عبدالله عبدالرحمن الكبسي-

في مطلع العام 1978، عقب استشهاد الرئيس العظيم إبراهيم محمد الحمدي، (ببضعة) أشهر -بالبناء على أدنى مستفاد المحصورة، آنذاك كان المقدم أحمد الغشمي قد حَشر ضمن مَن حشر إلى «حوش دار البشائر» -عهدة المرحوم محمد حمود خميس- مجموعة من التعاونيين البارزين الذين كانوا قد تأهلوا سابقاً لقيادة الهيئات التعاونية في مناطقهم أو تمثيلها في قوام الاتحاد العام.
ومن ضمن هؤلاء هيئة تعاون منطقة رداع، وعلى رأسهم الأستاذ علوي السلامي، وكيل وزارة المالية لقطاع حسابات الحكومة، الذي حظينا برفقته في الحوش المشار إليه لحوالي أسبوعين أو ثلاثة قبل أن يُستدعى فجأة إلى اجتماع لمجلس الوزراء، لاختصاصه بتوضيح بعض الأمور المعروضة للنقاش آنذاك.
المهم في الأمر كله أن وجود الأستاذ علوي بيننا في تلك الفترة الحالكة والحافلة بالمتغيرات قد استقطب إليه الكثير من أسئلة النزلاء، ذات الطابع المالي تحديداً، وخصوصاً ما كان يتعلق منها بما قيل يومها من أن البلاد أو بالأحرى خزينتها العامة كانت تحتوي على مبلغ 4 مليارات دولار بصفة احتياطي عام، خارجاً عنه ما كان قد رُصد آنذاك لتمويل أول خطة ثلاثية للإنماء الشامل.
وكان قد شاع على نطاق واسع آنذاك أن جهات دولية عدة (بنوك وصناديق نقدية ونحوها) قد عرضت على الحكومة اليمنية رغبتها في العمل على استثمار ذلك الاحتياطي الضخم والإفادة المحققة من عائداته الريعية المغرية.
بيد أن تلكم الرغبة الملحة، بما قد تحتويه من مرامٍ وأهداف ربما تجاوزت المطروح من حسابات الراغبين وعروضهم المشوِّقة، لم تكن لتحظى بالإجابات المشجعة من الجانب الرسمي اليمني كما قيل آنذاك.
ومن هنا، ولأن الأمر من الأهمية بالقدر الذي يستوجب الإحاطة بوجهة نظر القيادة السياسية العليا نحو هذا الموضوع وكيفية إدارته من قبل المعنيين في الداخل، فقد ضم هؤلاء جميعاً اجتماع طارئ ترأسه الزعيم الشهيد إبراهيم الحمدي، رئيس مجلس القيادة، الذي أجاب على تساؤلات الحضور بشأن الموضوع إياه قائلاً لهم بنبرة حاسمة ووضوح شديد كما أكد محدثنا الزائر:
"عليكم أن تنسوا تماماً مسألة هذا الرصيد الاحتياطي وكل ما يقال عنه، أو يتصل بمسألة استثماره كلياً، وأن تضعوا في حسبانكم ضرورة العمل على تنمية هذا الرصيد وتعزيزه على الدوام بمختلف الطرق ومن شتى المصادر المتاحة، وإلى الحد الذي يكفي البلاد لمدة 4 سنوات في حالة حرب".
نعم "لأربع سنوات في حالة حرب"، هكذا بالحرف قالها الزعيم العظيم كما سمعناها من محدثنا الموجود بيننا الآن. وبغض النظر الآن عن مصير ذلك الاحتياطي الضخم من النقد الأجنبي ومعه اعتمادات الخطة التنموية الثلاثية التي غُيبت بدورها واختفى الحديث عنها تماماً عقب ومع غياب مهندسها الفذ ومتعهدها الموهوب رحمه الله..
