علي نعمان المقطري / لا ميديا -

الإخوانية ظاهرة إمبريالية وكيلية، العقيدة المشوهة أداتها في خدمة الاستعمار والصهيونية والماسونية، وتصاحب تطور وتوسع الاستعمار الغربي الصليبي الصهيوني خلال العصر الحديث، وظهرت تجلياته الأولى خلال حقبة النشاط البريطاني في مواجهة الخلافة العثمانية الإسلامية المسيطرة على البلاد العربية والعالم الإسلامي، ووراثة نفوذها والسيطرة على البلاد العربية والإسلامية، وتفكيك وتشويه وإضعاف المعتقدات الإسلامية الصحيحة، واحتلال البلاد الإسلامية بأدوات إسلامية المظهر صهيونية الهوى والجوهر، ماسونية الأهداف، تتاجر بالأديان لصالح المشروع الصهيوني الدولي المعادي لأمتنا العربية والإسلامية.

هي كذلك منذ نشأة المنظومة الإخوانية السلفية الوهابية في صورتها الأولى على أيدي ضباط المخابرات البريطانية الصهاينة المسؤولين عن إدارة المستعمرات البريطانية في الشرق العربي والإسلامي، أمثال المستر همفر والمستر جون فيلبي صانع الأمير عبدالعزيز بن سعود ومديره وقائده وموجهه.
ولم تكن سرا علاقتها بالمخابرات الإمبراطورية البريطانية وجيشها وأساطيلها. البعض حاول أن يقلل من حقائق استرهان البريطانيين للإخوان؛ ولكن قادة الأجهزة أنفسهم أقروا واعترفوا بالحقيقة التي صارت أقوى وأوضح من أن تكتم أو تموت وتنسى، لأنها ما تزال تسير على أرض التاريخ، ولكن البعض قد اعترف لكي يبرئ ذمته من الجريمة التي علقت بضمائرهم، والبعض كشف المعروف وتوسع فيه لكي يضلل على الجزء الذي ما يزال في تصوره مستوراً، وهو أهم وأخطر من المعلن المعترف به الآن.
وقد سبقت دول وحكومات إلى اعتبار الإخوان منظمة إرهابية يجرمها القانون والتشريعات، بناء على ما اتضح لها مباشرة وما لمسته بالتجربة الواقعية من مواقفها وتصرفاتها وممارساتها وعلاقاتها المكشوفة بالأجهزة المخابراتية الاستعمارية الدولية وبالقوى الإرهابية وشبكاتها وتنظيماتها. ومن ثم فإن الحديث عن جوهرها الامبريالي الصهيوني الإرهابي الفاشي الإجرامي ظاهرة معلومة لا خلاف حولها، إلَّا مع أصحابها وحدهم، وهذه طبيعة المجرم حين يواجه بجرائمه.

إخوان الوهابية كفرع للمخابرات البريطانية
إخوان الوهابية السعودية في الجزيرة العربية خلال الدويلات السعودية الثلاث، طوال القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين، كان هؤلاء ومازالوا جيشاً بريطانيا بلباس عربي بدوي، يقوده الضباط البريطانيون من ذوي التأهيل الاستشراقي العربي الإسلامي الملمين بتاريخ العرب والإسلام واللغة العربية والشريعة والفقه، وكان منهم فقهاء في علوم الشريعة والعربية والتاريخ الإسلامي، أبرزهم الكولونيل جون فيلبي، الصهيوني البريطاني المستشرق الذي صارح الأمير سعود بن عبدالعزيز بأنه من أنشأ المذهب الوهابي وأنشأ مجلس الربع، وقد أطلق عليه عبدالعزيز اسم "الحاج عبدالله فيلبي" وادعى أنه تركي مسلم، ولعب أهم الأدوار في تاريخ الاستعمار البريطاني والصهيوني واحتلال فلسطين وتسليمها لليهود، وهو الذي فاخر بذلك في كتابه ومذكراته المنشورة بعد أن غادر خدمة عبدالعزيز، ونشر مذكراته التي فضح فيها صورة للالتزام المحرر بتوقيع عبدالعزيز وبخط يده الذي يلتزم ويقر فيه بمنح الحق لبريطانيا العظمى بأن تعطي فلسطين لليهود أو لمن تريد، وأنه لن يخرج عن طوعها إلى قيام الساعة.
