حاوره/ أحمد عطاء / لا ميديا -

لا يمكن أن يحيط التلميذ بمدرسه تقديماً وتوطئة، وكل ما سيقوله فيه يعتبر ناقصاً، ضيفنا اليوم شاعر وفيلسوف، ذو قلب ملائكي ونظرة ثاقبة، قصائده خالدة لا تمل ولا تنسى.
منذ الوهلة الأولى للقاء به تشعر أنك تعرفه منذ زمن طويل، فهو الباسم دائماً، المتشبع بالثقافة القرآنية والهوية الوطنية، العالم الروحاني والصوفي والشاعر الثوري الحر المعاصر، يخيط قصائده بخيوط من عقيق يماني أصيل، يضيء الروح بقصائد في الرسول الأعظم وآله يذيب معها قارئها خشوعاً ومحبة وهياماً، ويسرج قصائده الحربية ينتشي معها القارئ خلوداً وصموداً وعنفواناً.. من يعرفه سيفهم أني عاجز عن التعبير عن قوة وجزالة وبلاغة هذا الشاعر السامق الذي جاء من شمير، حاملاً قلبه لتحتضنه صنعاء، ويستشري الشعر في دمه والقضية في شرايينه، فلا يمكث حتى يبيع نفسه لله مجاهداً بالكلمة والعلم. إنه الشاعر المبدع محمد الشميري.

ربع قرن من الشعر
 • الشاعر الكبير محمد الشميري أهلاً وسهلاً بك في صحيفة "لا."
أهلاً وسهلاً بكم، وخالص التحية ممزوجة بمنتهى الإجلال، وفائق الشكر لصحيفتكم الرائدة، لهذه اللفتة الكريمة، ولجميع العاملين فيها من رفاق المهنة والموهبة، الصحفيين الأحرار، والأدباء الأجلاء بقيادة الأديب الكبير والقلم الرشيق فكراً ونضالاً، وحريةً وإبداعاً، الأستاذ العزيز صلاح الدكاك.

 • متى كانت بدايتك مع الشعر؟
كانت بدايتي مع الشعر عام 1994م.

الصوفية إحساس فطري
 • القصائد الصوفية لها حضور طاغٍ في كتاباتك، ما سبب ذلك؟
أغراض الشعر متعددة، ومتطورة بتطور الحياة وعواملها، وأحداثها، والشاعر بطبعه مرهف الحس، شفاف الروح، فياض العواطف، تثير قريحته الكثير من الأمور والأحداث التي يمر بها، فالأغراض التي يكتب فيها متعددة، ومناحي حضوره متنوعة، وإن كان المنحى الصوفي حاضراً في ما أكتبه، فربما لأن النزعة الصوفية، بمعناها الحقيقي، وجدانٌ مفعم بالشعور الإيماني، والارتباط الوجداني بالله، هو إحساس فطري لدى الإنسان، سواءً كان شاعراً أم لا، وما يميز الشاعر عن غيره هو أنه يستطيع توثيق مشاعره الوجدانية وانفعالاته العاطفية بلغة شاعرة.

الشاعر يتعلم من الجميع
 • من هو الشاعر الذي أثر فيك؟
لا أتذكر أن هناك تأثيراً لشاعر معين، فأحياناً تستحسن قصيدةً من شاعر، ولا تستسيغ قصائد أخرى لنفس الشاعر، وأحياناً على مستوى القصيدة الواحدة تعجبك أبيات منها وتأسرك، ولا تروق لك أبيات أخرى، والشاعر المبدع من يقرأ للجميع، ويتعلم من الجميع، ويستفيد من التجارب الجيدة، كي يصقل موهبته، مع الحفاظ على استقلالية ذاته، والحرص على الارتقاء بتجربته وإبداعه، بعيداً عن التقمص والتقليد؛ ليكون له منهج خاص به، وبصمة تميزه، لا أن يكون ظاهرة استنساخ مذبذبة، كل فترة يتقمص أسلوب شاعر ممن يتأثر بهم.