أقول: بغض النظر عن ذلك كله فلعل تلكم المكاشفة الصارخة، وهي في حقيقتها استقراء بالغ الدقة وشديد الاستلهام لنوايا المتربصين والمآلات المحتملة لقابل البلاد في ظل التوجه المزمع للنأي بها عن دوائر التبعية والاستقطاب الحاد ببعديه الإقليمي والدولي، لعلها أن تكون -وبإضافتها إلى كثير من المُعَضِّدات الحركية والأدبية- قد سرَّعت بوأد حلم اليمن وضرب مشروعه النهضوي المنبثق فجأةً وبقوة من وسط ركام المعاناة وخارج حسابات قوى الهيمنة والاستكبار المركبة والمستريحة آنذاك على "هاجس الخمود الوطني السائد وملحوظ التشظي السياسي والاجتماعي المتفاقم إلى أبعد الحدود".
وغني عن القول أنه لأجل ذلك كله فقد عمدت قوى الشر والتآمر، وعبر أدواتها من قوى الارتزاق والعمالة، إلى تصفية نموذج ذلك الحلم العظيم ورمز مشروعه الوطني الكبير ممثلاً في شخص الزعيم الشهيد إبراهيم محمد الحمدي رحمه الله.
نعم، لقد مثلت تلكم الجريمة الفاجرة، والخسيسة خسة نفوس مخططيها ومنفذيها معاً، عملاً استباقياً خبيثاً ولئيماً جداً لقطع الطريق كلياً، ومن مبتدا الشوط، أمام ذلك التطلع النبيل للقيادة الوطنية المسكونة حد النخاع بهاجس الانتصار لمظلومية الشعب المعاني وتحريره من أكبال التبعية والارتهان والتخلف المفروض بقوتهما المستحكمة إلى غير حد. ولكن ماذا عن نبوءة الرئيس الشهيد والأربع السنين من الحرب يا ترى؟
ها نحن الآن نَعُدُّ الأيام الأخيرة من العام الرابع على بدء العدوان الهمجي السعوصهيوأمريكي، وحلفه التافه الرخيص من أعراب الانبطاح والعمالة، ومرتزقتهم من شتى الأصقاع والألوان، ونكاد ندلف إلى العام الخامس، وما من مؤشر يمكن الوثوق به والركون إليه عن قرب انتهاء الحرب المفروضة وحلول السلام المنشود، رغم الذي يُسمع ويُقال عن المباحثات الجارية اليوم على خلفية اتفاق ستوكهولم.
ومن هنا فلعل السؤال الذي يفرض نفسه هنا وباستحقاق كامل أكيد، بل والذي يمكن لنا من خلال الإجابة عليه بصدق وشفافية أن نقدِّر بشكل صحيح مدى جدية قوى العدوان في الذهاب إلى وقف الحرب التي بدؤوها مُصممين على بلوغ أهدافهم من خلالها، والسؤال هو:
لمَ كانت هذه الحرب بدايةً؟ وما هو المطلوب من وراء شنها؟ وما علاقتها بتلك التي افترضها وتوقعها الرئيس الحمدي رحمه الله؟
للإجابة على هذا السؤال المركب نقول جازمين، وكما سبقت الإشارة، بأن الرئيس إبراهيم الحمدي قد أدرك باكراً ومن خلال إحاطته الواسعة بطبيعة الظروف المعقدة والمتشابكة جداً التي تعيشها البلاد آنذاك على مختلف الصعد والاتجاهات، وتلقفها السهل للمؤثرات الفاعلة من وراء الحدود، قد أدرك جيداً ومصيباً أن الحل الناجع الأكيد لمشاكل البلاد وتصحيح أوضاعها الصعبة إنما يكمن أولاً وأخيراً في:
"امتلاك اليمن لقراره السياسي والعمل الجاد والمنتظم على فرض هيبة الدولة وتسييد منطق العدل وسلطة القانون".
وبإزاء هذا الاختيار الثوري الصحيح الذي زلزل مراكز التسلط العميق في الداخل المحتكر لنفوذها، واستلفت إليه بشدة وغيظ وذهول أيضاً قوى الهيمنة ومراكز التحكم والاستعلاء الأجنبي، القريبة منه والبعيدة على سواء، ما دفعها جميعاً إلى استباق تنامي المد الثوري للحركة التصحيحية وتبلور آفاقها البنيوية الفكرية والتنظيمية بتصفية رمزها الخالد العظيم...
