علي نعمان المقطري / لا ميديا-

الكهانة أضحت سلعة استراتيجية ضرورية وغالية الثمن هذه الأيام، لأن سوق العرض أضعف من سوق الطلب، وبعد أن غادر السوق الكثير من كهان السياسة والحرب لأن العدوان بحاجة إلى توظيف الجميع، ولكنها ضرورية في هذه الغابة الكثيفة من التضليل المتبادل إذا ظلت تحترم عقليتها وشرفها المهني. 
إن مراجعة الوقائع الحقيقية والأسئلة حولها طريقنا للإدراك. فلا يوجد شيء لا يمكن فهمه إذا ربطناه بالوقائع والبيانات المقارنة النقدية والمعلومات الحقيقية والمقدمات والمعطيات السابقة. ولندقق النظر في المقدمات والمعطيات والموضوعات التي تتصدر الأحداث والمساجلات داخل العدوان باعتبارها مفاتيح لاستراتيجيات، والتي تتمثل فيما يلي: 

1 ـ مجلس "النوام" سيئون ما حاجتها إليه الآن؟ أهم ما تسرب حول ضرورة عقده سعوديا هو التالي: إن السعودية تخشى موت هادي وانتهاء صلاحيته العقلية أو إبعاده خلال الصفقات الجارية، وتريد مع الأمريكي توثيق وضعها الاستراتيجي المستقبلي القانوني ومعالجة الثغرات القانونية حول المسؤوليات القانونية في القانون الدولي، وإذا كانت قد خسرت الحرب والمعارك شمالا فلا تحتمل خسارة النفط اليمني، المخزون الأكبر في العالم شرقا وجنوبا، ولذلك تريد أن يقر ويصادق مجلس "النوام" على كل التعهدات التي أباحها هادي، وتطلب منه ومن مجلس "النوام" المزيد منها، وأن يتحمل اليمن تكاليف الحرب العدوانية قانونيا عبر تفويض السعودية وحدها للتصرف بالثروات النفطية والغازية والسمكية والمعدنية، وبوضع اليد عليها رسميا حتى تستكمل استخلاص ما على اليمن من ديون ترتبت على دعم الشرعية ضد الموجة الإيرانية والانقلاب الحوثي.
2 ـ تحرير عقود تأجير سقطرى وميون وغيرها من الجزر وموانئ عدن والمكلا وشبوة للإمارات، ولفترة أكثر من مائة عام قابلة للتجديد، مقابل خسائرها ودورها في دعم الشرعية، حتى تستوفي استحقاقاتها وتحت إشراف السعودية.
3 ـ التوقيع والإقرار البرلماني القانوني على منح السعودية وشركائها امتياز شق قناة سلمان العملاقة بمسافة 900 كيلومتر بعرض مناسب عبر صحراء الربع الخالي وتخترق المهرة وحضرموت، والتي تصل كلفتها الأولية إلى تريليون دولار، وبعقد إيجار مناسب مدته مائة عام قابلة للتجديد، ويخصم مبلغ الإيجار من تكاليف الحرب والتعويضات. ولتأمين ذلك المشروع العملاق الضخم الضروري للسعودية والخليج في ظل تهديد إيران، يكون للسعودية والإمارات وأمريكا وبريطانيا الحق في إبقاء قوات عسكرية دائمة غير محدودة العدد، وبحسب الحاجة لتشغيل المشروع وحمايته من أي تهديد داخلي وخارجي.
4 ـ منح السعودية الإقرار والتفويض الشامل الكامل عن كل ما فعلته وما تريد فعله، وكل ما يحتمل من مطالباتها القانونية بسببه.