ارتقاء صهوة التضحية والنضال
 • العدوان أخرج طوفاناً من الشعراء وبشكل كبير وملفت، كيف تقرأ ذلك؟
في ظل العدوان برز العديد من الأصوات الشعرية الممتازة، وفاجأنا الكثير من الشعراء الجدد، بمواهب متميزة، وإبداعٍ فاعل، بشكل كبير وملفت، لكني لا أرى أن العدوان هو من أخرجها، وأبرزها، بل إن أهم العوامل في بروزها، وتجليها هو المشروع القرآني والصحوة الثقافية العامة المرتكزة على يقظة الشعور، وعمق المسؤولية، ووحدة القضية، ورسوخ الوعي، الأمر الذي أنتج إدراكاً واعياً لطبيعة المرحلة، وتفاعلاً فاعلاً مع جميع الأحداث، يسنده التفاف صادق، بشعورٍ إيماني، وروحٍ مسؤولة حول القضية التي يعد العدوان فصلاً من فصول استهدافها، فانفجر الإبداع في أنصع تجلياته، وارتقى الشعر في اليمن إلى أرقى مراحله، حتى أصبح جزءاً من المعركة مع العدو، ونوعاً من طقوس الحرب، يرتقي به الشاعر صهوة التضحية والنضال، ويتمثله المقاتل على لسانه، وترافق ألحانه اقتحامات الأبطال في كل وادٍ وسهل وجبل.

تجربة جديرة بالفخر
 • أنت من الشعراء المخضرمين والذين عايشوا العديد من التجارب السابقة والحالية، كيف تقيم مستوى الشعراء في الوقت الراهن؟
التجربة الشعرية اليمنية الراهنة جديرة بالفخر والاعتزاز، وكذلك روادها الشعراء جديرون بالاعتزاز والتمجيد والإجلال، وهناك الكثير من الشعراء من يطربنا بإبداعه وتفاعله مع الأحداث، ومواكبته للمستجدات، مع تطورٍ في الأسلوب، ورقي في الطرح، وتألقٍ في الإبداع، ونماءٍ في التجربة، مما يوحي أننا نعيش تفاعلاً كبيراً في المشهد الأدبي باليمن يتربع على عرش الجودة والإبداع، سواءً من حيث القضية، أو التقنيات الإبداعية، مع ضرورة التنبيه على التجديد والابتكار والتطور والنماء، كي يستمر المشهد في تفاعلٍ مستمر، ونماءٍ متجدد، وما نشهده في وقتنا الراهن كان غائباً عن التجارب السابقة التي ساد فيها الركود، وطغى عليها الروتين، ربما لغياب الوعي، وعدم وجود قضية جامعة في السابق، إضافة إلى ما كرسته وأنتجته الأنظمة السابقة، أو أسهمت في تغييبه بأساليب عديدة.

خفوت لا اختفاء
 • لماذا اختفيت عن المشهد الثقافي؟
لا أعتقد أن هناك اختفاء، وأي شاعر بالضرورة يظل جزءاً من المشهد الثقافي، ولا يستطيع الاختفاء عنه، وإذا كان هناك خفوت، ربما لأن هناك اهتمامات ومسؤوليات في مجالات أخرى، لعلها طغت، أو أخذت جل الوقت، ليس توارياً ولا انكماشاً، نحن متواجدون، وسنظل هنا.

تأسيس ومشاركة
 • حدثنا عن مشاركاتك بشكل عام؟
لدي مشاركات عديدة، في العديد من الصحف والقنوات، والبرامج، والمنتديات والمؤسسات الأدبية، تأسيساً ومشاركة كمؤسسة دمون ومنتداها الشهير منتدى القحوم، على سبيل المثال، وإقامة الندوات الأدبية، والصباحيات الشعرية منذ وقتٍ مبكر، وكذا إعداد وتحكيم المسابقات الأدبية أبرزها مهرجان "الرسول الأعظم" الذي تقيمه مؤسسة الإمام الهادي، والبرنامج المسابقاتي "شاعر الصمود" الذي أقامته مؤسسة دمون، وإصدار بعض الدواوين الشعرية الجماعية كديوان "في رحاب الإمام الحسين" الصادر عن مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية عام 2014، وديوان "فليقصفوا" الصادر عن الجبهة الثقافية لمواجهة العدوان عام 2015، وديوان "ابتهاج الكائنات" في مولد النبي الأكرم، الصادر عن مؤسسة الإمام الهادي.

تكامل عناصر الإبداع
 • ما تعريفك للشعر وللشاعر؟
كثير من النقاد عابوا على الزمخشري تعريفه للشعر أنه كلامٌ موزونٌ مقفى؛ لأن الكلام الموزون المقفى قد يكون نظماً، عندما تتكامل مقوماته الشكلية من نحو ووزن وقافية، ولا يصبح شعراً، عندما يفقد الشعور والإحساس، والصور البلاغية، والمحسنات البديعية، والخيال الإبداعي، وإذا كان من مقومات القصيدة الشعرية جودة اللغة ووحدة الوزن وثبات القافية، فهناك عناصر مهمة بها يتميز عن النظم، كالشعور والعاطفة، والفكرة، والصورة والخيال، والأسلوب، والشاعرية، ولغة الخطاب، وجودة التراكيب، والموسيقى الداخلية، وغيرها من التقنيات الإبداعية، واللمسات الفنية التي يتميز بها الشاعر.