لتنفتح الساحة من بعده على أعتى هجمة رجعية صهيوأعرابية أمريكية تخريبية واستلحاقية ما انفكت تعمل بلا كلل أو استرخاء على فرض أجندتها الاستلابية الملوثة إلى أبعد الحدود بميكروب التغريب والسعودة والتدسس الناعم الخبيث إلى شتى مناحي الحياة وتفاصيل معطياتها الواسعة.
فإلى أي مدى نجحت تلكم الهجمة الشرسة، والمتمادية إلى غير ما حد، في تحقيق ملحوظها المنطوي على أخطر المرامي والأبعاد؟
لقد دأبت قوى الشر والتآمر، طيلة ما يقارب الأربعين عاماً الماضية، على إماتة الحس الوطني وخلخلة مرتكزاته الفطرية من ثوابت الانتماء ومقومات الشخصية اليمنية التاريخية، مستنفرة لذلك مختلف وسائل التأثير وأشكال الاحتواء والتدخل المفتوح بشتى أبعاده ومراميه الفكرية والمادية بتشخصاتها الفعلية الواسعة في واقع البلاد وعلى شتى المستويات.. ولئن كانت تلكم القوى الفاجرة قد نجحت إلى حد بعيد في إحداث الكثير من الخروق السياسية والأخلاقية والأيديولوجية في الساحة الوطنية وتطويعها قسرياً لمآربها الخبيثة، فإن من المفارقات العجيبة وذات الدلالة على ملحوظها أن شعبنا اليمني في سواده الأعظم البسيط والخالي من الملوِّثات الحزبية، وعلى الرغم من مظاهر الخضوع والاستكانة للواقع المخادع والمعبأ بمظاهر الاستتباع والمحو المتعمد لقيم الانتماء والارتباط الذهني والعاطفي برموزه العظام، قد عبَّر عن موقفه المناهض لحملات التدجين والاستلاب الوطني والإنساني بالتعلق الوجداني العميق والصادق بزعيمه المغدور الشهيد إبراهيم الحمدي، الذي يعتبر بحق أول شهداء المسيرة الاستقلالية على هذا المستوى الضخم الرفيع، وهذا من جهة.
ومن أخرى فلئن كانت هذه الحرب العدوانية قد تأخرت لما يقرب من 4 عقود متوالية فإن ذلك لا ولم يغير بالمطلق من صحة الاستنتاج وسلامة ذلك التقدير، اللهم إلا لجهة الدلالة الأكيدة على مدى اطمئنان قوى التآمر إلى نجاح مساعيها المحمومة في إخماد صوت الاعتراض الموزون على تدخلاتها السافرة في شؤون البلاد، واستسلام الشارع اليمني لأجندتها الهيمنية المتكئة في ملحوظها الدقيق والمنظم على حركة واسعة من الاستقطاب المادي، مسنودة في الوقت ذاته بحركة أخرى أدهى وأشد من الغزو الفكري والثقافي المدعوم مادياً ومعنوياً من قبل المؤسسة الدينية الوهابية التي وصل نفوذها إلى شتى المؤسسات الرسمية وشبه الرسمية وعلى نطاق واسع من الجغرافيا اليمنية بثنائية هويتها المذهبية التاريخية، الزيدية والشافعية على سواء.
ومن هنا، نعم من هنا، ومن خلفية هذا التمدد الوهابي المسعور والنشاط الاستقطابي الفاعل والمعزز بأموال اللجنة الخاصة وروَّادها من أفواج الارتزاق وقوافل المعتمرين إلى قرن الشيطان، وفي الوقت الذي كان كل شيء فيه يبدو مستنيماً تماماً في أحضان مملكة الشر السعوصهيوأمريكية ودهاليزها التآمرية العفنة، فقد شاءت الأقدار المتصرفة من وراء كل الحسابات الاحترازية أن ينبثق نور المسيرة القرآنية المباركة، من جبال مرَّان الشامخة في قلب محافظة صعدة الإباء، على يد ابنها البار السيد العلم الشهيد حسين بن بدر الحوثي.
وإن شئنا الدقة قلنا: ومن قبله على يد والده العلامة بدر الدين بن أمير الدين الحوثي، الذي حاز قصب السبق وكان له القدح المعلى في التصدي العقلاني الفاعل للمد الوهابي التكفيري ونقض أباطيله المدلسة، عبر العديد من مؤلفاته القيمة.