وكانت دولة قطر قد أفرجت عن الكثير من الوثائق البريطانية في أرشيفها عن تاريخ الجزيرة العربية وعلاقات عبدالعزيز وبني سعود بالأصل اليهودي الذي يشدهم إليه عبر الجد المباشر لعبدالعزيز بن سعود بن المقرن بن مردخاي بن ابرهام بن موشي بن ساسون من يهود العراق المنحدر من يهود بني قينقاع في نجران. ويقول فيلبي في مذكراته إنه كان شاهداً على هذه الحقيقة، فقد كان عبدالعزيز يرسله سرا إلى يهود نجران ليسلم لهم أموالاً ومصروفات من عبدالعزيز بدعوى أنهم أهله وبنو عمه ويلتقون معه في الحدود القريبة.
 بعد أن تحولت السعودية البريطانية إلى دويلة بالوكالة وحرصت ومعها الغرب كله على تصوير نفسها بأنها دولة وكيان سياسي مستقل تحت الحماية الغربية وتتبنى المرجعيات الحنبلية السلفية لإخفاء الحقيقة عن العوام من البدو ذوي الاتجاه السلفي السطحي، فقد تظاهرت بتبنّي المذهب الحنبلي السلفي، ولم يكن ذلك سوى تغطية سياسية، فلم يكن محمد بن عبدالوهاب سوى مندوب مخابرات بريطاني آخر أعده الضابط الشهير المستر همفر في البصرة في العراق ليغرسه لصالح البريطانيين بين الأوساط الإسلامية العربية في الجزيرة العربية، وتم ذلك مطلع القرن الثامن عشر.
وكان المسلمون العراقيون جنوب العراق يشكلون خطراً كبيراً وعقبة كأداء أمام تقدم المشروع البريطاني في اختراق العرب وبنيتهم العقيدية وتخريبها وتجنيدهم لصالح بريطانيا ضد الخلافة العثمانية دولة المسلمين، لذلك كان إسقاط الدولة العثمانية عبر إثارة القبائل العربية ضدها أهم الأهداف أمام المخابرات البريطانية، ولكي يكون ذلك مؤثرا فقد أرادت إقامة تنظيم طائفي متعصب يعمل لخدمتها بين المسلمين والإضرار بالقضية الإسلامية والعربية وتفكيك الوحدة العربية والإسلامية وتجزئتها إلى وحدات متخاصمة، ويكون موجها للجيوش البدوية التي في خدمتها وتوجيهها باسم الجهاد الإسلامي، وتصوير كل مناهض لسيطرتها بأنه كافر يستباح دمه وماله وعرضه، فرداً أو جماعة، وكان ذلك واضحا في الممارسة خلال إطلاق عصابات عبدالعزيز بقيادة فيلبي وقبله مستر كوكس للسيطرة على إمارات ومناطق الجزيرة العربية في نجد والحجاز والجنوب، حسب اعتراف الأستاذ المناضل ناصر السعيد، فقد بلغ عدد من أبيدوا على أيدي تلك العصابات أكثر من مليوني إنسان عربي مسلم، حيث قتلت وهابية بريطانيا وأبادت قبائل بكاملها حاولت مقاومة المد الصهيوني البريطاني الوهابي.
ويقول المستر همفر في مذكراته إن الحكومة البريطانية وضعت على عاتق محمد عبدالوهاب وابن سعود المتحالفين بالزواج وخدمة بريطانيا آنذاك عدة مهام استراتيجية يتوجب تحقيقها من قبلهما كبرنامج استراتيجي، منها هدم الكعبة والقبور الشريفة لآل البيت النبوي وإفناء العترة النبوية وملاحقة أتباع المذاهب الأخرى وخاصة الشيعة في العراق وفي اليمن والجزيرة العربية، والسيطرة على مكة والمدينة وإقامة مركز عالمي للمسلمين تحت سيطرة بريطانيا وتوجيهها، وتسليم فلسطين لليهود، وإفشاء إرهاب دموي حاد مخيف يثير الرعب في قلوب كل من يفكر بالمقاومة أو معارضة السياسات البريطانية.
وقد تمكنت بريطانيا عبر الوهابية المدعية الإسلام من السيطرة على الجزيرة العربية وزعزعة الخلافة العثمانية وطرد الأشراف الحسينيين من الحجاز ومكة، وترحيل اليهود إلى فلسطين تحت بصر بني سعود وبني عبدالوهاب، وتشريد الشعب الفلسطيني من أرضه.