5 ـ التحويل الشرعي الدائم للقوات المحتلة الحالية للجنوب وغير الجنوب إلى قوات شرعية مصادق عليها من شرعية برلمانية وسياسية وحزبية يمنية لا غبار عليها، وقبل كل شيء مرتبطة بسداد المستحقات، ولذلك يتطلب من المجلس وهادي أن يصدرا التشريعات اللازمة التي تكرس العلاقات الأخوية بين الطرفين المتعاونين وتتبلور في معاهدة قانونية شرعية بين السلطتين العامتين في البلدين الجارين ممثلين بكل من صاحب الجلالة وصاحب الفخامة ومجالسهما البيعية والبرلمانية، وتوثيق هذه المعاهدة في هيئات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية و"الجائحة" العربية ومجلس التعاون الإسلامي، وإقرارها من القوى الاجتماعية والسياسية والمالية والعسكرية والحكومية اليمنية والوجاهات والأحزاب الصديقة التابعة للجنة الخاصة في البلدين المعنيين، ويتم إدماجها في وثيقة حقوقية هي الجزء الثاني من المبادرة الخليجية المشؤومة، لا سيما وأن جميع الجهات الموقعة عليها متواجدة في الرياض، وتحظى باهتمام دولي من البلدان الضامنة لها والمفوضة برعايتها، ويحيطها مجلس الأمن الدولي بعنايته، واعتمادها دولياً، بحيث تتحول هذه القوات المحتلة من متدخلة إلى قوات مشروعة مرغوبة ضامنة للأوضاع والأمن وضد الإرهاب وإيران والمد الصفوي وروسيا وأطماعها والصين والهند والخوارج والإباضية وغيرهم.
وهذا هو سبب الاهتمام الذي تبديه السعودية بسلطان البركاني، رئيس مجلس "النوام"، إذا إنها بذلك تريد ضمان خطف مزيد من الرؤوس البرلمانية من الداخل والخارج حتى تصل إلى شرعية لا غبار عليها مطلقا.

الطريق الشاق لعبيد العبيد
دون تحقيق تلك الأهداف والغايات فستنتصب عقبات ومشكلات لا أول لها ولا آخر، فأي كبش أعمى يمكنه مقارعة تلك الخطوب راضيا مرضيا عنه؟! من هنا احتاجت السعودية لإقامة تمثال شمعي لمجلس "النوام" تخرجه وقت الحاجة من دواليبها في الرياض ليوقع على كل ما تحتاجه من وثائق وفواتير، مثلما تفعل عصابات المافيا حين تحتفظ بجثامين قتلاها وضحاياها أو ببعض أجسادهم لتستخدمها في منح أعمالها الشرعية المطلوبة. والسعودية الآن تحتاج هذا الركام الميت المتمثل في مجلس "النوام" ليمنحها البركة الشرعية.
وكأي مجرم فإن المملكة تسعى لشرعنة أعمالها الإجرامية التي سبق وارتكبتها، قبل البحث عن شرعية من أي نوع، وذلك اعتمادا على القوة الغاشمة التي كانت تراهن عليها، والتي تستطيع فرض ما تشاء بدون شرعنات ولا وثائق ولا شهود. أما اليوم وقد ذاقت الهزائم دون توقف أمام أصحاب الحق فهي مضطرة إلى ترتيب ملفها القانوني لكي تستعد للرد على الاتهامات الموجهة إليها.
يشبه القضاء الدولي الحالي محاكم النشمة وشرعب والحجرية أو العدين في الماضي، حين كان البركاني يصول ويجول فيها، حيث كان "وكيل شريعة" أمام محاكمها ويمكنه جعل الحق باطلا والباطل حقا إذا سكب "المعلوم" الوفير موزعاً إياه على القاضي وكاتبه وحاجبه وحرسه المقربين، فالجميع حينها يشهدون بعدالة وصدق قضيته، وليمت المستضعفون بغيظهم ووجعهم ما داموا لا يدفعون.
والبركاني رجل "شريعة" حكيم، لا يريد أن يُقال عنه غداً إنه باع وحده، ولا يُقال عن صديقه هادي إنه باع وحده، فسيأتي الغد الذي لا بد فيه من حساب وعقاب، وصراع بين الأصحاب والأحباب، وحتى لا يبقى أحد في منأى عن الحساب، ما يمكنه من رفع حاجبيه استعلاء، فعلى الجميع المشاركة في الفعل الحرام ليتوزع جوره على الجميع من أصحاب الاجتهاد، ولذلك نسق مع سيده الهمام ذي اللجام وبنيه بأن الأمر هام ويتطلب التوثيق والتدقيق والحرص واللياقة والحصافة وجمع ذوي النباهة من ذوي الحيثيات والحجى ليصوغوا مطالب الشقيقة بما يشبه مطابقة الحقيقة. وقد ظل الملك نبهان طوال أربع سنوات لا يتذكر الحاجة إلى مجلس "نوام"، حتى نبهه من غفوته هدير المدافع وصرير الصواريخ على مطاراته ومواقعه وقواعده، ليدرك أخيرا أنها الواقعة التي ليس لها دافعه، فأنتج مجلسا لـ"النوام" بسرعة البرق ومستعدا للقيام بكل ما يؤمر به.
