يجب إجراء عملية جراحية واسعة للهيئة الصحية لتحسين أدائها
الموت مجرد خطأ طبي والقدر متهم بريء

حلمي الكمالي/ لا ميديا

لقد جاءت ثورة 21 أيلول لتقوم بإجراء عدة عمليات جراحية لتحسين العديد من القطاعات الحكومية وغير الحكومية اليمنية. وخلال السنوات الأخيرة تكللت بالنجاح الكثير من تلك العمليات، لكن القطاع الصحي ما يزال بحاجة إلى عملية جراحية واسعة تنتشله من وضعه وتسهم في تحسين وتجويد أدائه.
وفي هذه السطور نحاول تسليط الضوء على واحد من أبرز جوانب الوضع الكارثي الذي يعانيه القطاع الصحي اليمني، وهو الأخطاء الطبية.
يتزايد معدل الأخطاء الطبية في المستشفيات اليمنية، الحكومية منها أو الخاصة، بشكل كبير، ويقع العديد من المرضى ضحايا الإهمال الطبي، فالبعض قد يفقد حياته والبعض الآخر قد يصاب بعاهة مستديمة تشل حركته إلى الأبد نتيجة خطأ طبي قاتل.
الأخطر من ذلك أنه ما من رادع حقيقي من قبل السلطات المعنية لتجريم مثل هذه الممارسات والحد منها، حتى أن القانون الذي ينص على تجريم مرتكبي الأخطاء الطبية يمر بإجراءات معقدة تعرقل وصول هذه القضايا إلى الجهات المختصة.

خطأ يدمر الدماغ
ح. الشرعبي يحكي مأساة شقيقته التي أصيبت بمرض في الدماغ نتيجة خطأ طبي، حيث يقول الشرعبي لـ(لا): (كانت شقيقتي تعاني من صداع في رأسها وعندما ذهبنا إلى أحد المستشفيات الخاصة في صنعاء لتشخيص حالتها أعطاها الطبيب علاجاً تسبب لها بخلل في المخ، وقد اتضح بعد ذلك أن ذلك العلاج كان مخصصاً لمريض آخر).
ويضيف الشرعبي أنهم رفعوا دعوى قضائية ضد الطبيب، إلا أنه لم يتم التجاوب مع القضية.

مرض على مرض
أحد الأطباء، فضَّل عدم ذكر اسمه، أكد في حديثه لـ(لا) أنه تم إجراء عملية جراحية في الكبد لأحد المرضى في أحد المستشفيات الخاصة بصنعاء بينما كان المريض يعاني من آلام في الكلى، ما ضاعف مشاكله الصحية، فلا الكلى عولجت، ولا سلمت الكبد. ويضيف الطبيب أن سبب الخطأ هو تبادل ملفات المرضى دون أن ينتبه الطبيب المعالج لحالة المريض.

حالات عديدة
علاوة على ذلك، هناك الكثير من ضحايا الأخطاء الطبية فضلوا عدم ذكر أسمائهم، معللين ذلك بأن المستشفيات تمارس عليهم ضغوطاً وتهددهم بدفع مبالغ مالية كبيرة لمقاضاتهم إذا ما أفصحوا عن مأساتهم للإعلام أو القضاء، وهذه المبالغ هي تكاليف المعالجة. وأشار هؤلاء إلى أن إدارة المستشفيات تساومهم على ذلك وهم غير قادرين على دفع تلك التكاليف.

لا إجراءات جادة
ليس هناك قانون صارم يجرم بشكل مباشر مثل هذه الممارسات، وإن تطرقت بعض القوانين إلى ذلك فإنه لا توجد إجراءات جادة من قبل الجهات المعنية للحد من هذه الجرائم أو محاسبة مرتكبيها، فمن قد سمع أن طبيباً تمت محاكمته وعوقب بسبب خطأ طبي، أو أن الأجهزة المعنية قد أغلقت مستشفى لهذا السبب؟! هكذا يتساءل كثيرون.
ويعود السبب في ذلك إلى أن القانون اليمني لا يتعامل مع الطبيب أو المستشفى الذي حدث فيه الخطأ الطبي بصورة مباشرة، يل ينص على تقديم القضية إلى المجلس الطبي اليمني قبل رفعها إلى القضاء، الأمر الذي يفسح المجال للتلاعب بالقضايا.

