فيما يلقي المشهد الضوء على قرار عزلها
دافوس في الصحراء: بعيداً عن نفوذ السعودية وثروتها

ترجمة خاصة لا ميديا / زينب صلاح الدين

 
إسحاق ستانلي بيكر *
في السنة الماضية تعهدت الحكومة السعودية بتقديم نصف المبلغ النقدي بقيمة 40 مليار دولار (اعتماداً مالياً) تم الإعلان عنه من قبل شركة بلاكستون متعددة الجنسيات لإدارة الاستثمار في مشاريع البنية التحتية في الولايات المتحدة الأمريكية.
تم توقيت إعلان رفع الحاجب من صندوق الاستثمار العام للمملكة السعودية إلى حين زيارة الرئيس ترامب لمملكة الخليج الفارسي في شهر مايو 2017، وكأول رحلة خارجية للرئيس، ألقت الرحلة الضوء على علاقات الولايات المتحدة بالمملكة الإسلامية، وهي علاقة تعتمد على آبار النفط، وعلى ميادين القتال في أفغانستان، حيث اتحدت الولايات المتحدة والمملكة السعودية خلال فترة الحرب الباردة.
صمدت تلك العلاقات المريحة أمام هجمات الـ11 من سبتمبر، إلا أنه يتم اختبارها مؤخراً بسبب الاختطاف والتمزيق المزعوم للصحفي جمال خاشقجي، الذي نفذه سعوديون، وكان قد تم نشر آخر عمود لخاشقجي -وهو كاتب كان يعمل في صحيفة (واشنطن بوست)- يوم الأربعاء، ويأتي تردد ترامب في انتقاد النظام نتيجة -بحسب اعترافه- لثروة المملكة السعودية، وهو دفاع ضد عزل النظام السعودي جيوسياسياً، قال ترامب في الأسبوع السابق للدفع التشريعي نحو تشكيل العقوبات: (هذا لا يساعدنا. ليس عندما يتعلق الأمر بالوظائف، وليس عندما يتعلق بشركاتنا التي ستخسر العمل).
ليس النفط والأسلحة فحسب من يقيدان أو يربطان المملكة السعودية بالغرب، سوف يتم وضع الطرق الجديدة التي ينفق النظام ثرواته عليها في الأسبوع المقبل في الرياض، ضمن مبادرة الاستثمار المستقبلي، إذا استطاعت هذه الدولة إيجاد جمهور.
يملك المؤتمر الذي يطلق عليه اسم (دافوس في الصحراء)، طموحات عالية كجذب للممولين ومجموعة الشركات والتنفيذيين التقنيين والقادة الحكوميين والإعلاميين البارزين، وقد كان سابقاً يضم قائمة من الحاضرين تشبه قائمة الحشود التي تجتمع في ملعب جبال الألب للنخبة العالمية من كل عام.. قال لوسيانو زكارا، وهو باحث في السياسة الخليجية في مركز الدراسات الخليجية التابع للجامعة القطرية، في مقابلة معه: (إنها عملية علاقات عامة كبرى)، (يحاول ولي العهد محمد بن سلمان وضع المملكة السعودية على الخارطة السياسية والتجارية، وأيضاً يحاول أن يصرف الاهتمام أو الأنظار عن دور بلاده في العنف في اليمن).
وينظم هذه المناسبة صندوق الاستثمار العام، وهو عبارة عن صندوق مالي مستقل مع محفظة تشمل استثمارات من مختلف أنحاء العالم. ويعتبر هذا الصندوق حجر الزاوية في الرؤية السعودية لعام 2030، وهي خطة دعمها ولي العهد لتنويع اقتصاد البلد وتقليل اعتماده على النفط، وبالإضافة إلى مشروع بلاكستون يقال إن الصندوق يقترب من شراء أسهم في (تسلا) شركة السيارات التي أسسها إيلون موسك، ففي 2016 استثمرت هذه الشركة 3.5 مليار دولار في (أوبر).
يبسط هذا الحدث اللامع الذي يمتد على 3 أيام، مسألة التأثير على المملكة السعودية، حيث تستطيع المملكة ممارسة استثماراتها الخاصة، لاسيما وأن العلاقات التجارية السابقة التي تربط ترامب بالمملكة تخضع للاختبار.. قالت الرياض إنه في السنة الماضية من المؤتمر الافتتاحي كان هناك أكثر من 3800 حاضر، جاؤوا من أكثر من 90 دولة، وهم يمثلون قسماً ضخماً في الاقتصاد العالمي.
قال ولي العهد ذي الـ33 عاماً، لجمهوره، في أكتوبر الفائت: (الحالمون فقط هم من نرحب بهم).
وكان الهدف من ذلك هو تكرار الشعور بالفخامة في الأسبوع التالي.
يعد البرنامج بـ(أن مبادرة الاستثمار المستقبلية سوف تتابع رسم مستقبل الاستثمار العالمي من خلال برنامج مدته 3 أيام، يتضمن حوارات تفاعلية مع قادة عالميين ومقابلات خاصة وموائد مستديرة ووسائل ترفيه على مستوى عالمي وشبكات تواصل لا نظير لها ومشاركة عميقة مع وسائل الإعلام العالمية)، و(ركائز) الحدث متباعدة لدرجة أنها تفتقر إلى المعنى الواضح: الاستثمار في التحويل والتكنولوجيا كفرصة ولتعزيز القدرات البشرية، وسوف تركز 3 قمم على الصحة والتكنولوجيا والقضايا المدنية.