وبذلك، وبالإضافة إلى مجهوده الضخم الكبير في نشر التعليم الديني وتثقيف الأجيال المتعاقبة في منطقة صعدة بطولها والعرض، فإنه يمكن القول الآن وبكثير من الثقة بأنه قد هيأ الساحة فعلياً لظهور ابنه الشهيد حسين بدر الدين الذي خطى بالمسألة شوطاً أبعد مدىً وأدق تنظيماً وبرؤية أكثر شمولاً واستيعاباً لأوجاع الأمة -كل الأمة- وأسباب معاناتها ومآسيها المتفاقمة، وعلى النحو الذي استلفت إليه اهتمام المنزعجين جميعاً ومن صنعاء في قلب اليمن حتى "مؤتمر الثمانية، أحلاس الشرِّ وأساطين الهيمنة ورموز الاستكبار" في واشنطن على عهد سيئ الذكر جورج بوش الابن آنذاك.
إننا عندما نستحضر ذلك المؤتمر اللعنة في ختام هذه التناولة فلمجرد التذكير بأن ذلك المؤتمر المشؤوم الذي دُعي إليه آنذاك الرئيس علي عبدالله صالح، الذي ظهر فيه يومذاك بزيه التقليدي في دلالة مقصودة للداخل اليمني المثخن بجراحات عهده المستطيل، قد مثَّل بداية الاستهداف الاستكباري المسلح على شعبنا اليمني الأبي، والرد الأمريكي المبكر على أصوات الحرية والانعتاق المنبعثة بقوة من جبال مرَّان الثائرة على عهود الظلم والاستبداد والانتهاب المادي والمعنوي الشامل.
وغني عن القول الآن أن البلاد ومنذ ذلك التاريخ قد شهدت الكثير الكثير من الأحداث والعواصف المزلزلة، بدءاً بالحروب الست التي شنها نظام الارتهان والخيانة على محافظة صعدة، وانتهاءً بالعدوان الصهيوإمبريالي سعودي المستمر على بلادنا وشعبنا حتى اليوم واللحظة، مروراً فيما بينهما بأحداث ما سمي آنذاك بالربيع العربي، التي ما انفكت تداعياتها المركبة. وإن شئت الدقة قلت: التي تجاوزت حسابات المنغمسين بتلك الأحداث وتطلعاتهم المتفاعلة بالتغيير المأمول، ما انفكت تتفاعل في واقعنا المعقد والمتشابك الأبعاد والمحركات حتى اليوم واللحظة، برغم تعدد العناوين واختلاف المسميات التي تتصدر المشهد اليوم وتُميز واجهاته البارزة.
على أن تلكم التفاعلات المتشابكة بشدة قد تمحورت اليوم، بمختلف أبعادها وخلفياتها المحركة محلياً وإقليمياً ودولياً، في خلاصة واحدة واعبة وأساسية يمكن اختزالها في عناوين محددة وعلى النحو التالي:
أولاً: لقد شكلت ثورات ما سمي بالربيع العربي التي اجتاحت العديد من الساحات العربية العام 2011م مفاجأة صاعقة لمراكز الهيمنة والاستكبار العالمي، التي استنفرت قواها الذاتية المباشرة، كما أتباعها وأذيالها المستكنين تحت مظلتها في المنطقة العربية والشرق الأوسط عموماً، بغية إجهاض تلك الثورات واحتوائها أو حرف مساراتها وتحويلها إلى أتون جاحم من الحرائق الواسعة التي لم يكد يخمد أوارها حتى اليوم واللحظة كما هو معروف.
وإذا كان هذا هو واقع الحال الذي آلت إليه تلك الثورات الربيعية في الأقطار العربية التي عاشت الحدث آنذاك، فإن الأمر بالنسبة لليمن العزيز يبدو بالغ التفرد والخصوصية في مسار تلكم الأحداث، أكان ذلك لجهة المآل الصاخب العنيف الذي آلت إليه الأوضاع المتمخضة عن ذلك الحدث إياه، أم لنوعية الأهداف والمرامي الدقيقة والخطيرة التي أُريد للثورة في اليمن أن تنتهي إليها والقبول طوعاً أو كرهاً بملحوظها ومؤداها.
