صلاح العلي / لا ميديا -

في أيلول/ سبتمبر الفائت ظهر محمد العرب، مراسل قناة "الحدث"، على صفحته في "تويتر" معلناً استشهاد "علي منصور" واحتفى ونعق بكل صوته بالخبر.
لم يكن محمد العرب "المهرج الممجوج" -كما يصفه البعض- موفقا بالخبر كعادته، إذ ظهر "علي منصور" مجدداً معجزاً ترسانات الجو والبر العدوانية عن النيل منه، وهذه المرة من قعطبة الضالع.
العشريني علي منصور، هو سائق "طقم المدد" لرجال الرجال في عسير أبواب الحديد، والآن في الضالع. إنه الشبح الذي طارده طيران العدوان في عسير وحدها بـ25، غارة إضافة للغم أرضي، خلال رحلته الفدائية اليومية التي يخوضها لإيصال المدد إلى الأبطال في الخطوط الأولى، وقد نجا منها بألطاف عجيبة.
عرفت "علي منصور" في جبهات عسير، وتحديداً جبهة مندبة أبواب الحديد وآل صبحان. كان الطريق الذي يعبره "الشبح" للوصول إلى الخط الأول يمر من أسفل مواقع العدو الجبلية المكتظة بالرقابات وأجهزة الاستشعار والرصد عالية التقنية على بعد 300 متر لا أكثر، ولم يكن العدو يحس به مطلقا ذهابا وإيابا، وحتى نحن!
وعلى الرغم من الكثافة الهستيرية لنيران وقذائف وتحليق العدو في تلك الجبهة إلا أن "الشبح" لم يتأخر يوما في إيصال المدد، كيفما كان الوضع سيئا، ولم يتململ من الدخول وسط النيران لإنقاذ جريح.
ومن الطريف أننا كثيراً ما حاولنا انتظاره بجانب موقع المدد لطلب منفعة ما، غير أننا لم نكن نتمكن من لقائه ولم نكن نعرف بوصوله إلا حين نرى المدد مكوما فوق بعض.
وصفه أحدهم بـ"الشبح"، وأطلق عليه آخر طرفة بالقول: "حين يصل علي منصور أبواب الحديد يخلع نعليه ويمشي على أطراف أصابعه".
يتحدث عن علاقته بـ"الطقم" الذي يقوده بالقول: "إنها علاقة الفارس بفرسه، تعاملاً وحرصاً واهتماماً". إنه الارتباط الذي جمع "الدلدل" بالإمام علي، حد ما يقول واقع حالهما، فعلي منصور جعل من كتلة الحديد كائنا حيا يتجاوب وروح وعواطف الفارس الذي يمتطيه.
وخلال زيارة الصحيفة هذه المرة إلى الضالع، كنا موفقين بلقاء "الشبح" مجدداً، وقد رافقناه هناك في رحلاته اليومية، وهناك استهدفه العدو خلال تحركه بـ"الطقم" ثلاث مرات بصواريخ كورنيت، وفي جميعها لم يكن علي منصور يتراجع للخلف.
وصف لي شعوره وهو يقوم بهذا الدور المفصلي في الحرب، بأنه يشعر بالتقصير الكبير تجاه المجاهدين، وبأنه يتألم ويتحسر حين يعلم أن نقصاً في إمداد الأبطال قد وقع ولو لم يكن هو السبب فيه، وأشد من ذلك ألَّا يتمكن من خدمتهم أو تأخر عن جريح لمانع لا يد له فيه. 
وبخجل يكسو وجهه وملامحه المشاكسة، يعتبر أن ما يقوم به من دور لا يساوي شيئا أمام دور رجال الجيش واللجان في خطوط التماس وما يبذلونه من تضحيات.
يختم علي منصور حديثه: "إن الله يحب المحسنين. يجب أن نكون دائمي المسارعة لأداء مسؤولياتنا."
وفي إحدى المرات مؤخراً، تعرض طقمه لضربة صاروخ موجه ليصاب 4 من أبطال الجيش واللجان الذين كانوا برفقته، فكانت ردَّة فعله أن نقل مع آخرين الجرحى لمكان مستتر وانطلق بعدها ليسرج طقماً آخر ويعود لإنقاذهم.
كنت حينها في الخلفية، وشاهدت "علي منصور" ينزل بجسدٍ مُتعب وروحٍ متوهجة تحدياً وصلابة من على متن الدراجة النارية ويضع على الأرض نصف مستند على رجله اليمنى التي لا تزال الصفائح الحديدية فيها إثر إصابة تعرض لها من قبل. أدلى لنا بكلمات قليلة مستعجلة عما حدث وغادر مجددا كالشبح مختفيا عن الأنظار يطوي الشوارع والمحيط خلفه بلمحة بصر.