ترجمة: زينب صلاح الدين

ميخائيل هورتون
منذ 4 أعوام، ظن السعوديون أنهم سيتغلبون على الحوثيين بسرعة. لكن اتضح أن اليمنيين أقوى من المتوقع. 
كما سجلت الحرب في اليمن نهاية عامها الرابع قبل أيام، اتضح أن هذه الحرب، بمساعدة ومشاركة الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والمملكة السعودية والإمارات، قد جنت بعنف على بلد يعد من أفقر البلدان، والبنية التحتية لليمن قد دمرت تماماً، وكذلك غالبية المناطق الزراعية المنتجة. وبالتالي كانت النتيجة أسوأ أزمة إنسانية في الأرض. 
ولكن رغم هذا الدمار، تحول اليمن إلى فيتنام السعودية، وكذلك بالنسبة للإمارات. فقد أغرقت كلتا الدولتين مليارات الدولارات وأعداداً لا حصر لها من الجنود والمرتزقة، فيما أصبح يشكل مستنقعاً ذا أبعاد كارثية. وما كانوا يأملون أن يكون حرباً سريعة حاسمة قد تحول إلى "طائر القطرس البحري" (بمعنى شيء ملعون أو فأل شر عند الأمريكان)، بالإضافة إلى أن بقية العالم يتساءل حول دوافعهم في هذه الحرب، ويحث شركاءهم الغربيين على سحب الدعم منهم فوراً. 
إن الدافع الظاهري للتدخل السعودي والإماراتي هو دحر المتمردين الحوثيين، وهم جماعة زيدية شيعية لها جذور ضاربة في اليمن. رغم أن هذا الهدف لم يتم إنجازه. وتزعم كلتا الدولتين أن الحوثيين مقربون من إيران، إلا أنه بدأ يتضح أنهم مستقلون تماماً عنها، وأنهم عندما يتلقون مساعدات محدودة من طهران لا يأخذون أية أوامر منها. 
وكان يفترض بالسعوديين والإماراتيين أن يتعلموا جيداً من تاريخ اليمن الممتد لـ2000 عام في استنزاف الدم وخزائن القوى الإمبريالية والقوى الأقل عظمة. فقد هزم اليمنيون الروم، والأتراك العثمانيين مرتين، وطردوا البريطانيين في عام 1967. وهذا الحال يشبه كثيراً حال الولايات المتحدة في فيتنام منذ أكثر من أربعين عاماً وفي الآونة الأخيرة في أفغانستان، يقاتل غزاة "جالوت" (المحارب الطاغية الذي قتله داود) في حرب استنزافية تستنزف مواردهم وتفقدهم كل سلطة أخلاقية وسياسية قد يكسبونها في العملية. 
لكن هل كانوا صادقين في نواياهم تجاه اليمن؟ في الواقع، قامت السعودية والإمارات بتسليح ودعم عدد متضاعف من الميليشيات والفصائل اليمنية بعضها على صلة بتنظيم القاعدة. وقد حولت هذه السياسات عمداً اليمن إلى خليط من الإقطاعيين المتنازعين. وهذا بسبب أن الغرض السري لـ"التدخل" ليس له علاقة بنفوذ إيراني مزعوم، أكثر من ارتباطه بتأمين الوصول إلى ثروات اليمن الاستراتيجية ومصادرها الطبيعية. والسعودية والإمارات مشاركتان في حرب استعمارية جديدة من أجل السلطة أو القوى والموارد والأراضي. وتحاول كلتا الدولتين -اللتين تتنافسان على نحو متزايد مع بعضهما البعض- أن تحولا اليمن إلى دوائر نفوذ لهما. 
ولأنها تملك جيشاً من المرتزقة أكثر خبرة بعض الشيء، تملك الإمارات زمام المبادرة على السعودية في هذا الصدد، حيث قامت بإنشاء قواعد عسكرية في جميع أنحاء جنوب اليمن، وهناك تقوم بدعم انفصاليين من اتجاهات مختلفة ممن يريدون كل شيء، من جنوب اليمن المستقل إلى إمارة إسلامية. وليست مكتفية باحتلال المنطقة الرئيسية فحسب، فقد أنشأت الإمارات أيضاً قواعد في جزيرة سقطرى العريقة اليمنية التي كانت ذات يوم موقع التراث العالمي لليونيسكو وكذلك في جزيرة بريم (ميون). 
بينما تلعب السعودية لعبة اللحاق بحليفتها وتطالب بمحافظة المهرة التي تقع شرق اليمن. وهناك تأمل الرياض مد أنبوب سيسمح لها بتجاوز مضيق هرمز أو الاستغناء عنه. ولكن في أجزاء أخرى من اليمن يقاتل أشخاص لوقف ما يراه العديد كاستيلاء على الأراضي من قبل قوة أجنبية. وقد اعترض سكان المهرة على بناء المدرسة الممولة سعودياً التي لا شك أنها ستستخدم كتباً مدرسية سعودية كتلك التي يستخدمها التنظيم الإسلامي. كما أن السكان يحاولون منع بناء قاعدة عسكرية سعودية. 
كلتا الدولتين، السعودية والإمارات، لديها الكثير لتتعلمه من مغامرات أمريكا المكلفة بعد أحداث 11 سبتمبر. فبرغم تأهيلها لأقوى قوات مسلحة في العالم وإنفاق تريليونات الدولارات، فشلت الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها في العراق وأفغانستان – وهو بلد مشابه لليمن من عدة نواحٍ. وفي العراق دمر الغزو كثيراً من مناطق البلد ومهد الطريق لبروز الدولة الإسلامية، ودفع ببغداد إلى الوقوع بين ذراعي إيران. في كلا الشعبين تنامت نزعات تطرفية جديدة وأكثر خطورة نتيجة فراغ السلطة الذي خلفه الغزو في البلدين. 
والحرب في اليمن لها نفس النتائج. وباستمرار مقاتلة الحوثيين، تعزز السعودية والإمارات بشكل متناقض أعداءهما ويقدمان لإيران أرضاً أكثر خصوبة لعمليات نفوذها. والحوثيون مقاتلون أكفاء إلا أنهم أظهروا كفاءة أقل فيما يتعلق بالحكم والإدارة. ولقد عززت الحرب والغارات الجوية السعودية والإماراتية شرعية الحوثي في السماح له بتقديم أفضل ما لديه ألا وهو القتال. 
ربما ستستغرق اليمن وقتاً طويلاً حتى تصبح دولة موحدة بحكومة فاعلة مرة أخرى. ومع ذلك من غير المحتمل أن تشهد السعودية والإمارات عائداً على استثماراتهما، حتى وإن أخبرتهم قراءة سطحية لتاريخ اليمن بذلك. إلا أنهم سيفشلون. كان من المفترض أن تثنيهم حروب أمريكا الفاشلة عن التورط في نفس الموضع. 
وبدون ضغط دولي مستمر على السعودية والإمارات وإيران، سوف تستمر الحرب في اليمن لسنوات قادمة. وفي الوقت نفسه ستستنزف مليارات الدولارات من السعودية والإمارات، وتفرخ مليشيات جديدة، وستقدم لإيران فرصاً بشكل هزلي لتوسيع نفوذها. والأكثر خطورة هو أن الحرب ستستمر في القتل والتدمير والتجويع وتفقير آلاف المدنيين في اليمن. 
ومن المفارقات أنه في الوقت الذي لا يمكن فيه غزو اليمن أبداً؛ فقد لا يكون هناك ما يستحق التغلب عليه في نهاية المطاف. 

* "ذا أمريكان كونزرفاتيف"
(مجلة نصف شهرية) 28 مارس 2019