود السياسة الخارجية لصنع القرار في واشنطن ليس المصالح والقيم، وإنما المال والغرور. وقد لاحظت بلداناً أخرى ذلك. 
هل تريد من الولايات المتحدة أن توقف انتقاد سجلك المروع في حقوق الإنسان؟ ابحث عن صفقة تجارية ممكنة. هل تريد من إدارة ترامب أن تعطيك تجاوزاً عن جريمة قتل مروعة مرتكبة بحق ناقد شهير لنظامك الوحشي؟ بإمكان بضعة مليارات دولار قيمة مشتريات أسلحة أمريكية أن تنجز المهمة. أنت بحاجة إلى جعل الرئيس الأمريكي في صفك في قتال جيو سياسي مشوش؟ اشترِ بعض مقاتلات "بوينغ". 
ليست هذه مجرد سيناريوهات افتراضية، فهي تصف 3 قرارات خارجية حقيقية للغاية أصدرتها إدارة ترامب في السنة الماضية. 
من الصين إلى السعودية إلى قطر، كان ترامب يتراجع أو يغير المسار بشأن تحميل البلدان المسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان وأعمال أخرى سيئة، لمجرد أنها دفعت الأموال، أو قولها فقط إنها سوف تدفع المقابل. 
وفي الحقيقة أن ترامب قد عرض سياسة أمريكا الخارجية للبيع. أخبرتني إيما آشفورد، وهي خبيرة في السياسة الخارجية الأمريكية في معهد كاتو: "من السهل نوعاً ما شراء ترامب للبلدان الأخرى". 
تعرف الدول كيف تلعب مع ترامب للحصول على ما تريد.
بالنسبة لبعض الخبراء، ترامب هو ظاهرة بشعة لحقيقة قبيحة عن قيادة أمريكا في العالم. 
وأخبرني ستيفن فيرتهايم، مؤرخ السياسة الأمريكية الخارجية في معهد كوينسي، المعهد الرسمي المسؤول: "أدت تصرفات ترامب إلى ارتفاعات جديدة مؤسفة. ما كان حقيقة لبرهة أن: السياسة الخارجية الأمريكية قد أصبحت بعيدة أو مجردة من النظرة الاستراتيجية، وكذلك من الموقف الأخلاقي، حيث كانت فكرة ترامب هي أن العالم ينطلق من دوافع سياسية، وقد جلب هذه الروح إلى السياسة الخارجية".
إلا أن ترامب هو أحدث وأكبر ممارس لهذا السلوك الطويل. 
لنبدأ بالصين. في الشهر الفائت، طلب الرئيس الصيني شي جين بينغ من ترامب أن يتراجع عن انتقاد الصين على حملتها ضد التظاهرات المؤيدة للديمقراطية في هونغ كونغ، وفقاً لما ذكره شخص مطلع على النقاشات. وقبل ترامب، لأن "شي" جعل ذلك شرطاً للبدء مجدداً بالمحادثات التجارية المتداعية بين البلدين. 
سجلت "فاينانشيال تايمز" أيضاً، التي كانت تنشر تقريراً عن ذلك التبادل للمرة الأولى في يوم الأربعاء، أن إدارة ترامب قد ضغطت على القنصل الأمريكي العام في هونغ كونغ، كورت تونغ، كي لا يتم ذكر سياسة الصين تجاه المدينة في حديثه التوديعي. 
يتابع "شي" استخدام المحادثات التجارية تلك كإغراء ليحصل على ما يريد من الرئيس الأمريكي. أولاً: طلب أن تبقى الولايات المتحدة هادئة حيال الصين بشأن وضعها أكثر من مليون مسلم من الإيغور (أقلية تركية في وسط وشرق آسيا) في مخيمات إعادة التأهيل. ثانياً: دفع لترامب كي يلغي حظر التجارة الأمريكية المفروض على شركة الاتصالات العملاقة الصينية "هواوي" و"زد تي إي" على الرغم من أن إدارة ترامب نفسها تقول إن فعل ذلك هو مخاطرة بالأمن القومي. 
والطلب من ترامب تخفيف الانتقاد على هونغ كونغ الآن يأتي للمرة الثالثة التي يلعب فيها "شي" بترامب. وفي كل مرة يبدو أن الرئيس كان يقع في الحيلة. 
وكذلك مارست السعودية اللعبة نفسها أيضاً. 