أقامت بريطانيا لعبدالعزيز دولة ممتدة الأرجاء من شمال الجزيرة إلى جنوبها يديرها نيابة عن البريطانيين مقابل خمسة آلاف جنيه راتب شهري يستلمه من المخابرات البريطانية والحكومة عبر مستر كوكس، المقيم البريطاني في مصر، وهو ما عُرف بمعاهدة العقير. ولعبت إمارة الكويت -البريطانية الصنع آنذاك- دوراً كبيراً في توغل النفوذ البريطاني إلى قلب الجزيرة العربية عبر كبير شيوخها من أسرة الصباح، وهي الإمارة التي أقامها البريطانيون صنيعة لهم وسلخوها عن العراق وأقاموها على صورة دولة مستقلة تحت هيمنتهم، فقد شكلت أسرة الصباح في الكويت قاعدة بريطانية خطيرة جداً ومتقدمة سبقت قيام السعودية الجديدة، وتم بعثها مجدداً على أيدي عبدالعزيز وجون فيلبي. كانت الكويت هي مرسى لسفن ومدمرات الأسطول البريطاني الموضوع في خدمة المخابرات والجيش البريطاني في الخليج وبحر العرب وبحر عُمان.
 
المنظومة الوهابية الحاكمة للخليج بالوكالة
من أنوية المنظومة المخابراتية الوهابية والسعودية الأولى انتشرت فروعها على الخليج كله تقريباً، ما عدا عُمان التي شذت بحكم خصوصيتها التاريخية وموقعها بقيت تحت إشراف البريطانيين مباشرة إلى عهد قريب
وقد عملت بريطانيا المسيطرة على المنطقة عسكرياً وأمنياً على إقامة عروش وتيجان لعدد كبير من شيوخ القبائل البدوية المنتشرة في المنطقة الطافية على بحار النفط والثروات المعدنية المتنوعة دون أن تعي ما تحت أقدامها من خيرات وهي غارقة في لجة الفقر والبؤس والجهالة، ولذلك أقامت لكل قبيلة أو تجمع قبائل إمارة تحت إشرافها وسيطرتها. وقد أسست الكثير من الأسر اليهودية المجنَّدة لخدمتها، وغرستها في قلب القبائل العربية الأصيلة المعروفة لصناعة ملوك وأمراء لتضمن ولاءهم وإخلاصهم للمثل الغربية الصهيونية.
كانت بريطانيا بعد تجربة الحروب الصليبية المخفقة التي قادتها إنجلترا آنذاك بالتعاون مع الحركة اليهودية الماسونية التي كان قد هيمنت على الحياة السياسية والمالية الغربية وسيطرت على التيجان والأسر الحاكمة عبر الذهب وحاجتها الدائمة إليه، قد أدركت عجزها عن السيطرة المباشرة على المسلمين والعرب، ولذلك لجأت إلى الخداع وخلقت على يديها ملوكا بأسماء عربية بقلوب ماسونية يهودية وأجنبية. 
وإلى الآن أفلحت بريطانيا والغرب وبعدها أمريكا وريثتها في الامبراطورية، أفلحت في أن تبقي السيطرة الغربية قائمة على العرب والمسلمين باستخدام مختلف أساليب الإغراء والإغواء والإفساد للأمراء والشيوخ العرب الذين وضعوا أنفسهم تحت الخدمة البريطانية استجابة لأطماعهم. كانت المخابرات البريطانية توفر للمشائخ والأمراء كل أنواع وأشكال وصور المباهج والمتع الحسية، وتبقيهم طوال الوقت مشغولين بالنظر إلى أعضائهم التناسلية والتطلُّع إلى الحِسان من الهند والشام وبلاد الفرس والغرب، واتخاذ الخليلات العشيقات والجواري والزوجات أيضاً، إضافة إلى استغراقهم في الصيد والقنص ومتابعة عاداتهم القبلية المتفردة الانعزالية. كان ذلك واحدا من أهم أساليبها في إدارة وتوجيه عملائها ووكلائها واستمرار السيطرة عليهم وإبقائهم مخلصين لخدمتها.
 وخلال جيلين أو ثلاثة ظهرت أسر هجينة مندمجة في الأصل المحلي لا تعرف أصولها يقينا، وإلى اليوم ما تزال آثار النشأة قائمة من الطريقة التي تدير بها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا الأسر الحاكمة صوريا في الخليج والجزيرة، فالمقيم السامي أو السفير المقيم هو الذي يتولى إدارة كافة أوجه السياسات الحكومية العسكرية الأمنية والخارجية، ولا يبقى للأمراء والملوك سوى الأعمال المظهرية البرتوكولية والاحتفالية.