تقرير:غازي المفلحي/ لا ميديا -

تجمع أغلب التقديرات على أن إنفاق العالم سنوياً في شراء السلاح يصل إلى تريليوني دولار، وهذا ما يساوي تقريبًا 3 % من إجمالي الناتج العالمي، والرقم الذي أعلن في عام 2013، البالغ 1.75 تريليون دولار، يجعل تجارة السلاح هي التجارة الأقوى والأكبر عالميًا. وهذه التجارة لا تقتصر على الصفقات المعلنة في الإعلام فقط، وإنما تمتد لتجارة الأسلحة وأسواقها الخفية التي يريد القائمون عليها أن تبقى سرية لأسباب كثيرة ويديرها تجار السلاح الدوليون من رجال أعمال وساسة وسماسرة وجنرالات يجنون ملايين الدولارات كعمولات لتنظيم وتسهيل الشراء والبيع وإرساء المناقصات على شركات بعينها، فتجارة السلاح شبكة معقدة ومربحة، حيث تصل العمولات فيها إلى مليارات الدولارات.
ونستعرض في هذا التقرير بعض ما تكشف عن هذه التجارة المربحة والضخمة والشبكات المعقدة التي تتحرك وفقها.


يقوم تجار السلاح الدوليون (الوسطاء) ببيع وعقد الصفقات لمختلف أنواع الأسلحة من المسدس وحتى الدبابات والطائرات والصواريخ البالستية، لصالح دول أو جماعات مسلحة أو حركات مقاومة وتحرر، كما تشمل الأسلحة المرخصة والممنوعة والمحظورة، والسلاح هو سلعة هؤلاء الوسطاء، وهم يبيعونه لمن يريد ولا يعنيهم أن يستخدم لاحتلال دولة أو لتحريرها، فقد يبيعونها لطرفي نزاع في وقت واحد.
يذكر أن تجارة السلاح بين الدول بشكل رسمي أمر علني، فمثلاً يقام معرض ومؤتمر الدفاع الدولي "IDEX-ايدكس" في الفترة من 17 إلى 21 فبراير كل عامين في الإمارات، يوصف بأنه من أكبر أسواق السلاح في العالم.
لكن في حالة الصفقات التي تتم عن طريق الوسطاء فالعملية تكون عادة في الظل، وهي صفقات كبيرة وغير معلنة، وتتم عمليات البيع والتسليم بطرق سرية، وتتحول قيمة الصفقات إلى حسابات بنكية تابعة لشركات تجارية لا علاقة لها بتجارة الأسلحة. 
وعادة ما تتم عمليات البيع بين عدة أطراف دولية في صفقات السلاح السرية، حيث ينظم الوسيط صفقة سلاح من دولة لصالح دولة أخرى وبطلب من وزارة دفاعها، ثم يعاد شحن تلك الأسلحة إلى دولة ثالثة هي التي تخصها الصفقة فعلياً، وكثيرا ما يتم شحن الأسلحة عن طريق البحر بواسطة سفن شركات تجارية كشركات تجارة الأسماك، كما يتم استخدام طائرات تجارية تابعة لدول مختلفة للتمويه والتغطية على مصدر الصفقة الحقيقي ومكان وصولها النهائي.
كما أن نفوذ وقوة الوسطاء وعلاقاتهم السياسية والتجارية والقبلية تسهل عبور شحنات الأسلحة متجاوزة الدول والحدود نحو وجهتها. 

وسطاء باعوا لدول 
لا تكاد تتم صفقات التسليح بين الدول بدون وسطاء، فإذا لم يكونوا سياسيين ورجال دولة فإن الأمر يتم عبر تجار السلاح الدوليين. ومن الأمثلة الشهيرة تاجر السلاح ورجل الأعمال الدولي عدنان خاشقجي، الذي كان أحد الأسماء الكبيرة في عالم تجارة الأسلحة خلال فترة الثمانينيات، وعمل كوسيط بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين الحكومة السعودية، واشترى للسعودية كثيراً من الأسلحة من شركة "مارتن لوكهارد" التي دفعت له عمولات له بلغت 106 ملايين دولار. وأخفى خاشقجي تعاملاته المالية من خلال تأسيس مجموعة من الشركات التجارية.
كما تتردد معلومات بأن خاشقجي كان له دور في قضية "إيران- كونترا"، حيث كان وسيطاً بين الحكومة الأمريكية والإيرانية في صفقة لاستبدال رهائن أمريكان مقابل منح أمريكا أسلحة لإيران.
كما أن كثيراً من تجار السلاح الدوليين تربطهم علاقات قوية بأجهزة الاستخبارات والمؤسسات العسكرية في دولهم ودول أخرى، وبعضهم أسس شركات تصنيع سلاح خاصة به...
وخلال غزو أمريكا للعراق عام 2003 استعانت الولايات المتحدة بتاجر السلاح الدولي ديل ستوفيل، حيث حصلت شركته (واي أوك تكنولوجيا) على أول عقودها مع وزارة الدفاع العراقية التي تم تأسيسها بعد الغزو، وقد وصلت قيمة هذه العقود إلى 40 مليون دولار، غير أن ستوفيل قتل في العراق عام 2004 بعد أن وقع في خلافات مع عملاء البنتاجون.
وأثناء الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات كان الأمريكي سركيس سوجهانليان تاجر السلاح الرئيسي الذي اعتمد عليه صدام حسين، كما حظي بدعم المخابرات المركزية الأمريكية التي نسقت عمليات بيعه للأسلحة إلى العراق.
أما كثير من الصفقات التي بين الصين ودول أفريقية فكانت عن طريق الوسيط الفرنسي جون برنارد لاسانو.
ولا تزال على القائمة أسماء كثيرة لتجار سلاح دوليين، بينهم يمني، إلا أن أهم تجار السلاح على الساحة العالمية خلال السنوات الأخيرة هو الروسي فيكتور أناتولفيش، الذي تشير المعلومات إلى تنظيمه عمليات بيع أسلحة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا وكولومبيا.