أجور زهيدة
ثمة الكثير من العوامل التي تسهم في زيادة الأخطاء الطبية في المستشفيات اليمنية، أبرزها استقطاب المستشفيات موظفين غير مؤهلين كما يجب، ولا يملكون الخبرة الكافية التي تمكنهم من شغر وظائفهم في غرف العمليات.
إذاً لماذا لا تستقدم هذه المستشفيات الكوادر المؤهلة لتتخلص من كل هذا؟!
السبب بسيط جداً وهو أن هذه المستشفيات تحرص على أن توظف من يقبلون بما تدفعه من أجور زهيدة.

طواقم طبية غير مؤهلة
خلصت دراسة ميدانية أجرتها (لا) على عينات عشوائية من العاملين في مستشفيات خاصة وحكومية في العاصمة صنعاء إلى أن 95 % من الكادر الصحي، من اختصاصيي التمريض والمختبرات وغيرهم، ليسوا مؤهلين تأهيلاً 
علمياً، فغالبيتهم من خريجي معاهد صحية خاصة عديد منها غير مرخص، وبعضهم لم يكمل تعليمه الجامعي بعد.
جدير بالذكر هنا أن المعاهد والكليات الصحية الخاصة تنتشر بكثافة في العاصمة صنعاء، والكثير منها غير مرخص، علاوة على أنها لا تملك كادراً أكاديمياً يتمتع بقدرات تستطيع معها 

ترخيصات طبية للإيجار
ينطبق الأمر ذاته على المراكز والمستوصفات الصحية الصغيرة، فمعظمها غير حاصل على ترخيصات رسمية من وزارة الصحة، فيما البعض الآخر لديه ترخيصات لكنها ليست سوى ترخيصات مستأجرة.
فقط في اليمن يمكن للطبيب أو المخبري تأجير رخصته الخاصة التي تمنحه إياها وزارة الصحة أو الجامعة الحكومية التي تخرج فيها، فمثلاً يمكن أن يؤجر طبيب ترخيصه الخاص لمهندس ميكانيكي يريد أن يفتح مركزاً صحياً! وعلى ضوء هذا نتساءل: ما الذي يمكن أن ننتظره من كوادر طبية استقطبها مستثمر في عالم الميكانيكا؟!

قصة متداولة
هناك قصة متداولة بين الناس تقول إن من دخل مركز الغسيل الكلوي في مستشفى الثورة العام بصنعاء خرج ميتاً، فما أصل هذه القصة؟!
يقول صالح عيضة، موظف إداري في مركز الغسيل الكلوي: (أشاهد مرضى يدخلون المركز وهم يمشون على أقدامهم، ثم أشاهدهم بعد ساعات وقد أصبحوا جثثاً، وهذا المشهد يتكرر يومياً في المركز منذ أن عملت فيه).
ويضيف عيضة أن الإهمال داخل مركز الكلى سبب رئيسي في تدهور حالة المرضى، إضافة إلى أن هناك أخطاء طبية قاتلة يتم التستر عليها، فعلى سبيل المثال تسببت إحدى الممرضات في وفاة أحد المرضى العام الماضي، أثناء تواجده في غرفة الإنعاش داخل المركز، بعد أن أعطت المريض حقنة في الوريد عن طريق الخطأ.

التنافس على الأسوأ
عندما نقارن بين أداء المستشفيات، الحكومية والخاصة، فليس هناك إحصائيات وأرقام محددة توضح مدى الفرق بين الخدمات الصحية المقدمة، إلا أن ما يمكن توضيحه هو أن المرافق الصحية بنوعيها، الحكومي والخاص، تتنافس فقط في تقديم أسوأ خدمة طبية للمرضى، فهي متشابهة في كل شيء تقريباً، الكادر الطبي والعاملين والأسعار المرتفعة للعلاجات والأدوية ورسوم التطبيب.

شلل صحي
ما سبق ذكره يعد أهم العوامل التي أصابت الخدمة الصحية والطبية في البلد بالشلل منذ عقود، وهو ما ينعكس بنتائج كارثية على المرضى الذين يعانون كل صنوف العذاب في المستشفيات الحكومية والخاصة على حد سواء.

مراقبة أداء المؤسسات الصحية
يؤكد خبراء طبيون أن الهيئة الصحية العليا وعموم القطاع الصحي يحتاج إلى إعادة النظر في وضعه وأدائه، كما يتطلب الأمر بحسب مراقبين تفعيل دور الأجهزة الرقابية لمراقبة أداء المؤسسات الصحية والقائمين عليها إذا ما أرادت الجهات المعنية في الحكومة إنقاذ الحالة الصحية في البلد وتأمين تقديم خدمة صحية جيدة للمرضى، فهناك الكثير منهم يقعون بشكل شبه يومي ضحايا لمسالخ المنشآت الطبية.