بشرى الغيلي/ لا ميديا - 

شاخصة في أفق لا يؤدي إلا إلى طارود المدرسة، لم تصدق حالها "أم صفاء" أنها ستكون يوماً في مكان لا يعطي لقيمتها الإنسانية أدنى حق من حقوقها في ظل حرب عبثية شردتها من مدينتها (الحديدة) هي وأفراد أسرتها التي نزحت إلى العاصمة صنعاء. تحكي "أم صفاء" لصحيفة "لا": بحثتُ أنا وزوجي عن شقة صغيرة تؤوينا وأطفالنا الثمانية، لكن للأسف فوجئنا بطمع المؤجرين الذين يطلبون إيجارات خيالية تدفع مقدماً في بداية كل شهر، فلم نجد أية وسيلة أخرى غير وحدة إيواء النازحين التي وفرت لنا جزءاً من فصل دراسي مع عوائل أخرى في هذه المدرسة... تواصل مطرقة برأسها: لم نيأس من البحث عن شقة صغيرة عل الله يقيض لنا من يراعي ظروفنا الصعبة. 
مثل حالة أم صفاء الكثير من النازحين الذين وجدوا أنفسهم في ظروف مأساوية، لا تراعي ما يعانون منه، كصلف بعض المؤجرين في العاصمة الذين استغلوا ظروف الحرب والنزوح برفع سقف إيجاراتهم.

أطماع المؤجرين
أزمة اقتصادية هي الأسوأ يمر بها الوطن في ظل العدوان للعام الرابع على التوالي، يتجرّع مرارتها الشعب اليمني بشكل عام، والموظفون بشكل خاص، ما فاقم أوضاعهم مع انقطاع المرتبات وارتفاع أزمة المساكن، وعرّض بعضهم للتهديد بالطرد في حال عدم دفع ما عليهم من متأخرات، مما جعل وزارة العدل تُصدر تعميماً يتضمن التعاون مع الموظفين تماشياً مع الأزمة الراهنة في ظل انقطاع المرتبات وعجز الموظفين عن الإيفاء بما عليهم من إيجارات. عن مدى التعامل مع هذا التعميم وتخفيف المعاناة التي يواجها المستأجر (الموظف) بالتحديد والإجراءات المتخذة، التقت "لا" مع مصدر بوزارة العدل، أوضح ذلك ضمن السياق.

من أين أدفع لهم مُقدم؟
"أم محمد" نازحة ستينية من محافظة الحديدة، وقفت بسوق القات في همدان محافظة صنعاء، والحيرة بين عينيها، كما تحدث بذلك "أبو تولين" الذي وقفت تسأله عن مكان للإيجار لا يطلب المؤجر فيه مُقدماً، وأنها كلما وجدت مكاناً يطلب منها المؤجرون تقديم إيجار 3 شهور، فيما حالتها المادية لا تسمح بدفع مقدم شهر واحد، بعد أن وجدت نفسها تعيل 3 من أحفادها وأمهم، حيث قضى عائلها الوحيد ابنها في قصف لطيران العدوان بسوق السمك، وتركت زوجته عند أناس لا تعرفهم حتى تجد مأوىً لها ولأحفادها دون جدوى.
دشن مالكو العقارات (المؤجرون) في صنعاء مؤخراً إجراءات جديدة للتأجير، منها أن يقدم لهم المستأجر إيجار 3 شهور مقدماً، كما يضعون شروطاً مجحفة، حسب الكثير من المتضررين (مستأجرين) الذين التقيناهم وتحدثوا لـ(لا) معبرين عن استيائهم لوجود فجوة كبيرة بين المؤجر والمستأجر، بالرغم من وجود قانون صدر بنفس المسمى (العلاقة بين المؤجر والمستأجر)، حيث إن أغلبيتهم يتعرضون للتهديد بالطرد إذا لم يدفعوا ما عليهم من إيجارات، وينص القانون على إخلاء الشقة أو العين (المكان) المؤجرة حال تخلف المستأجر عن دفع الإيجارات، ويلزمه سداد ما سبق منها. وعلق أحد القانونيين على النص أعلاه الذي صدر في  القانون رقم 22 لعام 2006م،. بأنه يعمل ضد مصلحة المستأجر مهما كانت ظروفه. 

