بشرى الغيلي/ لا ميديا

لم يُنسهم اليُتم حمل قضية وطنهم الكبير مع كراريسهم المدرسية. ولم تُنسهم معاناة فقد الأب والأم طموحات وأحلاماً ترتقي بالوطن، كعاهد الوبر (13 عاما) أحد نزلاء دار الأيتام الذي قال: «حين أكبر أشتي أوقع طيار حربي لأدافع عن وطني». بضع كلمات تلخص صدق ما يحمله هو ومجموعة من زملائه الذين احتوتهم دار الأيتام بصنعاء. اقتربت منهم «لا» وتجولت في مرافق الدار. وإليكم حصيلة ما خرجنا به.

جولة «لا» في مرافق الدار
الثانية ظهراً بتوقيت صنعاء. حراس البوابة يتأكد من هويتك كاحتياطات أمنية. تبرز لهم بطاقتك الصحفية التي تخص جهة العمل، فتدخل مُرحَّباً بك. المكان يحتوي عدّة مبان مقسمة، وكل منها يؤدي وظيفته الخاصة. تواجهك من الجهة الغربية مدرسة دار الأيتام، وأمامها مباشرة ساحة ملعب كبيرة، وبجوار مبنى المدرسة الوحدة الصحية الخاصة بطلاب الدار، ثم تتوزع بقية المساحة ما بين مبان (سكن) للطلاب كمبانى 26 سبتمبر، و14 أكتوبر، ومبنى 22 مايو، ومسجد الدار، وحديقة ألعاب صغيرة، ومشتل، ومغسلة الدار، والإدارات المتخصصة.
النزلاء في استراحة غداء، بينما أكملنا التجوّل في مرافق الدار رفقة أحد المختصين. انتشر الطلاب في ساحات وفناء الدار، وكل يزاول نشاطه، كلعب الكرة وغيره من الأنشطة.
 يشعرهم المكان بأنهم محط اهتمام ورعاية، وأنهم ليسوا وحيدين في هذه الحياة، بل هناك من يقف إلى جانبهم، ويقدم لهم خدماته بكل ود.

أحلامهم
تدهشك طموحاتهم الكبيرة رغم حداثة أعمارهم، لدرجة أن البعض منهم يطمح إلى أن يقدم خدماته مستقبلا للدار التي احتوته وساندته. هشام الهمداني (صف سابع أساسي) 
يتمنى أن يصبح طيارا مدنيا ويركز على نقل المرضى للعلاج، نتيجة ما يسمعه عن معاناة المواطنين نتيجة الحرب والحصار. أما معاذ عسكر (سادس أساسي) فيقول إن حلمه أن يصبح دكتورا ليقوم بمعالجة الناس. وأضاف: "الذي ما بش معه فلوس أعالجه بلاش".
وسام الرميم (سادس أساسي) يتمنى أن يكون لاعب كاراتيه، ليحمي الوطن ويصبح كابتنا ويدرب فرقاً أخرى ليشاركوا عالميا باسم اليمن.

أدرّس أيتام الدار
طموحاتهم لا حدود لها. يشعرون بمعاناة الآخرين حتى وهم في أوج فقدهم وحرمانهم. يقول مهند علي (7 أعوام ـ سادس أساسي): "أريد أن أدرّس الأيتام في الدار وأقومُ بتعليمهم"، بينما مازن أبو عاطف (11 عاما) يتمنى أن يكون رائد فضاء. عدين السواري (9 سنوات) يتمنى أن يكون طبيب دار الأيتام. إبراهيم الجلال (15 عاما) أن يكون ضابطا كبيرا ليدافع عن الوطن.

صوت شجي
يشجيك بصوته العذب وبكلمات مؤثرة وهو ينشد على مسامعك من الأناشيد التي يحفظها. محمد الحداء (13 عاما -سادس أساسي) أشار لنا زملاؤه بأن صوته جميل ويريد أن يُسمعنا مما يحفظ. يأتي ذلك ضمن أنشطة الدار كما أوضح مصطفى غلاء ـ مدير مكتب المدير العام بدار الأيتام، الذي قال إن 700 طالب يتوزعون على أقسام الدار، التي تتوزع على القسم الداخلي، والإدارة، ومدرسة، ومركز صحي خاص، وتتضمن خدمات الدار التعليم، الصحة، والرعاية الكاملة للطلاب، وبعد انتهاء مرحلة الثانوية بالدار تسمى الرعاية اللاحقة لطلاب الجامعة لــ120 طالباً، ولديهم سكن خاص في دار الأيتام، وتهتم بهم حتى يحصلوا على الشهادة الجامعية.

 أنشطة تأهيلية 
 الكثير من أنشطة طلاب الدار التي تقام على مدار العام، كما أوضح مصطفى غلاء، تتوزع ما بين رعاية وتأهيل كالأنشطة الرياضية والثقافية، وأنشطة المتميزين، والمسرح، والفن... وقد حصد طلاب الدار المراكز الأولى على مستوى أمانة العاصمة والمحافظات، حيث إن مسرحيات وأناشيد طلاب الدار تُعرض في أكثر من فعالية، في مديريات السبعين والصافية ومعين... وأقدم خشبة مسرح في العاصمة هي خشبة مسرح دار الأيتام، قبل أن يوجد مسرح وزارة الثقافة. وعن مشاركة طلاب الدار خارجيا يضيف غلاء أنهم حققوا المراكز الأولى باسم اليمن، وحصدوا الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية، ومثلوا اليمن في كل المحافل الدولية.

 معوقات
كأي مرفق حكومي، تعاني دار الأيتام نتيجة الحصار والعدوان، كتوقّف مخصصاتها، وأصبحت تعتمد بشكل كلي على ما يقدمه فاعلو الخير، والداعمون من بعض التجار. ولكي لا تتوقف خدماتها يحاول القائمون عليها إيجاد حلول من خلال التواصل المباشر مع الداعمين، فالعائق المادي يؤثر بشكل كبير في وضع الأيتام. ويضيف غلاء أن المعوقات بسبب العدوان، لأن أوضاع الدار قبل ذلك كانت أفضل، وحاول مدير الدار أن يوجد بعض الحلول البسيطة لكي لا تتوقف العملية التعليمية في الدار، كأن يوفر مواصلات للمدرس الذي لا يستطيع الحضور. كذلك الوحدة الصحية لم تعد تقوم إلا بإسعافات أولية أو بعض الفحوصات، نظرا لأن الأجهزة قديمة وقليلة، وإذا ما توفرت الأجهزة الحديثة والمتطورة فإن الوحدة الصحية ستستقبل مرضى من خارج الدار، ليكون عائدها للأيتام، ولكن لعدم توفرها فإن خدماتها تقتصر داخليا لطلاب الدار، وفي حال وجود حالات مستعصية وكبيرة يتم تحويلهم إلى مستشفيات أخرى.

آلية القبول
تساءلت "لا" عن آلية قبول الطلاب في دار الأيتام وكيفية قبولهم كنزلاء للدار، فأوضح غلاء أن الدار كمدرسة تستقبل طلاباً جدداً بداية كل عام دراسي، ويتم المفاضلة من قبل لجنة القبول، بعد التأكد من بيانات كل طالب كاملة، ويتم دراسة حالاتهم من قبل أخصائيين اجتماعيين، وتكون الأولوية ليتيم الأبوين، ثم قبول حالات كأب ميّت سريريا ولا يستطيع الإعالة، أو تفكك أسري، فيتم معاملتهم كحالات استثنائية.