أهداف متعددة
 • ما الهدف الذي يسعى إليه الشاعر؟
يختلف الهدف لدى كل شاعر، بحسب القضية التي ينطلق منها، والمبادئ التي يتمثلها، والقيم التي يتكئ عليها، والمشاعر التي يجنح بواسطتها في أفق الإبداع والجمال، وما يجتمع فيه الشعراء جميعاً ويتنافسون عليه ويتفاوتون فيه هو حقل الإبداع، والجمال الفني، وكلما انطلق الشاعر من باعث المسؤولية، وحمل القضية، كان هدفه نبيلاً، وقيمه عظيمة، وشعوره صادقاً.

حضور في تفاصيل المعركة
 • ما تأثير الشعراء في هذه الحرب؟ وما دورهم في مواجهة العدوان؟
كثيرٌ من الشعراء لهم دور كبير وفاعل ومؤثر، في مواجهة العدوان، والشعر بلغته الآسرة وتأثيره الوجداني، سلاح مهم له أثره وفاعليته، ونشاهده حاضراً بقوة في كل تفاصيل المعركة، كلمةً ولحناً، يرافق الأبطال المقاتلين، وكذا بقية المجتمع في جميع تفاصيل حياتهم، حتى على شِفاه الأطفال، وألسنة المسنين، يصنع الوعي، ويرفع الهمم، ويحفز المقاتلين، وينشر الرعب ويبث الهزيمة في نفوس الأعداء، وإن كان دور الشعراء أكبر، لتأثيرهم وفاعليتهم، ورغم امتناننا الكبير لهم، إلا أنَّا نتطلع منهم إلى الكثير، ونهيب بتفاعلهم ونهوضهم بدورهم.

تنويع النتاج الأدبي
 • هل ترى أن الشعراء أدوا واجبهم تجاه القضية الوطنية؟
قام الشعراء بالكثير من الدور المنوط بهم، تجاه القضية الوطنية والدينية، ولهم جزيل الشكر، لكن نتمنى منهم الاستمرار بزخم أكبر، وتنوع أكثر، فالعمل الإبداعي المرتكز على النتاج الأدبي واسع وكبير، وينبغي أن يكبر ويتنوع، ويتجاوز ما هو قائم، إلى أشكال أخرى، وقوالب أخرى، من فنون وأجناس الأدب المعروفة، وبالإمكان تجاوزها إلى أشكال وأجناس متطورة، ومبتكرة.

الزوامل المضادة
 • كيف تقرأ الزوامل المضادة التي يقدمها شعراء ومنشدو المرتزقة رداً على زوامل الصمود؟
أقرأها في سياق الضعف والانهزام، فهي تعكس مدى تأثير زوامل الصمود، وحجم فاعليتها وأثرها، فعندما نشاهد الرد عليها، أو إنتاجاً مماثلاً لها، نعرف قوة تأثيرها، فلو لم تكن مؤثرة لما التفتوا إليها.

احتكار المنشدين المشهورين
 • ازدحام الشعراء وقلة المنشدين خلق جواً تنافسياً، وأيضاً سبب مشكلة أن الكثير من الشعراء لم يحصلوا على فرصتهم للظهور، ما رأيك؟
صحيح أن هناك شعراء لم يحصلوا على فرصتهم في الظهور عبر إنشاد وتلحين المنشدين لهم، لكن لا أعتقد أن ذلك بسبب كثرة الشعراء وقلة المنشدين، فلدينا منشدون كُثُر، بل لعدم تنظيم المسألة، وسوء إدارة من قِبل بعض المعنيين، وللتزاحم على المنشدين المشهورين، الأمر الذي سبب إغراق المشهورين، وكثافة الطلبات عليهم، أو حكرهم على شعراء محدودين، أو احتكارهم من قبل المسؤولين على مثل هكذا عمل.

 • كلمة أخيرة تود قولها؟
ما أود قوله إن الإبداع اليمني سيظل رائداً ومتجدداً، وله فاعليته وأثره، وأن أفق المشهد الأدبي والإبداعي في اليمن واسعٌ وخالدٌ، وواعدٌ بالكثير من التطور والنماء، فبرغم هذا الزخم الرائع، والإبداع الراقي، إلا أنه في بداية تكوينه الجديد، الحامل لقضيته، الملتحم بهموم ومعاناة مجتمعه، والنصر القادم، وشعاع الفجر يملأ القلوب عطراً ونصراً، وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم.