حاوره/ أحمد عطاء / لا ميديا

شعراء ما وراء الحدود هم الأكثــر صرامة ومعايشة للجبهات التاريخية، لأنهم يرسمون خارطة العالم من جديد ويفرضون أنفسهم على العالم المتغابي ليستعيدوا أراضي الوطن التي اغتصبها العدو.. ضيفنا اليوم أحد هؤلاء الشعراء المجاهدين، لا يكاد جسمه يخلو من ندوب وآثار شظايا صواريخ الغارات الحمقاء، ومازال بين الفينة والأخرى يدخل إلى العمق الحدودي مشاركاً زملاءه الملاحم البطولية ومازجاً بين الشعر والبندقية، محفزاً لهم ودافعاً بصدره عن الوطن الذي تكالب عليه كل أعداء الأرض، ولكنه واثق بالله أن النصر يمان لا محالة، ومؤمن بالشعر ودوره في مواجهة أعداء الله.. لهذا يكتب بشراسة المقاتل الحقيقي الذي مشى وأسر جنوداً سعوديين بيديه وهو يجمع شتات
 هواجسه يفكر بالوطن فقط.. يمتلك حساً شعرياً بالستياً وحقيقياً. يحب الشعر والشعراء
 ويعشق أن يستمع ويقرأ ويلحن بعض النصوص التي يستشعرها في متراسه. 
وأكثـر ما يميزه هو مصداقية الروح الشاعرية فيه والانطلاق في سبيل الدفاع عن الأرض والعرض.
هو حقاً مثال حقيقي وصادق للشاعر اليمني المقاتل والشرس.. 
لهذا كان لزاماً علينا استضافة هذا الشاعر البطل رشاد الجبري. 

 أهلاً وسهلاً شاعرنا الجميل في صحيفة (لا). 
أهلاً بك أخي العزيز ومرحباً بصحيفة (لا) المتميزة.

 أولاً نريد أن نعرف القراء من هو الشاعر أبو عاطف؟
 رشاد عبده ناصر الجبري، ذمار- مغرب عنس - بني جبر، غلب الاسم الجهادي (أبو عاطف الجبري) على اسمي لانشغالي وعلاقاتي الوطيدة بالجبهات.. هذا أنا. 

حاضنة وراثية
 منذ متى تكتب الشعر؟
منذُ وقت مبكر جداً، حيث إن والدي له شغف شعري قوي، ولكنه كان أمياً، لا يكتب، فكنت أنا أدون له بعض النصوص الشعرية في مختلف المناسبات لشعراء كبار، من هناك بدأت أميل للشعر. وكذلك خالي الشاعر المرحوم غيلان غالب الحريص كان من الشعراء الفحول في المنطقة يسبق اسمه على شعره، كان معروفاً حتى عند أشخاص لم يلتقوا به ويضرب بشعره المثل. كانت هذي هي حاضنتي الشعرية.
لا أعلم كم كان عمري في ذلك الوقت، ولكن أحسست بثقلي في مرحلة الثانوية. 

الجبهات تصنع الرجال
 لك حضورك في جبهات ما وراء الحدود.. ما الذي أضافه إليك هذا الحضور؟
هناك يُصنع الرجال وتُصقل الرجولة. 
كانت لها إضافات كثيرة، العزة، الكرامة، والإيثار.. كيف لا وأنت ترافق رجالاً لا يخافون الموت بقدر خوفهم من الذل والعار؟! 

في الخطوط الأمامية 
 متى كانت مشاركتك الأولى في الجبهة؟ وهل كتبت قصائد هناك؟
كانت مشاركتي في بداية عدوان تحالف الشر. 
نعم. كانت لي الكثير من القصائد والزوامل التي كانت الغذاء المعنوي لروحية المقاتلين في عدة مواقف، منها أثناء اقتحام الربوعة، معسكر الخورمة، القشلة، شبكة الزج، وأيضاً جبهة علب، قلل الشيباني، وغيرها. وكنت أسعد عندما ألمس أثرها في المقاتلين.
وكنت أكتب للغزل وأنا في الخطوط الأمامية (ويضحك).
قلت:
من مندبة راس الجبل سرت معتاد 
أشعر عليك وانا مواجه كتيبة 
واكشف مكاني عمد من أجل الارصاد
يرمي عليَّ لا مكان احتجي به 
واشوف انا حمرة شفاك والتوراد
 مثل الرصاص الكاشفات المصيبة
واسعي لها يا زين من بين الافراد 
عسى وابو عاطف يقبّل حبيبه

موقفان فجرا طاقتي الشعرية
 ما هو الموقف الذي فجر الطاقة الشعرية داخلك؟
موقفان أو أكثر كان لها أثر كبير.
عن الصحب والرجولة مع الشاعر والزميل د. يوسف الجبري، كتبت أول قصيدة لي. 
وثانيها استشهاد أخي رفيق الدرب وزميل السلاح كان معي في جبهة علب الشهيد المجاهد د. رياض غيلان الحريص (أبو باسم). 

