شايف العين / لا ميديا

انتهت مشاورات ستوكهولم في 13 ديسمبر العام الفائت بمخرجات تم الاتفاق عليها شملت ثلاثة ملفات: ملف الأسرى، وملف الحديدة، وملف تفاهمات تعز، على أن يتم بعد إنجاز هذه الملفات عقد جولة تشاورات ثانية نهاية يناير الجاري.
وتباينت ردود الفعل المحلية الوطنية حول اتفاق ستوكهولم بين متفائل بكل ما نص عليه الاتفاق معتبراً أنه انتصار ساحق، وهؤلاء مثلوا حوالي 80% ، ومتشائم منتقد بعض ما ورد فيه، وهؤلاء الذين تعرضوا للهجوم بسبب موقفهم هذا يمثلون 20% ، وأكثـرهم من الكتاب والسياسيين المناهضين للعدوان.
وبعد مرور أكثـر من شهر على توقيع الاتفاق لم تظهر أية بوادر من طرف تحالف العدوان ومرتزقته توحي بتنفيذه، كما لم تحرك الأمم المتحدة والمجتمع الدولي ساكنا للضغط في سبيل ذلك، ما جعل بعض أولئك المتفائلين به ينتقدونه، بل ويهاجمون بعض ما هو متعلق به، لنقف أمام تساؤل مفاده: ألم يضع المرحبون والمفاوضون في حساباتهم احتمال حدوث أمر كهذا؟

تفاؤل وتشاؤم 
عقب توقيعه لم يجد المواطنون ما يبعث على الترحيب باتفاق ستوكهولم، كونه لم ينص على معالجة الجوانب التي من شأنها تخفيف معاناة المواطنين بعد منح الأمم المتحدة دوراً إشرافياً في الحديدة ومينائها، كصرف مرتبات الموظفين ورفع الحصار وفتح مطار صنعاء، كما نصت مبادرة قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وكانت هذه النقاط التي تطرق إليها المتشائمون من الاتفاق وانتقدوا عدم الخروج بالتزامات دولية بتنفيذها.
أما المرحبون والمتفائلون فلم تتطرق إشادتهم بالاتفاق إلى أي نص فيه، وسبب الترحيب به ومهاجمة منتقديه من الوطنيين كان ثقتهم بالوفد المفاوض الذي قدم تنازلات لوجه تخفيف المعاناة الإنسانية حد تعبيرهم، بل إنهم وصفوا منتقدي الوفد الوطني بالخونة. 

ملفات الاتفاق منتهية الصلاحية
ماتزال الملفات التي انحصرت فيها مخرجات تشاورات ستوكهولم بمنأى عن التنفيذ ومدته المزمنة من تاريخ التوقيع، والتي اشترطت إتمام مراحل اتفاق الحديدة خلال مدة أقصاها 45 يوماً من تاريخ التوقيع، والتي لم تنفذ سوى من طرف واحد وهو المجلس السياسي الأعلى عبر خطوته الأولى التي بادر إليها والمتمثلة في انسحاب الجيش واللجان من ميناء الحديدة وتسليمه لقوات خفر السواحل، فيما بقيت قوات تحالف العدوان ومرتزقته في مكانها.
ملف الأسرى أيضاً لم تحرز فيه تقدمات تشير إلى تنفيذ شيء منه رغم انتهاء المدة المزمنة له بحسب الاتفاق وهي 38 يوماً من تاريخ التوقيع. وبدأ الطرفان الأسبوع الماضي عقد مشاورات في الأردن لمناقشة المشاكل التي حالت دون ذلك، ومنها بحسب مصادر مؤكدة إصرار تحالف العدوان على حصر عملية التبادل بالأسرى الأجانب دون المرتزقة المحليين. كذلك الحال بالنسبة لملف تفاهمات تعز الذي انتهت مدة تنفيذه.