 
المطالب والضغوط 
سبق أن أوضحنا أن السعودية قد وصلت بعدوانها إلى المنحنى الأخير، وأنها تواجه تحديات لم تكن من قبل أبداً، وتريد أن تخرج من المرحلة بنصف المكاسب الجيوستراتيجية، وهي تسيطر اليوم على 80% من جغرافيا ومساحة الوطن ومن ثرواته النفطية والغازية والمعدنية ومواقعه وسواحله وجزره، إذن لتدع الشق الجبلي للقبائل المجنونة، وتسيطر هي على الشق المحتل الآن تحت أيديها فعلا.
وهنا عليها أن تقيم لعلي محسن وهاشم الأحمر وهادي والبركاني إمارتين يتقاسموهما كما يشتهون، لهم ما فوق الأرض ولها ما تحتها وبحارها.. ولكي لا يكون هناك جور بين الأشطار والفخائذ ستجعلها مخاليف أحراراً، لكل مخلاف حكومته وإداراته وأرضه وقبيلته وسياسته المستقلة، مخلاف لليمنيين ومأرب وما جاورها، ومخلاف للحضارم والمهريين وما جاورهم، ومخلاف للعدنيين والأبينين واللحجيين وما جاورهم، وكلها ترجع إلينا حين الخلاف والشجار. ولكي لا يحدث مكروه على البلاد ويجور بالعباد ويوقظ الفتنة من الرقاد يكون الواجب على ذي الرشاد والمنة والسداد الحق في إنصاف الضعيف وإعادة الأمل وحزم الأمور وتأمين الناس من الخوف، وذلك بإقامة القواعد العسكرية الدائمة لحماية وحراسة وصيانة المصالح ودفع المضرات ومواجهة الأخطار وقمع كل جبار.
ولكي يعم الخير على الجميع وتغدو الجزيرة العربية أرض ربيع دائم بعيدة عن التهديد والوعيد، وفي مواجهة الفقر والبطالة والعطالة، توجب على أمير المؤمنين إنشاء المشاريع العملاقة واستثمار الأموال الدفاقة، وتشغيل السواعد لحفر قناة الخير العميم التي ستشغل ملايين العاملين بالعملة الصعبة طوال سنوات، والتي تمتد مئات الأميال، حيث تربط بحر العجم ببحر العرب، وستقام على جانبيها مئات البلدات والمدن التجارية وتنقل عبرها كل تجارة الخليج. وبهذا وحده يتم إحكام السيطرة على بقية الاحتياطي اليمني من النفط في ربع العرب الخالي الذي ستقطعه القناة. ولكن ذلك يتطلب الرضى والقبول من طرفي الإخاء والعروبة من أهل الشور والقول، حتى لا يُقال في قادم الأيام: لقد اغترت الأعراب وأخطأت بالحساب وضاعت الحقوق. 
وتحسبا للاحتمال والخطأ فقد أعددنا للأمر عدته، فمن أراد المال أغرقناه بالمال وأغدقنا عليه، ومن أراد الجاه مكناه من الجاه حتى يرضى، ومن أبى إلا العقوق ونكران الجميل وإظهار التمنع والعفاف هتكنا له كل أستار العفاف، وجعلناه عبرة، فإن لان وامتثل أجزلنا له العطاء، ومن مال إلى الطغيان والتأبي وصدّق أحلامه وأقرانه أخرجنا له كل ليلة شيطاناً جديداً، مسلحاً بالحديد، قوياً مريداً، ينكسه نكسا ويذله حتى لا ينسى، فإن وقّع على المطلوب طابت القلوب وحملنا عليه بالصفح والغفران ومنادمة الإخوان، فإن أبى وشمخ بعدها وتكبر وأبى وزمجر فعلينا أن نخرج له في كل شارع دويلة، وفي كل قرية إمارة مستقلة تنازعه السلطان وتتحداه في كل مكان، وتشاغب عليه في كل ميدان، ومن كل جامع وزاوية ترميه بالبهتان، فتقاتله وتخرب دياره، فلا تسمع فيها نافخ نار، فيسود الوئام والسلام، وتمضي الأيام والأعوام والجميع في نعمة البيعة إخوان.