يوسف صلاح الدين / لا ميديا -

يُرسلون شعرهم طويلاً فوق أكتافهم، ويعيشون بانتظار عودة الـ«حسين» الذي لم يمتْ بعد.. مقاتلون أشدَّاء لا سبيل للخوف إلى قلوبهم.. يمقـتون الزوامل الموقَّعة بالدفوف وتروقهم التقليدية منها بألحانها القديمة الموروثة، وغير المشفوعة بآلات موسيقية.. أخذوا تسميتهم عن الشيخ المجاهد عبدالله عيضة الرزامي، فكانوا «الرزاميين».
قدرت السلطة بأن عكوف هذه الشريحة من المقاتلين القبليين خارج المعركة بعد استشهاد السيد حسين في الحرب الأولى على المسيرة القرآنية، سيعوق عملية إعادة ترتيب صفوفها، وسيضرب الإجماع حول قائد بديل لها، وأبعد من ذلك سيؤدي إلى احتراب الحركة الفتية بينها البين، مما سيجعل اصطياد من تخمن السلطة أهليتهم لخلافة السيد حسين، أمراً ميسوراً لمخابراتها المبثوثة بامتداد المسافة من مران إلى نشور الحدودية مع السعودية.
غير أن الأمور جرت بما لا تشتهي سفن السلطة.
أعاد أبو جبريل أصغر إخوة الشهيد القائد، رص صفوف من عُرفوا حينها بـ"بجماعة المكبرين بالصرخة"، انطلاقاً من نشور، ولم تفلح المخابرات والعسس في إشعال فتيل احتراب بيني مع "الرزاميين"، أو في العثور على ملاذ السيد عبدالملك الحوثي ووالده السيد بدر الدين. عندما شرعت السلطة في عملية الملاحقة تلك، كانت قد دشنت بذلك حربها الثانية على صعدة المسيرة القرآنية، التي استمرت لأسبوعين.. لم تكن تتوقع أنها ستواجه مقاومة تذكر بعد تصفية القائد بعملية جبانة في الحرب الأولى، واختطاف جثمانه ومواراته في أكثر من مكان مجهول..
أدار السيد عبدالملك تباين وجهات النظر مع "الرزاميين" بحكمة بالغة، وقاد بشجاعة ونفاذ بصر استراتيجي 4 حروب دفاعية في مواجهة ترسانة العدوان العسكري المدججة بعتاد حربي هائل اشترك فيه سلاح الجو، وحُشدت له عشرات الآلاف من العصابات التكفيرية المسماة بـ"القاعدة" و"الإخوانجيين" والمرتزقة القبليين والجيش النظامي... انتهت الحروب الـ6 بسيطرة كاملة لحركة أنصار الله على محافظة صعدة، وشرعت الحركة في نزع فتائل الفتن الداخلية والنزاعات القبلية التي فخخت بها السلطة مجتمع المحافظة الحدودية..
فر جلاوزة الإقطاع وعملاء المملكة السعودية ومرتزقة الحروب والمخدرات، وسادت العدالة الاجتماعية، فانتعشت صعدة زراعياً، وباتت خارج سياق التخلف والنكوص الاقتصادي السائد في الجمهورية اليمنية، كما وخارج طائلة الفوضى الأمنية "الخلَّاقة" ومفخخات وأحزمة التكفير الناسفة...
في 2015، خمنت منظومة العملاء البائدة والفارة إلى أحضان أولياء نعمتها، أن عدم اندماج "الرزاميين" في صفوف الحركة سيضعف من قوتها وقدرتها على شن عمليات نوعية حدودية، غير أن السحر ارتد على الساحر.. شن "الرزاميون" عمليات نوعية طيلة مرحلة ما عُرف بـ"الصبر الاستراتيجي" التي استغرقت 40 يوماً منذ بدء العدوان..
كان جثمان الشهيد القائد قد استعيد، وجرى دفنه في 2013، بالتزامن مع انضواء الحركة في "مؤتمر الحوار الوطني"، وشهد تشييعه إلى مثواه بعد الصلاة عليه حضوراً مليونياً شعبياً واسعاً غير مسبوق، وكان "الرزاميون" في مقدمة المشيعين..
في أبريل من العام 2016، وقع الأنصار اتفاق هدنة حدودية مع المملكة، لكن "الرزاميين" استمروا في تنفيذ عمليات عسكرية متوغلة في العمق السعودي، وحين كانت الرياض تحتج وتصف ذلك بـ"نقض للهدنة"، كانت حركة أنصار الله ترد عليها بتشفٍّ وسخرية: مقاتلو الحركة ملتزمون بالهدنة، ولا سلطة لنا على مقاتلي القبائل الساعين للثأر عن دماء ذويهم المقتولين بغارات ونيران تحالف عدوانكم...
كان ذلك بمثابة ضرب قاسٍ تحت حزام الهدنة، وبصورة مشروعة.. ولايزال "الرزاميون" أصلب السهام والأسنَّة التي تقذفها صعدة في نحور مملكة بني سعود.
في السابق واللاحق، كان "الرزاميون" - بطبيعة الحال - جماعة شبيهة بجماعة "أبي بصير" في العهد المحمدي.. خارج الإمرة نظرياً، وفي نحر أعداء المسيرة على أرض الواقع.