تعاونا مع الأزمة الراهنة وليس قانوناً ملزماً
ولتقريب صورة أوضح عن التعميم الذي أصدرته وزارة العدل في ما يخص العلاقة بين المؤجر والمستأجر، تواصلت "لا" مع إسماعيل الموشكي ـ مدير عام العلاقات والتوعية القضائية بوزارة العدل، الذي قال: يجب علينا أن ننظر للواقع الذي صدر فيه التعميم، وما هو الهدف من إصداره، لندرك أهميته، فالوزير لامس الواقع الصعب الذي نعيش فيه بسبب العدوان السعودي الأمريكي الوحشي الذي استهدف كل شيء في البلاد، وما لحق ذلك من حصار بشع دمر حياة الناس الاقتصادية، وما أضيف إليه من معاناة ناتجة عن نقل البنك المركزي من صنعاء ومحاصرة الموظفين في مستحقاتهم بحرمانهم من مرتباتهم التي يعتمدون عليها في حياتهم وأسرهم.. وأضاف الموشكي: جاء تعميم وزير العدل أساساً من باب الإرشاد والنصح، وليس الإلزام، باعتبار أن الإيجار حق للمالك، ويجب على المستأجر أن يؤديه، ولكن النصح الوارد في التعميم هو أن يكون هناك رحمة وشفقة في التعامل مع المستأجرين، كونهم عاجزين عن توفير الإيجارات بعد أن حرمهم العدوان وعملاؤه من مرتباتهم.

 لاقى تفاعلا ًمن المؤجرين
وكان تعميم وزير العدل صدر مطلع العام 2017م، حيث دعا فيه قضاة المحاكم إلى تغليب الجانب الإنساني على الجانب المادي، وتفعيل مبدأ التكافل الاجتماعي بين كافة فئات المجتمع، تعزيزاً للصمود الشعبي في مواجهة العدوان. كما أن التعميم الوزاري الصادر عن وزير العدل برقم 15 لسنة 2017م، قد حدد الفئة المستفيدة مما جاء فيه، وهي فئة الموظفين الذين ليس لهم دخل إلا رواتبهم، أما الميسورون فهم ملزمون بدفع ما عليهم. والتعميم أساساً لم يسقط حق المؤجر في الإيجار، وإنما دعا للتعاون والتكافل من خلال الصبر حتى تنفرج الأوضاع، وصبرهم لا يعني ضياع حقوقهم أو الانتقاص منها لدى الموظفين المستأجرين الذين لا يملكون أي دخل سوى الراتب، وعلى الجهات المعنية التي يعملون فيها أنْ تقدم الضمانات اللازمة للوفاء بالإيجارات المستحقة للمؤجرين، ويُستثنى من ذلك الموظفون الذين لديهم مصادر دخل أخرى إلى جانب المرتب، والموظفون الذين يتقاضون مرتباتهم من الجهات التي يعلمون فيها طيلة فترة العدوان. وحقيقة لقد لاقى ذلك التعميم التفاعل من كثير من المؤجرين كما وجد له مساحة لا بأس بها لدى كثير من القضاة عند نظرهم دعاوى متعلقة بهذا الجانب، حسب توضيح الموشكي.

لا يوجد عقاب
أما عن مخالفة التعميم وعدم التفاعل الإيجابي مع ما جاء فيه من نصح وإرشاد، فهذا لا يعني أنه يتم إنزال العقاب بالمخالف أو اتخاذ أي إجراء ضده، كون التعميم نصحاً وإرشاداً وتذكيراً بمحاسن التعاون والتكافل الاجتماعي بين الناس في مثل هذه الأوضاع التي تعيشها بلادنا بفعل جرائم العدوان البشعة.
وختم الموشكي أن الخلاصة من التعميم الصادر من قبل وزير العدل هو دعوة جميع القضاة لمراعاة ظروف الموظفين المستأجرين الذين ليس لديهم أيّ مصدر دخل سوى الراتب، وذلك عند نظر الدعاوى المتعلقة بالإيجارات، خلال هذه المرحلة الاستثنائية التي يمر بها اليمن، بما يخفف من معاناة الموظفين، ويحفظ حقوق المؤجرين. وهو أيضاً دعوة للمؤجرين كون الوضع الذي يعيشه مجتمعنا اليمني في ظل هذا العدوان يستلزم على المؤجرين المزيد من الصبر ومراعاة المستأجرين تقديراً لظروف المرحلة الاستثنائية، وهو لم يأت من فراغ، وإنما جاء عملاً بنص المادة 211 من القانون الصادر بالقرار الجمهوري رقم 14 لسنة 2002م بشأن القانون المدني، الذي أجاز للقاضي تبعاً للظروف من فقر أو غبن وبعد الموازنة بين مصلحة الطرفين في العقد، أن يُرَدّ الالتزام المرهق إلى الحد المعقول، خصوصاً وأن بلادنا تمر بظروف استثنائية بسبب العدوان.