في أكتوبر الماضي، قتل المعارض السعودي والكاتب العمودي في "واشنطن بوست" جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، في عملية جاء الأمر بتنفيذها من ولي العهد نفسه محمد بن سلمان، حاكم المملكة. 
وبعد أسابيع من دعوات أعضاء الكونغرس لترامب من أجل معاقبة السعودية وولي العهد نفسه، بالنسبة لجريمة القتل، قال ترامب إنه لن يفعل ذلك، لأن السعودية كانت تنفق الكثير من الأموال في أمريكا. 
قال لصحفيين في المكتب البيضاوي (في الجناح الغربي من البيت الأبيض) في 11 أكتوبر 2018: "هذا حدث في تركيا، وبحسب معرفتنا أن خاشقجي ليس مواطناً أمريكياً. لا يروق لي إيقاف مبالغ ضخمة من الأموال التي يتم ضخها في دولتنا"، مشيراً إلى رغبته في بيع أسلحة إلى السعودية بقيمة 110 مليارات دولار. وأضاف أنه لن يكون ذلك مقبولاً بالنسبة له. 
لربما كان هذا أصدق خطاب لترامب بشأن طريقة إدارته للسياسة الخارجية، فهو لن يستدعي دولة تنتهك كرامة الإنسان طالما أنها ترغب في إدخال الأموال في الاقتصاد الأمريكي، ولا بأس إذا كان المتضررون ليسوا مواطنين أمريكيين. وترامب في هذه الحالة يضع بطاقة سعر على حياة خاشقجي. 
فرضت الإدارة عقوبة على 17 مسؤولاً سعودياً في نوفمبر. وأعرب ترامب عن استيائه من الجريمة؛ إلا أنه رفض اتهام ولي العهد صراحةً بقيادته للعملية. 
وتتواصل عملية بيع السياسة الخارجية الأمريكية خلال زيارة البيت الأبيض للأمير القطري تميم بن حمد آل ثاني. مر عامان فقط على وصف ترامب قطر بأنها "داعم الإرهاب على أعلى المستويات"، ودعمه بشكل فعال للحصار الدبلوماسي الذي قادته السعودية على البلد. 
بيد أنه في مكتب أوفال، يوم الثلاثاء، تابع ترامب تغييره أو نقض موقفه المفاجئ إزاء الدولة الخليجية الصغيرة، قائلاً إنه على ما يرام مع قطر الآن، لأنها تريد إنفاق حوالي 85 مليار دولار على الأسلحة الأمريكية. 
أوضح ترامب للصحفيين: "إنهم يستثمرون الكثير في بلدنا. إنهم يخلقون الكثير من الوظائف. فهم يشترون بمبالغ ضخمة عتاداً عسكرياً بما فيه الطائرات. وكما تعلمون إنهم يشترون الطائرات التجارية؛ عدداً ضخماً جداً من الطائرات التجارية من بوينغ، ونحن نقدر لهم ذلك بشدة". 
لا يحدث هذا من قبيل المصادفة، وإنما هو استراتيجية متعمدة من قبل البلدان الأخرى للسيطرة على الرئيس. تقول أشفورد من كاتو: "يعتمد الكثير من القادة الأجانب التملق والتفخيم لكسب ترامب، أو يأتون إلى واشنطن بمحفظة من الصفقات الكبرى التي تصل إليه بهذه الطريقة". 
وتابعت القول: "هو ليس مفاوضاً سيئاً للغاية؛ إلا أنه يفاوض من أجل أشياء مختلفة عما يفاوض عليه أغلب الرؤساء. فهو يريد مكاسب كبيرة تبدو جيدة له في الإعلام، وإن وعداً من دولة أخرى بالاستثمار في وظائف الولايات المتحدة يؤدي الغرض، حتى لو لم يكن يحل المشكلات طويلة الأجل، وحتى لو كان الاستثمار لن يحدث أبداً في الواقع". 
ما يعني أن الشيء الوحيد الذي يحتاجه بالفعل أي شخص كي يفهم السياسة الخارجية لأمريكا في الوقت الحالي ليس قراءة ملفات السياسة، أو الاستماع إلى خطابات تلقى شهرة في الإعلام، أو التمتع بفهم فطري لتاريخ أمريكا. أبداً، لا شيء من ذلك، سوى أنه يجب على أحدهم أن يتبع المال فحسب. 
 
"فوكس" موقع أخباري أمريكي
10 يوليو 2019