صفقة اليمامة
لأن العمولات المالية التي قد تجنى من وراء تنظيم صفقات السلاح ضخمة، فغالباً ما يشارك فيها قادة وأمراء ورجال أعمال وساسة، كما حصل في صفقة اليمامة، حيث كان المستفيدون من صفقة اليمامة الذين تم اتهام شركة الأسلحة البريطانية بدفع رشاوى لهم لضمان حصولها على عقود من الرياض، هم ولي العهد السعودي حينها الأمير سلطان بن عبد العزيز الذي وقع الصفقة، وابناه بندر وخالد، وكذلك تركي بن ناصر وابنه فيصل بن تركي ووالدته الأميرة نورة بنت سلطان بن عبدالعزيز، ورئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري وابنه سعد الحريري ووفيق رضا سعيد، وهو ملياردير سوري يحمل الجنسية السعودية وصديق مقرب من الملك.
وتجاوزت قيمة الصفقة 43 مليار جنيه إسترليني (حوالي 56 مليار دولار أميركي). 
وأحيطت الصفقة بسرية تامة بطلب من العائلة الحاكمة في السعودية. وكشفت تقارير لـ(BBC) حجم الفساد الذي شاب الصفقة والمتعلق بعمولات لأفراد بالأسرة الحاكمة السعودية. وأكدت أن السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة، الأمير بندر بن سلطان، والذي لعب دور المفاوض عن الرياض في الصفقة، كان قد تلقى أكثر من ملياري دولار على مدى عقد من الزمن كعمولات مقابل دوره في إبرام هذه الصفقة.
ونشرت صحيفة "إندبندينت" في مايو 2004 مقالا أوردت فيه أن الصفقة تمت بمساعدة حساب مصرفي سري كان بمثابة القناة التي تم عبرها دفع رشى، وأن وزارة الدفاع فتحت تحقيقا في دفع "بي أيه إي سيستمز" أكثر من ستين مليون جنيه كرشاوى خلال تنفيذ الصفقة.
كما نشرت صحيفة "غارديان" عام 2008 تحقيقا عن وجود أدلة على طلب أفراد من الأسرة المالكة في السعودية عمولات مالية مقابل دورهم في إبرام صفقات سلاح بين الرياض ولندن.
وكان الوسطاء يطلبون في كل مرحلة من مراحل الصفقة إيداع عمولات في حسابات سويسرية وشقق وغيرها، منها فاتورة شهر عسل طويلة لابن الأمير تركي بن ناصر، وسيارة رولز رويس قدمها هدية لابنته نورة.
كما ورد اسم مارك تاتشر، ابن رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، في قضايا تتعلق بصفقة اليمامة.

صفقة شيوخ الإمارات 
بعض الوسطاء الذين نظموا صفقات مشابهة حصلوا على أكثر من مجرد عمولة، حيث نشرت وسائل إعلامية نص تقرير استخباراتي يتعلق بصفقة أسلحة "إسرائيلية" تعاقد بشأنها محمد دحلان، بتكليف من منصور بن زايد ومحمد بن زايد، لصالح معمر القذافي.
وتتحدث التقارير عن أن القذافي قبل أحداث الربيع العربي كان قد كلف ابنه سيف الإسلام بشراء السلاح بأي ثمن بعد أن وصلته معلومات من عمر سليمان مدير الاستخبارات المصرية آنذاك بأن الأوضاع في بلاده على وشك الانفجار في حين كان يعاني من نقص في السلاح بسبب حظر بيع الأسلحة المفروض على ليبيا.
واستطاع القذافي الوصول إلى محمد دحلان، الذي يعمل مستشارا لولي عهد أبوظبي، بناء على نصيحة من منصور بن زايد، الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الوزراء ووزير شؤون الرئاسة في الإمارات.
وأبلغ دحلان القذافي بأنه قد يحصل على الأسلحة من صربيا في وقت كان يجري الاتصالات مع الكيان الصهيوني لإتمام الصفقة. كما ثبت ضلوع ضابط استخبارات إماراتي، وأيضاُ الليبي المسؤول أحمد قذاف الدم، ابن عم معمر القذافي، في الصفقة. كما ذكر التقرير اسم علي البارازاني، ابن شقيق البارازاني رئيس منطقة كردستان العراق. ويبدو أن البارازاني شخصياً قد لعب دوراً أساسياً بالاتصال مع "الإسرائيليين".
وتمت لقاءات عقد صفقة السلاح في كل من الإمارات، ومنطقة أربيل في العراق، ودولة جارة لليبيا سيتم إدخال السلاح عن طريقها، ولكن عملية الشحن إلى ليبيا توقفت نهائياً في مايو 2011 بسبب توتر الأحداث الداخلية في ليبيا.
ولأن ثمن السلاح الذي وبلغ أكثر من نصف مليار دولار كان مدفوعا أصبح هذا السلاح ثروة كبيرة لمن أشرف على نقله ولمن هو الآن بحوزته، وأهمهم دحلان وشيوخ الإمارات.
وأشارت المعلومات إلى أنه تم تصريف الجزء الأكبر من الأسلحة لصالح جهات عديدة، وذهب ريعها بنسب مختلفة إلى الشيوخ الإماراتيين ودحلان والبارازاني.