فعلى هذا الصعيد الأخير يستطيع المتأمل في المجريات أن يلحظ بسهولة كيف أن الحالة اليمنية قد شكلت أنموذجاً خاصاً ومميزاً لاجتذاب كافة الأهداف والمطامع الأجنبية إليها، وعلى نحو من الانسجام والتكامل المنفعي بين أقطاب التدخل وأدواتهم التابعة، بدءاً بالإمبريالية الأمريكية الطامعة في استغلال الثروات النفطية الواعدة لليمن والإفادة من موقعه الاستراتيجي الذي يشكل مرتكزاً بالغ الأهمية لخدمة النفوذ الأمريكي الممتد عبر بحر العرب والمحيط الهندي، مروراً بالكيان الصهيوني الذي طالما حرص على أن يكون له وجود أمني عسكري في البحر الأحمر الذي يعتبره الامتداد الحيوي لوجوده المفروض، وانتهاءً بالنظام السعودي المتصهين الذي يسعى باستماتة للإبقاء على اليمن في خانة التبعية والارتهان لمآربه الخبيثة واللاأخلاقية.
وإذا كانت المبادرة المسماة آنذاك بالخليجية قد مثلت مبدأ الاستهداف الناعم للالتفاف على الثورة وإفراغها من مضامينها الشريفة، فإن مؤامرة الأقلمة الطارئة على محادثات "الموفمبيك" وتلقفها من قبل الكثير آنذاك بالقبول والاستجداء الأبله المريب، قد مثلت التطور الأكثر خطورة واستلاباً وعدوانية، بالنظر إلى ما انطوت عليه الفكرة من مخاطر تمزيق اليمن وكنتنته وزرع بذور الصراع والتناحر المرير بين أبنائه، وإلى ما لا أفق له يُرى أو مدىً يمكن تقديره... هيهات!
على أن المفارقة العجيبة والحرية من ثم بالتمعن والالتفات هي أن محادثات السلم والشراكة التي دعا إليها فريق أنصار الله، والتي طرأت مؤامرة الأقلمة في ختام مجرياتها، قد جاءت لاحقة لدخول كتائب أنصار الله إلى العاصمة، وتصدرهم للمشهد الأمني والسياسي فيها، وعلى نحو مبهر من التمكن والانضباط غير المسبوق في الحالات المشابهة.
إلا أن المعطيات المباغتة والتالية لتلكم المفاوضات إياها قد أوحت للمتأمل الحصيف، وبشهادة المبعوث الأممي الشريف السيد جمال بن عمر، بأنها إنما كانت للإلهاء والاستهلاك ريثما أنضجت مؤامرة الحرب العدوانية المستمرة على اليمن أرضاً وإنساناً حتى اليوم وحتى هذه اللحظة.
ثانياً: إن عدونا المتغطرس اللئيم والحاقد، وبعد 4 أعوام من الحرب الضروس التي حشد لها مقدوره وجهد لها جهده عدة وعدداً دون أن يظفر من وراء ذلك بطائل غير ما قد أنتجه عدوانه الفاجر من التقتيل والتهديم والحصار، ربما يكون قد أصبح راغباً بالفعل في المفاوضات الجارية برعاية الأمم المتحدة، أو بالأحرى مقتنعاً باستحالة الحسم العسكري في ظل الصمود الأسطوري والمقاومة الباسلة لشعبنا المدافع العظيم.
لكنه بالمقابل، ومن خلفية منظوره العنصري الاستعلائي وأهواء نفسه المريضة المنفوخة ببواعث الغرور وهواجس العظمة، يبدو متحيراً بين ضغط المعطيات المعاكسة وتعلقاته المستحكمة، بداية بتحقيق نصر ميداني سهل وسريع على من لم يكن ليراهم أساساً على خارطة أوهامه المخادعة فضلاً عن أن يطالوه في ميدان كفاح أو ساحة مواجهة...
ولاسيما إذا ما عرفنا أن معتوه بني سعود ولعنتهم الكبيرة (محمد بن سلمان)، الذي يمثل رأس الحربة في هذا العدوان على المستوى الإقليمي، قد قامر بكل شيء وراهن على كل شيء وخرق كل شيء مرعي، إن في مقام السمعة والاعتبار، وإن على صعيد هَدْر الثروات وتبديد المقدرات، فضلاً عن الانكشاف المهول والمذهل في نسق العلاقات المنقلبة رأساً على عقب في شتى أبعادها ومستوياتها، داخلياً وخارجياً على سواء، وهذا كله من جهة.
