علي نعمان المقطري / لا ميديا -

نتيجة للأوضاع التي صار إليها العدوان في حملاته الأخيرة جنوب الحديدة وساحلها الغربي، وما نتج عنها من انكسارات وهزائم وحصار وتقطيعات لقواته جنوب الساحل وقطع خطوط إمداداته وخسارته لهجومه الكبير على أبواب الحديدة من الشرق والجنوب شرق والجنوب غرب، وما تكبده من خسائر فادحة، وتوقيعه اضطراراً لاتفاق السويد الذي كما أسلفنا في المقال السابق يهدف العدو من خلاله إلى استثمار الوقت مجدداً وإعادة ترتيب أولوياته على ضوء التحديات الجديدة المباشرة أمامه.. نتيجة لكل ذلك فإن اهتمامات العدوان الراهنة تتركز حول مجموعة من الأهداف الأساسية والاستراتيجيات التي تتمحور حول كيفية استغلال الظروف التي يوفرها اتفاق السويد للوصول إلى تطويق محكم على الحديدة، بعد إخراج الجيش واللجان منها وفقاً لشروط اتفاق ستوكهولم والانقضاض عليها في ظل تواطؤ دولي ومشاركة دولية استعمارية واضحة مؤشراتها وحقائقها ونواياها.

مواقف تكشف نوايا العدوان وحلفائه
هناك مواقف تكشف نوايا العدوان التي يصرح بها في أكثر من مناسبة وأسلوب، وأبرزها تصريحات وزير الخارجية البريطاني بعد لقاءاته في عُمان برئيس الوفد الوطني التفاوضي، وهي تشير بصراحة إلى جوهر موقف انقلاب البريطانيين وحلفائهم الأمريكيين والسعوديين والإماراتيين على روح اتفاقية ستوكهولم التي وقعوها غصباً بفعل تأثير الفشل العسكري على الحديدة، وحاجتهم إلى المناورة لإعادة التقاط أنفاسهم لجولة جديدة من الحرب، وأنهم إنما وقعوها ليستغلوها كحصان طروادة للوصول إلى بوابات أسوار الحديدة وموانئها عبر الخديعة السياسية، وتؤكد هذه الحقيقة ما سبق الإشارة إليه وإضافة إليها ما يلي:
1 ـ تصريحات السفير البريطاني في اليمن ومقابلاته الإعلامية الأخيرة والحديث عن تفسيرات جديدة لاتفاق السويد جوهرها فتح الأبواب لدخول قوات دولية عدوانية إلى الحديدة باسم قوة ثالثة بدلاً من الحماية المحلية حسب اتفاق السويد.
2 ـ مناورات المشرف الدولي السابق الجنرال كاميرت الذي بدأ يضغط بإعطاء تفسيرات جديدة مخالفة صراحة لمضمون ونصوص الاتفاق، لصالح تبرير مخالفات وتنصل العدوان من تنفيذ التزاماته وتشجيعه على مواصلة الخروقات، مدعياً ضرورة خروج الجيش واللجان وتسليم المدينة لسلطة العدوان مقدماً تفسيراً جديداً يتطابق مع تكتيكات العدوان.
3 ـ انكشاف المؤامرة التي كانت تحاك على الحديدة لإسقاطها من الداخل والخارج.
4 ـ انكشاف مؤامرة كشر حجة وعلاقتها بما يدبر في الحديدة والساحل الغربي.
5 ـ تصريحات قائد ما يسمى قوات العمالقة في الساحل الغربي المرتزق الشيخ المحرمي في لقائه مع ما يسمى قيادة اللواء الثالث عمالقة، والذي أشار إلى أنهم وقعوا اتفاق السويد بتوجيه ووعد من التحالف العربي والدولي بأن يتم عبر الاتفاق تصفية شبكات الألغام والدفاعات والخنادق والخطوط والأنفاق وإخراج الوحدات العسكرية للجيش واللجان بعيداً عن الحديدة والمطار والموانئ والتي تعيق تقدمهم نحو المدينة، ليكونوا بعدها قادرين على اجتياح الحديدة ومواصلة الزحف.
6 ـ توظيف الهدنة لإعادة بناء القوى العدوانية واستجلاب قوات جديدة وإقامة تحصينات ومواقع دفاعية مستحدثة ومحاولة السيطرة على مواقع جديدة، لذلك تواصلت الخروقات دون توقف، حيث بلغت نحو 30 ألف خرق خلال 100 يوم من اتفاق السويد، وهذا وحده يكشف حقيقة نوايا العدوان وأهدافه الحقيقية من توقيعه اتفاق السويد.
ولقد ردد العديد من أعضاء الوفد الوطني التفاوضي الميامين أن العدو أراد أن يحقق بالاتفاق ما عجز عن تحقيقه بالحرب، والمقصود فرض تفسيرات مناقضة لما تم الاتفاق عليه، تفسيرات جديدة تحقق له الرجحان على الأرض عبر الضغط بالقوة والاختراقات والضربات المتواصلة وتبرير التحركات الاستراتيجية التي تقربه من الهدف الرئسي، وهو تحويل الاتفاق وثغراته إلى قنوات سرية تمكنه من الإعداد للمناورة الهجومية القادمة، أي السيطرة على الحديدة.

