بشرى الغيلي/ لا ميديا-

ليسوا فقط ملائكة رحمة، بل أنبياء جعل الله على أيديهم استعادة عافية مريض كاد يفقد حياته، خاصة أن هذه العملية جاءت في وقتٍ يعاني فيه القطاع الطبي تراجعاً كبيراً بسبب الحصار المطبق منذ أكثر من 4 أعوام، وغياب التأهيل، وانعدام الأجهزة الطبية المتطورة والحديثة. وفي لحظةٍ فارقة وحساسة تمكن الفريق الطبي المتخصص بقسم جراحة التجميل بمستشفى الشرطة النموذجي بصنعاء من إجراء عملية جراحية ناجحة لأحد المرضى تمثلت في إعادة التحام أو لحم أنسجة الفك. هذا الفريق الطبي أعاد الثقة للمرضى الذين فقدوا الأمل تماما وصاروا ينشدون السفر للخارج لإجراء مثل هذه العمليات الجراحية المعقدة والدقيقة وتقف أمامهم عوائق كبيرة، منها إغلاق مطار صنعاء الدولي وصعوبة ذلك.
«لا» زارت الفريق الطبي والتقت رئيس الفريق، د. يحيى السياغي، الذي أكد أن اليمن تمتلك أطباء مؤهلين على مستوى عالٍ، وتم في الوقت الراهن فتح برنامج الماجستير وما بعد الدكتوراه في تخصصات دقيقة. حساسية العملية وأهميتها، وعوامل نجاحها، أوضحه للقراء رئيس الفريق الطبي وزملاؤه، وهو ما نستعرضه في هذا السياق.

 نقطة ضوء
هيبةُ المكان تجعلك تستكشفُ سر النجاح الذي حققه فريق قسم الجراحة التجميلية منذ أن تطأ قدمك بوابة مستشفى الشرطة النموذجي. على غير العادة استغرق إعداد هذه المادة أكثر من أسبوع؛ لأن الفريق الطبي ليس لديه متسع من الوقت للتحدث سوى لحظات معدودة، وبعد الحصول على مواعيد مسبقة، فطوال أيام الأسبوع يقومون بعملياتٍ جراحية في عدّة مستشفيات، بل وفي لحظة اللقاء بالدكتور يحيى السياغي، رئيس الفريق الطبي، كان حينها يتهيأ هو وفريقه لإجراء عملية جراحية بعد دقائق من اللقاء به في قسمِ العمليات، مما يجعل ملائكة الرحمة هؤلاء نقطة ضوء في زمنِ العتمة.

نجاح الكادر المدرب
مدى صعوبة العملية والعوامل التي أسهمت في نجاحها يوضحه د. يحيى السياغي، استشاري جراحة التجميل رئيس جمعية جراحيّ التجميل اليمنيين ورئيس الفريق الطبي لقسم جراحة التجميل بمستشفى الشرطة النموذجي، قائلاً: "العملية هي نقل أنسجة من أماكن بعيدة من الجسم، إلى أماكن أخرى، ونحن قمنا بأخذ (سديلة) من اليد وهي عبارة عن جلد مع أغشية ومع الشريان الشعاعي باليد تم أخذها وزرعها بواسطة الميكروسكوب، واعتمد ذلك على نجاح الكادر المدرب والمؤهل، كذلك مستشفى الشرطة الذي هيأ أسباب نجاح العملية". 

مركز للجراحة الميكروسكوبية
مع هجرة العديد من العقول والكوادر إلى الخارج تساءلت "لا": هل لا يزال لدينا الكوادر الطبية المؤهلة للقيام بمثل هذه العمليات المعقدة؟ فأكد الدكتور السياغي بالقول: "بالطبع لدينا أطباء مؤهلون لذلك. وحالياً بدأنا برنامج الماجستير وما بعد الدكتوراه في تخصصات دقيقة. كذلك يوجد لدينا مركز للجراحة الميكروسكوبية في مستشفى السبعين، ونحن في ظل هذه الأوضاع مستمرون في التأهيل والتدريب".

عمليتان في الشهر
في ظل العدوان والحصار هناك نقص في الأدوية والأجهزة الطبية، وعدم قدرة المرضى على السفر للعلاج في الخارج وغيرها من المعوقات. ولكن رغم ذلك هناك عوامل أسهمت في نجاح العملية، يوضحها الدكتور السياغي بالقول: "تعاون مستشفى الشرطة النموذجي من خلال قيامه بتوفير الميكروسكوب، ونحن كجراحين، قمنا بتوفير الأدوات الجراحية على نفقتنا الشخصية، كما أننا سنقوم بإجراء مثل هذا النوع من العمليات بمعدل عمليتين في الشهر، مع الاستمرار بالتأهيل بمركزنا الجديد، مركز الجراحة الميكروسكوبية".

لا قانون يردعهم!
عن النجاح المبهر للفريق الطبي الذي أعاد بصيص الأمل للطب في اليمن، وعن الثقة المفقودة لدى المريض الذي يسعى جاهدا للعلاج في الخارج وتحبطه الإمكانات والوضع والحصار وإغلاق المنافذ منها مطار صنعاء الدولي، يقول د. السياغي: "سبب انعدام الثقة بين المريض والطبيب أنه لا يوجد قانون يردع كل من يتجرأ على الطب. كذلك عدم التأهيل والتدريب على الجراحة الميكروسكوبية، لأن من المفترض أن يتدرب الجراح على الميكروسكوب لمدة 9 أشهر على الحيوانات حتى يتمكن من ذلك". وطمأن رئيس الفريق الطبي المرضى بالقول: "نطمئن المرضى بأن لدينا كوادر على مستوى عالمي ومؤهلون لإجراء مثل هذه العمليات المعقدة".