ومن أخرى فإن مما يزيد من حيرة المعتوه ويعمق ورطته الأكيدة تجاه هذه المفارقات المتقاطعة كلياً وبالمعنى الحرفي للتقاطع مع حساباته النظرية الفاشلة والمخيبة للآمال، إنما يتمثل عند التدقيق والمراجعة في الخشية الحقيقية من الارتدادات المحتملة جدياً للفشل المصاحب له دائماً وأبداً، وخطرها المحتمل ليس على قابل الرجل في الحكم وحسب، وإنما أيضاً على نظام حكم أسرته عموماً، وقابلية الشعب العربي في نجد والحجاز للاستمرار في الخضوع المطلق لهذا النظام المتآكل والثقة به على شتى المستويات.
ثالثاً: بالانطلاق مما سبق وبالبناء عليه فإن هذا المعتوه الصفيق وقد لعب كل أوراقه وخسر جميع رهاناته في طول الساحة العربية وغيرها إلى حد بعيد، لم يعد يجد له ما يتمسك به ويقامر عليه من قضايا الساعة وتفاعلاتها الساخنة غير "الخطر الإيراني" المزعوم وإسقاطه عنوة على واقع معركتهم العدوانية في بلادنا، متلاقياً في ذلك إلى غير ما حد مع الرغبات والمطامح الصهيوأمريكية التي بات يستمد منها مهلته المتآكلة في وراثة العرش السعودي الواقعة كما يبدو في مهب التغيير والاستبدال.
الأمر الذي يتحتم معه الحذر الشديد من جانبنا والنظر إليه بكثير من الجدية والتأهب الكبير وعلى شتى المستويات.
رابعاً وأخيراً: إن شعبنا المجاهد العظيم قد استطاع بفضل الله ومعونته أن يصمد في مواجهة حلف الشيطان وقواه الغاشمة لمدة أربعة أعوام متتالية أمكنه عبرها -بتأييد الله كما بفضل التضحيات الجسيمة والعطاء اللامحدود لأبنائه الشرفياء الأحرار جيشاً وأمناً ولجاناً شعبية- أن يجترح المعجزة ويحقق الردع الفاعل على صعيد معادلة القوة. كما أمكنه كذلك أن يملأ صدر العدو خوفاً ورعباً ومهابة.
على أن ذلك كله غير مانع من القول بأن عدونا الغادر اللئيم لم يزل يمتلك بعض المخالب المؤذية مع كثير جداً من الحقد والهَوَج والعدائية المفرطة المقترنة في الذهنية المغيظة إلى حدٍّ الاحتراق بالاستعداد الحيواني لاقتراف المجازفات الخطيرة ما دامت ستغطى سياسياً وكالعادة من قبل الكهنة الكبار في مجلس الخوف والإرهاب الدولي المنظم، وإلى حساباتهم الملطخة بدماء الأبرياء والمستضعفين ستؤول حتماً عائداتها الربحية رشوة وانتهازية واستغلالاً.
ومن هنا فلا عجب ولا مجاوزة إن استراب شعبنا وقيادتنا السياسية والعسكرية في شتى مستوياتها بما نشهده اليوم من تصاعد خروق العدوان في جبهة الساحل وتعاظم تعزيزاته المتلاحقة عدداً وعدة، وبما من شأنه أن يعزز الشكوك بإمكانية انطوائه على نية مباغتتنا باتجاه المدينة والميناء، ما يعني في المحصلة والنتيجة أننا معنيون بدورنا وبشكل جدي باجتراح المجازفات وتجاوز سقوف التَّعسي والاستهمال، دفاعاً عن وجودنا الآدمي وحقنا المشروع في الحياة الحرة الكريمة وبطريقتنا المحكومة بضوابط الشرع والأخلاق، وليذهب هذا العالم المنافق المسمى بالمجتمع الدولي، أكان غربه الحاقد اللئيم أم شرقه المخادع الكذوب، إلى حيث ينبغي أن يكون من موت الضمير وخزي الموقف، والعاقبة للمتقين.