العدو يستغل النوايا الحسنة والثغرات السيئة
إن العدو يسعى لاستغلال ثغرات تنفيذ الاتفاق وبنوايا شريرة لتحقيق غاياته الحربية، حيث يركز على عدة ثغرات في الاتفاق، خاصة تلك التي تخدم أغراضه وتجعله في موقف أفضل على ساحة المواجهة، نتيجة عدم التكافؤ في الالتزامات المتبادلة، وأبرزها:
1 ـ خروج قوات الجيش واللجان من المدينة والموانئ والمطارات وإلى مسافة ما بين 30 و50 كيلومتراً، بينما لا تلزم العدو بالخروج من أمام المدينة إلا بمسافة بين كيلومتر و5 كيلومترات حسب الاتفاق الأخير، فالنص لا يسمح بالانقضاض على المدينة، ولكن التمييز في الانسحابات غير المتوازنة من الطرفين يسمح بالاستغلال الواقعي للفراغ الذي يسببه خروج قوات الجيش واللجان وبعدها الكبير عن مسرح العمليات.
2 ـ فتح الطريق أمام الملاحة الدولية العدوانية حول شواطئ الحديدة وموانئها تحت ساتر إيصال المواد الإغاثية الإنسانية، ليكون قادراً على الزحف البحري على الموانئ.
3 ـ انعدام أية ضمانات موثوقة تشهد على الاتفاق وتنفيذه وتحدد المتسبب في إعاقته وتضع حدوداً للمناورات الشريرة.

أهداف العدو الميدانية من الهدنة الملتبسة
وحتى يشن العدو الهجوم الحاسم لا بد من أن تتوافر له مجموعة من الشروط التي كان يفتقر إليها في وضع قبل السويد، لكنها الآن صارت موضوعة على طريق التحقق بعده، أهمها تتمثل في إعادة تنظيم المعركة الجديدة الحاسمة عبر إعادة التموضعات والمواضع الجديدة لكل قوة من القوتين المتوازنتين، والتي اضطرها توازنها الحرج إلى طلب وقبول الهدنة مؤقتاً، وهي تعكس أزمة القوتين وحاجتهما لإعادة التوضع مجدداً عبر مساومة ومناورة سياسية تجول في إطار الحديث عن السلام والحاجة إليه والتلطي خلف المعاناة والاحتياجات الإنسانية وحمايه أمن البحر الأحمر والملاحة الدولية، لأن الأوضاع المتداخلة التي وضع فيها جعلته في حالة قصور ذاتي وعحز وشلل ميداني عن التقدم أو الهجوم نتيجة انحشاره بين محاور الجيش واللجان على محاور خلفية وجانبية في نقاط مكشوفة جوياً وبحرياً تمنعه من تطوير هجماته وتحويلها إلى هجوم كبير مضاد لحسم المعركة ميدانياً، لقد وصل العدو إلى مواضع مأزومة في تقدمه المتهور على مداخل الحديدة.

غطاء الهدنة الاستراتيجي
إن محتوى الهدنة ليس الجانب الإنساني أبداً كما يُروج له، وإن كانت تلك ذريعة سياسية ليس إلا، لكنها مجرد غطاء للعدوان لإعادة ترتيب ميدان معركته وقواته، وهذا يتطلب إخلالاً تدريجياً بموازين القوة القائمة خلال فترة الهدنة، لذلك أرادوها محدودة بالحديدة المدينة وموانئها فقط، لماذا؟ لكي يظل المحيط الأوسع للمدينة مؤجلاً ومناطق وثوب وانطلاق للهجوم القادم على المدينة وموانئها، حيث تحقق الهدنة منطقة محايدة الشكل بين قوات الطرفين تسمح للطرف العدواني وحده بإمكانية الوثوب قبل وصول المساندة العسكرية للجيش واللجان إلى المدينة، ويكون كل شيء قد سقط وتم اجتياح المدينة وموانئها براً وجواً وبحراً خلال ساعات كما يتصور جلاوزة العدوان.
الخدعة العامة التي يبيتها العدوان تتلخص في توظيف الهدنة لجعل الحديدة ومحيطها المركزى عارياً من الحماية، خالياً من القوات، وجاهزاً للاستباحة في الوقت المناسب، والانقضاض الشامل عليها من الجو والبحر والبر. إن طروادة موعودة بحمامات من الدماء، فآلهة العدوان والحرب لا تشبع ولا ترتوي.