الأزمة الإنسانية مستمرة 
بشكل عام فإن الكارثة الإنسانية التي يعيشها أبناء الشعب بسبب العدوان والحصار، والتي ضج بها الإعلام الدولي وبرر الوفد الوطني تقديمه تنازلات كبيرة بأنها لوجه تخفيفها، خفتت بل واختفت من المشهد نوعاً ما بعد التوقيع.
ومما طرحه منتقدو اتفاق ستوكهولم أن الحل في اليمن لا يمكن مقاربته من زواية إنسانية، كون من تسبب بالكارثة هو عدوان دولي يتذرع بدعوى سياسية، لذلك كان حرياً أن تكون زاوية مقاربة الحل سياسية شاملة.
غير أن من تفاءلوا بالاتفاق لا يزالون يرون خلاف هذا الطرح، فالكاتب والمحلل السياسي أحمد الحبيشي يصر على أن المدخل الإنساني للحل السياسي يؤكد الثمن الكبير الذي ستدفعه قوى العدوان ومرتزقتها جراء إصرارهم على وهم الحسم العسكري الذي ثبت فشله في تحقيق أهداف العدوان بفضل صمود شعبنا وبطولات الجيش واللجان الشعبية في مختلف جبهات القتال.
أما الكاتب الصحفي زيد الغرسي فيرى أن الاتفاق صار في حالة موت سريري، بسبب تعنت دول العدوان وتواطؤ الأمم المتحدة في عرقلته وهم من يتحملون مسؤولية فشل تنفيذه. 
وعلى هذا يبدو أن التفاؤل بالاتفاق قد تبدد، وحل محله هجوم على رئيس لجنة التنسيق الأممية باتريك ـ كامييرت.

باتريك هو المشكلة
ما إن انكشفت النوايا الحقيقية للمجتمع الدولي، الذي كان المستفيد الأكبر من الاتفاق، عبر تصرفات رئيس لجنة التنسيق والمراقبة الجنرال باتريك كامييرت الذي بدا مصراً على انسحاب الجيش واللجان من مدينة الحديدة دون أن يقوم بأية ضغوطات على تحالف العدوان ومرتزقته من أجل تنفيذ المرحلة الأولى من إعادة الانتشار أسوة بالمجلس السياسي الأعلى الذي سحب قواته من ميناء الحديدة وسلمه لقوات خفر السواحل، أدرك المتفائلون بالاتفاق خطأهم وبدؤوا بمهاجمة باتريك والمبعوث الأممي غريفيث، كونهما قفزا على الاتفاق وسمحا للطرف الآخر بالتنصل من تنفيذه ظناً منهما أن هذا سيحل المشكلة.
رئيس الوفد الوطني في مفاوضات ستوكهولم، محمد عبدالسلام، أكد في تغريدات ومنشورات له على صفحتيه في (فيسبوك) و(تويتر) أن (عدم إحراز أي تقدم في الحديدة على صعيد تنفيذ اتفاق ستوكهولم يعود بالأساس إلى خروج رئيس لجنة التنسيق الأممية عن مسار الاتفاق). 
وأكد عبد السلام أن باتريك كامييرت يريد تنفيذ أجندة أخرى، واصفاً إياه بأن المهمة التي أوكلت له أكبر من قدراته، ومشيراً إلى أنه في حال لم يتدارك غريفيث الأمر فمن الصعوبة البحث في أي شأن آخر.
الصحفي أحمد الحبيشي قال إن مهاجمة باتريك تعكس قلق القوى الوطنية المناهضة للعدوان والاحتلال من تاريخه المعروف بتمكين صرب البوسنة من ارتكاب مذابح بحق مسلمي سربنيتسا عام 1995. كما أن محكمة العدل الدولية في لاهاي اتهمت باتريك كاميرت بالمسؤولية عن ذلك الخطأ الذي ارتكبته كتيبة السلام الأممية كونها كانت تحت قيادته آنذاك.
اتهامات الوفد الوطني للجنرال باتريك تأتي بعد أن وصل الوفد إلى قناعة بأنه ليس جاداً في تنفيذ الاتفاق بل وهو المعرقل الأساسي لتطبيقه. ويرى الكاتب والسياسي زيد الغرسي أن ممارسات رئيس لجنة التنسيق على الميدان أثبتت أنه يمثل الطرف الآخر وليس ممثلاً للأمم المتحدة، وأن الشواهد على ذلك كثيرة، أبرزها إصراره على انسحاب الجيش واللجان الشعبية فقط وسكوته عن خروقات مرتزقة العدوان وتبنيه جميع مطالبهم.
وأشار الغرسي في حديثه لـ(لا) إلى أن باتريك يرى بعين العدوان لا بعين الأمم المتحدة، وهذا يؤثر تماما على سير عملية التنفيذ، الأمر الذي استدعى إعادة النظر في مهمته، وهناك مطالبة واضحة من الوفد الوطني بتغييره، كونه جزءاً من المشكلة، وفي ضوء ذلك سيصل المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى صنعاء في الأيام القادمة للحديث مع المجلس السياسي الأعلى حول هذه النقطة. 

