ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين -

ناصح شاكر 
كان ياسر محمد يقضي كل رمضان في مدينته الحديدة، باستثناء العام الذي ذهب فيه إلى السعودية لأداء فريضة الحج في مكة.
ولكن في الصيف الماضي غادر الرجل، البالغ عمره 40 عاماً، مع زوجته الحامل حنان الحشيبري، مع ابنتيهما، مدينة الميناء عندما اشتد القتال بين التحالف والحوثيين.
والآن في العاصمة يعيل محمد أسرته -بمن فيها الفرد الجديد طفله البالغ 7 أشهر- من خلال قيادة حافلة صغيرة يقل فيها عدداً ضئيلاً من الركاب الذين باستطاعتهم تحمل تكاليف خدمته.
خلال شهر رمضان يذهب الكثير من زبائنه لشراء العصير والتمر والحليب. وبينما كان محمد خارج السوق ينتظر في موقف للسيارات وقد لاحظ شيئاً لم يعهده من قبل.
كان في نفس السوق في اليوم السابق يشتري الجبن لعائلته، ونظر إلى تاريخ انتهاء الجبن وسعره ولكنه لم يدرك أن ما اشتراه قد أنتج في دولة تقود تحالفاً قصف مدينته.
فقال: "لو كنت عرفت أن هذا المنتج صنع في السعودية لما كنت اشتريته".
ومثل محمد، لا تستطيع سوى قلة قليلة من اليمنيين فقط الشعور بالقلق إزاء المكان الذي تأتي منه المنتجات التي يشترونها في الوقت الحالي، مع أكثر من 22 مليوناً أو ثلاثة أرباع السكان يعتمدون على المساعدات الغذائية من أجل العيش. ووفقاً للأمم المتحدة ما يقارب 10 ملايين يفصل بينهم وبين المجاعة خطوة واحدة.
وكثيراً ما كانت المنتجات السعودية متوفرة في الأسواق اليمن. في 2015 كانت آخر أرقام البنك الدولي التجارية متوفرة بالنسبة لليمن، حيث استورد البلد سلعاً بقيمة 546 مليون دولار من السعودية بعد الصين والإمارات.
ولكن بعد مرور أربعة أعوام من حرب شنها تحالف يستهدف بحملات قصفه المناطق المدنية بانتظام -بما فيها مصانع الحليب وأسواق ومصانع أخرى- صار هنالك شعور بالإحباط في بعض مناطق صنعاء من أن البضائع السعودية وكذلك البضائع التي تأتي من شريكة تحالف الرياض الإمارات قد أصبح من الصعب العثور على بدائل لها أو ثمنها غالٍ.
زارت "ميدل إيست آي" 7 أسواق في أجزاء متفرقة من صنعاء وأسواقاً عديدة تقع في المدينة القديمة. على الرغم من أن هذا الاستطلاع يفتقر إلى أساس علمي فقد كانت غالبية المنتجات التي تباع في كل الأسواق التي زرناها قادمة من السعودية والإمارات.