إصلاح المنظومة الصحية
د. مهند يحيى العجلي، أخصائي أول جراحة عامة وتجميل، بدأ بالثناء على صحيفة "لا" لاهتمامها بهذه المواضيع، وتحدث كأحد أعضاء الفريق الطبي قائلاً: "يجب أن يعرف الناس ماهية العملية التي هي عبارة عن نقل نسيج الجلد والعضلات من اليد وزراعتها مكان الورم المستأصل، وذلك عن طريق الجراحة الدقيقة بواسطة الميكروسكوب. وصعوبتها تكمنُ في إيجاد الأدوات الجراحية والمستلزمات وجهاز الميكروسكوب اللازم لإجراء العملية الجراحية الدقيقة، وغالبيتها تكون غير متوفرة، كذلك احتياج مثل هذه العمليات لطاقم طبي متكامل من الجراحين والمخدرين والفنيين، لأن العملية تستلزم وقتاً وجهداً لإجرائها، ووجود كادر قدير يقوم بإجراء مثل هذه العمليات الجراحية". وعن هجرة العقول للخارج يضيف د. العجلي: "صحيح أن الكثير من الكوادر العلمية المؤهلة غادرت إلى خارج الوطن نتيجة للوضع الراهن، إلَّا أنه لايزال لدينا كوادر داخل الوطن، واليمن ولَّادة بمثل هذه الكوادر التي نتمنى من أصحاب القرار الاهتمام بها وتوفير الإمكانيات ودعم المراكز المتخصصة لإجراء مثل هذه العمليات". وختم العجلي حديثه قائلاً: "إجراء هذه العملية وفي هذه الظروف تحديداً كان ثمرة تعاون وتكاتف الكادر الطبي ممثلاً بالدكتور يحيى السياغي استشاراي جراحة التجميل، والدكتور عبدالفتاح التام استشاري الجراحة العامة وجراحة التجميل، كذلك إدارة مستشفى الشرطة النموذجي ممثلة بالدكتور محمد جحاف، لتوفير متطلبات العملية الجراحية. ولا ننسى دور بقية الكادر من أطباء وفنيين ومخدرين... واستعادة الثقة لا تتطلب فقط إجراء عملية جراحية محددة فقط، ولكن تستلزم إصلاح المنظومة الصحية ككل، التي من خلالها يمكن تقديم أفضل الخدمات الطبية التي تضاهي ما هو موجود في بقية دول العالم".

مهارة عالية
د. مريم سكران ـ قسم جراحة التجميل بمستشفى الشرطة وأحد أعضاء الفريق، تحدثت بدورها تحدثت عن صعوبة العملية قائلة: "هذه العملية تحتاج لمهارة عالية، وجراحة دقيقة تحت الميكروسكوب، ورعاية قبل العملية وبعد العملية، وهي ليست إعادة أنسجة لمريض بالسرطان، لأننا استأصلنا السرطان، حيث استأصلنا جزءاً كبيراً ما أوجد فراغاً كبيراً من الأنسجة يحتاج إلى تغطية، فأخذنا جزءاً من الأنسجة من يد المريض ونقلناها بالكامل للمكان المراد تغطيته وتم توصيلها بالأوردة والشرايين في المكان نفسه، فهنا كانت صعوبة العملية، لأنها احتاجت جراحة تحت الميكروسكوب، وأخذت وقتا كبيراً، قرابة 8 ساعات، من الساعة الثانية ظهرا حتى العاشرة مساءً". تضيف د. سكران: "لدينا في الوطن جراحون متميزون، منهم د. يحيى السياغي الذي يُعد من أفضل الأطباء الذين نعمل معهم".
تختم د. سكران بخصوص إعادة الثقة بين الطبيب والمريض: "نحن وغيرنا أطباء ممتازون، سواء بالمستشفى الجمهوري أو الثورة أو غيرهما من المستشفيات الحكومية التي فيها أساتذة أجلاء، ولا أحد يستطيع أن ينكر فضلهم أو الخدمة التي يقدمونها، وإنما فقط يحتاجون أن يسلط الإعلام الضوء عليهم ليوضح الجهود الكبيرة التي يبذلونها، فالطبيب اليمني لا يقل عن أي طبيب في أي بلد، فقط الفرق في غياب التدريب وقلة الموارد، وبمجرد أن يتم تدريب وتأهيل الطبيب اليمني ويظهر في أماكن أخرى يصبح من أفضل الأطباء".
من خلال لقاءاتنا بأعضاء الفريق الطبي، ومن خلال الواقع والنجاحات التي يحرزها هذا الفريق أو غيرهم من زملائهم الأطباء في المستشفيات والتخصصات الأخرى، يمكن القول بأن الأطباء اليمنيين لا يقلون مهارة عن أطباء العالم إذا ما توفرت لهم الإمكانيات والأدوات الجراحية والتأهيل، ولا شيء يعجزهم، ناهيك عن هذه النجاحات الكبيرة في ظلِ حصارٍ همجي للعام الخامس على التوالي.