أسباب تعثر تطبيق الاتفاق
(في الحقيقة لا أشعر بخيبة أمل من اتفاق ستوكهولم, لأنه كان منذ اليوم الأول لبنة أساسية يمكن البناء عليها لتحقيق سلام شامل في اليمن عبر توفير مثال ناجح في منطقة معينة يتم نقله إلى المناطق الأخرى). هكذا تحدث الناشط السياسي أحمد المؤيد لـ(لا)، والذي لا يرى خللاً في نص الاتفاق، بل إن تطبيقه من شأنه أن يمهد للذهاب إلى مشاورات إطار الحل السياسي الشامل للأزمة اليمنية ويضمن إنهاء العدوان وانسحاب القوات الغازية.
أما تعثر تنفيذ الاتفاق بحسب اعتقاد المؤيد فيعود إلى عدم جدية قوى العدوان في تنفيذه، وكانت تريد، من خلال الذهاب إلى السويد، امتصاص الضغط العالمي والإعلامي عليها بعد أن أضحى ملفها الإجرامي مثقلاً بما يندى له الجبين، وأيضاً أرادت كسب وقت لإيجاد فرصة أخرى للسيطرة على الحديدة وفرض واقع سياسي جديد غير مشاورات السلام المعروفة.
أما أحمد الحبيشي فيرى أن الخلل يكمن في تباطؤ تدخل المبعوث الأممي مارتن غريفيث لحسم الاختلافات حول تفسير بعض بنود الاتفاق الذي كان له دور كبير في بلورته قبل وأثناء مشاورات ستوكهولم.
وأشار الحبيشي إلى أن مهمة باتريك كامييرت ليست أن يكون حكماً أو مساعداً في تفسير الاتفاق او إعادة التفاوض بشأن بعض بنوده على النحو الذي يريده فريق الرياض. قائلاً: (تنحصر مهمة رئيس لجنة التنسيق الأممية في كونها مهمة إشرافية فقط، وحين يعجز عن القيام بها يجب فإن عليه العودة إلى رئيسه في العمل وهو المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن الذي يجب عليه في هذه الحالة العودة إلى الأمين العام ومجلس الأمن وهو ما حدث عندما اقترح المبعوث الأممي توسيع فريق المراقبين وتمديد فترة عملهم، وفي تقديري أن القضية لن تكون سهلة في قادم الأيام).