الاقتصاد الأسير
أوضح عبد الله نعمان، وكيل قطاع التجارة الداخلية في لوزارة التجارة والصناعة التي يديرها الحوثي، لـ"ميدل إيست آي" أنه يعتقد أن التحالف قد تعمد جعل اليمن أسيرة في اقتصادها.
فقد منعت السعودية قائمة عريضة من المنتجات اليمنية من أن تصدر، من خلال حصارها المفروض منذ بداية الحرب.
وبعض المنتجات تم حظرها تماماً، مثل الرمان اليمني الذي كان يصدر إلى السعودية من معقل الحوثيين (صعدة)، والآن تم وضعه في القائمة السوداء لدى الرياض.
ولكن حتى قبل الحظر وفقاً لتقرير "رويترز" أن مزارعي الرمان اشتكوا من أن ضربات التحالف الجوية قد قلصت صادراتهم إلى حوالي الثلث منها، بتسببها في انعدام الوقود والماء اللازم للزراعة.
قال نعمان: "هذه البلدان لا تحترم حقوق جيرانهم ولا الجانب الإنساني، بتدميرهم للنباتات والجسور والطرق... يجب أن يتم تحذيرنا من منتجات دولة تتعامل مع اليمنيين في موقف ضعف".
قال الباعة في المدينة القديمة بصنعاء إنه لا يكون لهم الخيار في أغلب الأحيان. قال محمد القبيسي، وهو بائع تمر، إن جميع أنواع التمور -فاكهة رمضان الشهيرة- التي يبيعها تم إنتاجها في السعودية.
وقال: "كل التمور التي أبيعها سعودية قادمة من دولة العدوان".
وأضاف: "لا يوجد بديل للتمر السعودي الجيد، إذا قلنا لنأخذ التمور التركية لن نستطيع ذلك؛ فتركيا تصدر العطور فقط، واليمنيون معروفون فقط بزراعة القات". وسخر قائلاً: "قد تبدأ الصين بتصدير التمور".
وقال محمد الحضري، بائع آخر في المدينة القديمة يبيع زيت الطبخ والعصائر ومنتجات أخرى متنوعة، إنه يشعر بالضغوطات عند شرائه لمنتجات تبيعها دول تشارك في التحالف، كونها ذات أسعار مناسبة للقدرة الشرائية وأكثر توفراً. وعندما يشتري منتجات من مكان آخر غالباً ما تصل هذه المنتجات متأخرة.
وقال: "وإصدار تصاريح لمنتجات بديلة قيل إنه تم تأجيله منذ عام 2015"، مشيراً إلى أن منتجات البلدان المشاركة في التحالف قد تم السماح بدخولها إلى اليمن بسرعة.
وقال أحمد المختفي، صحفي مقيم في صنعاء، إنه يعتقد أن المنتجات السعودية والإماراتية متوفرة وبيسر بشكل مقصود.
وأوضح: "منافذ الدخول لدينا تسيطر عليها كلياً السعودية والإمارات، لاسيما المنافذ البرية، وبالتالي لا يسمحون بإدخال منتجات غير السعودية والإماراتية... هذا واضح، لأنه قبل العدوان كانت منتجات من مختلف البلدان متوفرة، أما الآن لا يوجد أي سبيل لدخولها".

شراء المنتجات المحلية
الكثير من اليمنيين مثل المختفي يريدون شراء المعكرونة والحساء في رمضان، إلا أنهم يجدون صعوبة في العثور على منتجات منها بديلة للسعودية والإماراتية.
قال المختفي: "على سبيل المثال البديل المحلي لمنتج المعكرونة الخارجي متوفر، لكنه أسوأ من المنتج الخارجي وسعره أعلى وهذه مشكلة... يجب أن يكون هناك بديل متاح حتى لا يشعر المواطن بوجود مشكلة ما، فعندما يتوفر المنتج بإمكان المواطن أن يشتريه ويشعر بالثقة".
قال منير حسن سيف، مستشار التنمية السابق في برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة: "شراء المنتجات المحلية هو الحل".
وقال سيف وهو خبير مالي أيضاً: "المنتجات المحلية هي التي يتوجب علينا تشجيعها، لأنها تدعم الاقتصاد الوطني في الأزمة والصراع".
إن شراء المنتجات المحلية هو بالضبط ما قالت أم دعسم إنها ستفعلة، وهي أم يمنية تتسوق لشراء احتياجات شهر رمضان.
قالت: "من الأفضل اقتصادياً شراء المنتجات المحلية بشكل عام"، بسبب أن المنتجات المحلية مسعرة بالريال اليمني وليس بالدولار الأمريكي أو الريال السعودي، الأمر الذي يرفع سعر الصرف ويؤدي إلى انخفاض قيمة العملة المحلية.
وأوضح الخبير الاقتصادي سيف: "وجود المصنع المحلي يحمي الدولة والاقتصاد؛ غير أن إغراق الأسواق بمنتجات غير وطنية أعتقد أنها فكرة غير جيدة، ودائماً يجعلنا بحاجة إلى العملة الصعبة... فالمنتجات المحلية تبقى قريبة منا وتسهم في دعم الاقتصاد الوطني".


«ميديل إيست آي»
17 مايو 2019