ثلاثة دوافع
 ما الذي دفعك للانطلاق إلى جبهة الحدود بالتحديد؟
أولاً: كنت أحس أن لدي طاقة كبيرة وأن وقتها حان لكي تخرج من ركودها، خاصةً وأن لدي التدريب الكافي، حيث كنت من أبناء القوات الخاصة. 
ثانياً: التعامل مع رأس الأفعى أفضل من التعامل مع ذيلها.
ثالثاً: اللعب في خطوط العدو، وتلقيه الصفعات أمام رجال الله الحفاة، كان بمثابة انتصارات. 
والشهيد حسن الملصي والشهيد أبو حسن الغيلي، عند الارتباط بمثل هؤلاء وغيرهم من الرجال تراهم على أرقى مستوى يستحيل فراقهم أو ترك ما كانوا يهدفون إليه. كان استشهادهم بمثابة أمانة نحملها على عاتقنا حتى يرزقنا الله إحدى الحسنيين.

 بطل حياً وميتاً
  ماذا يمثل لك الشهيد الملصي رحمة الله عليه؟
الأب والشهيد القائد، علمنا أن الشهادة عطاء، فمهما كانت مناصب الدنيا ومغرياتها فهي لا تساوي شيئاً أمام الحياة الأبدية، فكما قال: إما أن تعيش محارباً للباطـــل وإما أن تموت بطلاً.

لأجل وطن بلا وصاية
 ما هي أمنيتك في الحياة؟
أن نرى وطناً بلا وصاية، له حق السيادة. وسيكون ذلك بإذن الله. دماء الشهداء لن تذهب هدراً، أتمنى أن يفهموا ذلك، سواءً حلف العدوان أو المرتزقة أو من يستخدمون المسيرة ذريعــــة ومظلـــة. المسيرة بحر والبحر لا يقبل ميتة، فالغربلة مستمرة. 

 من هو قدوتك الشعرية في المشهد اليوم؟
الشاعر الشهيد النمري سلام الله عليه ورحمة الله تغشاه، وهناك الكثير مثل الشاعر القدير عبدالعزيز الردماني، نائب رئيس نقابة شعراء اليمن، الأستاذ همدان الكهالي، أ. ضيف الله سلمان، أبو حيدر الحمزي، وفي الشعر الفصيح أ. معاذ الجنيد، وأنت يا أحمد عطاء. 

أفضل ما كتبت
 ما هو النص الذي تشعر أنه أفضل ما كتبت؟ 
هو النص الذي أقول في مطلعه:
أبو عاطف الجبري على ربه اتكل 
وزاده ذخيرة بندقه ذي تحمله
وبينه وبين الموت ساعات أو أقل 
ساعة يقابلني وساعات اقابله 
ومن كثر حب الموت إن حل أو رحل 
فلا بد منقل منزلي جنب منزله
وفي مندبة ما قل أو هاجسي رقل 
وما اظن كثر القصف هزة وقلقلة

 هل لديك مشاركات في مناسبات جهادية؟
للأسف لا، وذلك لانشغالي بالجبهة وعملنا الجهادي. 

  من أين تستمد طاقتك الشعرية؟
من الأمل والثقة المطلقة بالله.


الشعر جبهة
 ما رأيك في الفيضان الشعري الحالي وبزوغ آلاف الشعراء المناهضين للعدوان؟
هؤلاء هم من يستحقون الشكر والتقدير، فشكراً لمن يحمل هم بلده وشعبه، فالشعر جبهة بحد ذاته.

عاندني الحظ
 لماذا لم ينشد لك زامل إلى الآن؟
بصراحة حاولت، ولكن لم يحالفني الحظ، نظراً لانشغالي في الجبهة، فأصوات بنادقنا حالت دون ذلك، وكنت أشعر بالسعادة لسماعي زوامل كانت تراودني فكرتها من شعراء القطاع.
هناك من يفي بالغرض. 

 من هو الشاعر الذي أثر فيك بقصيدته؟
إقرأ إذا ضاقت الدنيا ألم نشرح
واذا اظلمت آية المشكاة والمصباح
أكيد عرفته، الشاعر عزيز الردماني.

الحليم تكفيه الإشارة
 ما رأيك بالشعراء المحايدين والصامتين عن كل ما يحدث جراء العدوان؟
إذا لم يحرك شعورهم كل هذا الإجرام والقصف والخراب فليس لديهم شعور وليس لهم بالشعر صلة.
وأحب أن أقول لهم إذا مازالوا لم يعرفوا الحق، فإن الحق يقاس بمقدار كرهك للباطل، والحليم تكفيه الإشارة. 

لن نساوم
 ما هي رسالتك إلى الشعب الصامد والمتحدي لقوى الطغيان والشر؟
شكراً لهذا الشعب الذي أذهل العالم بصموده الأسطوري، وأحب أن أقول أيضاً بلسان حال المقاتل:
ما نساوم أو نسلم لمحتل 
لو نقاتلهم ببيض النصالِ 
شامخين ما نرتضي باطل ابطل 
لو تقطعنا جميعاً وصالِ 
من مع الله كنه الموت الازول 
ينزع اكباد العدى والطحالِ 
قال ربي في الكتاب المنزل 
إن تالي العاقبة للموالي. 


 كلمة أخيرة تود قولها؟
شكراً لصحيفة (لا) على زيارتها وعلى اهتمامها الدائم بالشعراء الذين لم يسلط عليهم الضوء. 
كما أشكرك أنت، والشكر موصول لرئيس تحريرها وكل طاقمها.
شكراً جزيلاً على وقتكم وسعة صدوركم.