قرار أممي خارج النص
تبنى مجلس الأمن الدولي، الأربعاء الماضي، مشروع قرار قدمته بريطانيا بشأن اليمن، ونص على توسيع بعثة المراقبين الدوليين في محافظة الحديدة. وحدد المجلس في قراره رقم (2452) نشر 75 مراقبا دوليا لمدة 6 أشهر في الحديدة ترافقهم قوات امنية وأجهزة إدارية لمراقبة وقف إطلاق النار.
المتفائلون باتفاق ستوكهولم أنفسهم رحبوا بقرار مجلس الأمن (2452) ومنهم أحمد الحبيشي الذي قال: (نتذكر محاولات المرتزقة عبر وسائل إعلامهم الالتفاف على هذا الاتفاق عندما اتهموا وفدنا الوطني بالتفريط في السيادة الوطنية بقبوله نشر فريق أممي من المراقبين الدوليين مكون من 30 شخصاً لمدة شهر، فماذا سيقولون بعد أن تقرر توسيع عدد المراقبين وتمديد فترة عملهم؟).
من جانبه بدأ أحمد المؤيد حديثه حول القرار الجديد بإيضاح أن قرارات مجلس الأمن عندما تصدر لا يستشار فيها من تصدر بحقه، كونها نتاج نقاشات بين القوى العظمى النافذة في مجلس الأمن.
واعتبر المؤيد زيادة عدد المراقبين أمراً جيداً لتغطية جبهات الاشتباك في الساحل الغربي، وخصوصاً أنها جبهة مهمة, وعدم الاستقرار فيها يؤثر سلباً وبشكل مباشر على تدفق المساعدات والحاجات الماسة للشعب اليمني، لذلك عدد المراقبين قد يؤدي إلى زيادة مساحة المراقبة حتى يتم تجنيب المدينة الدمار, وبنفس الوقت يعطي الجيش واللجان الشعبية فرصة لترتيب أوضاعهم العسكرية بشكل أفضل والاستفادة من حالة عدم استنفاد الجهد العسكري.
أما زيد الغرسي فرأيه مغاير تماماً للرأيين السابقين، حيث اعتبر صدور قرار بريطاني عبر مجلس الأمن يقضي بزيادة عدد المراقبين تأكيداً لأطماع أمريكا وبريطانيا الاستعمارية، فالحديدة هدف استراتيجي لهما نظراً لموقعها المهم والمطل على باب المندب، ويثبت القرار عدم جدية المجتمع الدولي في الوصول إلى حل سياسي في اليمن.

الرابح الوحيد من ستوكهولم
لطالما كان وقوع خط الملاحة الدولية الذي يمر عبر مضيق باب المندب في يد قوى وطنية ترفض الوصاية الشغل الشاغل للمجتمع الدولي الذي تتزعمه بريطانيا وأمريكا والعدو الصهيوني، والهم الذي أرقهم منذ اليوم الأول لثورة 21 أيلول 2014، وتصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتينياهو حينها يعرفها الجميع.
وكما أشرنا سابقاً فالمجتمع الدولي صمت عن الضجيج المحذر من وقوع كارثة إنسانية في اليمن بعد توقيع اتفاق ستوكهولم، حيث لم تعد تعنيه المعاناة التي يعيشها أبناء الشعب، ورأى مراقبون أن السبب هو حصوله على مراده من المشاورات، وهو وضع الحديدة وموانئها والسواحل الغربية تحت إشراف أممي (مسمى للاحتلال الجديد) حسب ما يراه البعض، الذين علقوا على القرار الأخير بأن باتريك دخل بتسعة مشرفين والتسعة عززوا اليوم بـ75 وهؤلاء سيحتاج الواحد منهم إلى عشرة، والمئة إلى ألف و(من دخل بشورنا لن يخرج إلا بشوره).
الصحفي زيد الغرسي أكد أن الشعارات الإنسانية التي يرفعها المجتمع الدولي مجرد خداع وتضليل للرأي العام الدولي للتغطية على حقيقة أطماعه الاستعمارية في اليمن، ولا يخفى على أحد أن أمريكا وبريطانيا تمثلانه وتمثلان الأمم المتحدة. وأضاف: (لاحظنا كيف تصاعد الحديث عن الوضع الإنساني وكثرت التحذيرات الدولية حول حدوث مجاعة في اليمن قبل اتفاق ستوكهولم، لكن بعد الاتفاق خفت ولم نعد نسمع تلك الضجة السابقة، ما يؤكد أن المجتمع الدولي يتاجر بالشعارات الإنسانية فقط لتحقيق أطماعه ولو كان جاداً في شعاراته لعمل على وقف العدوان ورفع الحصار، لأن ذلك هو السبب الرئيسي في تدهور الحالة الإنسانية في اليمن، لاسيما المجاعة).
وأضاف الغرسي: (لاحظ الجميع أنه خلال انعقاد مشاورات ستوكهولم أعلنت السعودية إنشاء تكتل للدول المطلة على البحر الأحمر مكون من السعودية ومصر والسودان وجيبوتي والعدو الصهيوني الذي سيقود قوات هذا التكتل، لهذا فالرغبة الصهيونية والأمريكية والبريطانية في السيطرة على هذا الممر التجاري الهام دفعتهم لتبني معركة الحديدة وقيادتها والمشاركة فيها بشكل مباشر، وعندما فشلوا عسكريا حاولوا سياسياً من خلال مشاورات السويد.