ومن بين الأسماء الكبيرة التي كان من المفترض حضورها هذا العام، ستيفن شوارزمان الرئيس التنفيذي لشركة بلاكستون، الذي رافق ترامب في رحلته، العام الماضي، إلى المملكة الغنية بالنفط. احتفل شوارزمان الذي تقدر ثروته بـ13.7 مليار دولار، بعيد ميلاده الـ70، السنة الماضية، أسفل الطريق المتفرع من منتجع مارا لاغو في فلوريدا، وبعد 3 أشهر لاحقة ارتفع سهم بلاكستون على إثر مساهمة المملكة السعودية في صندوق البنية التحتية.
وفي الوقت نفسه، تعد الشراكة بين المحفظة الوقائية (صندوق استثمار يستخدم سياسات وأدوات استثمارية متطورة لجني عوائد تفوق عائد السوق أو معياراً ربحياً معيناً بدون تحمل نفس المخاطر) والدولة السعودية في انسجام مع رؤية تطوير البنية التحتية التي دعمتها إدارة ترامب، وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن الرئيس خطة تكلف 200 مليار دولار، تعيد ترتيب دور الحكومة الفيدرالية في ترقية المطارات والطرقات والطرق السريعة والموانئ، وتحويل نصف الأموال المتفق عليها إلى حوافز للحكومة المحلية والقطاع الخاص للمشاركة.
يقول ياسر الرميان الذي يعمل مديراً إدارياً لصندوق الاستثمار في الدولة الخليجية، إن تعاقد المملكة (يعكس رؤانا الإيجابية حول مبادرات البنية التحتية الطموحة التي بدأ العمل بها في الولايات المتحدة، وفقاً لإعلان الرئيس ترامب، وكذلك الفرصة الاستراتيجية لصندوق الاستثمارات العامة، من أجل إنجاز عوائد طويلة الأجل بالنظر إلى العجز التاريخي في الاستثمار).
وحالياً يحاول شوارزمان الذي كان مستشاراً غير مألوف من الخارج لترامب، وخصوصاً في علوم الاقتصاد والشؤون العالمية، تجنب المؤتمر، بحسب صحيفتي (واشنطن بوست) و(فاينانشال تايمز)، وجاء قراره هذا بعد محادثات في نهاية الأسبوع مع الرؤساء الماليين الآخرين.
وانضم في قراره هذا إلى مجموعة تضم قادة دوليين مثل كريستين لاغارد من صندوق النقد الدولي، وكبار المديرين التنفيذيين للشركات مثل جيمي ديمون من (جي بي مورغان تشيس)، وبيل فورد من (فورد موتور كومباني)، ورجال الأعمال مثل ستيف كيس الذي أسس شركة أمريكا أون لاين، وأريانا هافينغتون التي سجلت في السنة الماضية فيديو للمؤتمر الذي ربطت فيه سعادتها الشخصية إلى الحد الأدنى، وشركاء وسائل الإعلام بما فيها قناة (سي إن إن) و(فاينانشال تايمز) و(نيويورك تايمز).
وقال دارا خسروشاهي الرئيس التنفيذي لشركة أوبر، في بيان لـ(سي إن بي سي)، الجمعة: (أنا مستاء جداً من التقارير التي تتحدث عن جمال خاشقجي. نقوم بمتابعة الموقف عن قرب، وإذا لم تتضح مجموعة الحقائق المختلفة للعيان، لن أحضر مؤتمر الاستثمار الدولي الذي سيقام في الرياض).. تعكس هذه الإلغاءات لحضور المؤتمر الغضب من اختفاء الصحفي السعودي الذي كان مقيماً دائماً في الولايات المتحدة، وقد وضعوا أيضاً ضغوطاً على النظام عند منعطف خطير يبدو فيه الرئيس الأمريكي كأنه يأخذ في عين الاعتبار كلام ولي العهد (الذي أنكر تماماً أي علم بما يحصل في قنصليتهم) كما كتب ترامب هذا الأسبوع على (تويتر).
على ما يبدو أن نهج الإدارة الواثق يضع الشركات الخاصة في ظرف خاص، مما يجعل مؤتمر الاستثمار أمراً ذا أهمية غير عادية -ومثيرة للجدل- يختبر بذلك طموحات ونفوذ بن سلمان الذي أشاد به معجبوه في الخارج كإصلاحي، ويتوقع أن يقرر مدير الصندوق ستيفن منوشين، ما إذا كانت سيحضر الخميس، وقال الرئيس التنفيذي لشركة سيمنز جو كيسر، إنه لم يقرر بعد. وفوكس بيزنس، هي مجموعة ضئيلة من ممولي وسائل الإعلام الذين لازالوا يدعمون ذلك الحدث.
ومسألة اتخاذ القرار لـ(سيث بانون)، وهو شريك مؤسس في الشركة الرأسمالية فيفتي ييرز، توضح مصالح التنافس التي هي على المحك، كتب الممول الشاب في الأسبوع الماضي على (تويتر) أنه يعتزم الحضور للمؤتمر حتى لو ابتعد الآخرون.
قال بانون إنه سوف يعطي ولي العهد (تعويضاً عن الشك)، وأثنى على القائد الشاب للدفع بالإصلاحات التي تخلق احتكاكات مع مجتمع سعودي محافظ، مما يعرض بشكل أساسي (سلطته وأمنه) للخطر، ومع ذلك، وقال: (لكن قد تبين لي أنه مشترك في تلك الجريمة، وأنا أعترف أني أخطأت في تحليل هذا الرجل، وسوف أنسحب من ذاك المؤتمر، وأدين ذاك التواطؤ).
وعلاوة على ذلك، قال المستثمر إن نقاشه المقرر كان حول (مقاربة أكثر أخلاقية للرأسمالية)، وهي رسالة ملحة بقوة، قام بالتبرير لجمهور يشبه الحشد الذي يجتمع في دافوس.
ومع ذلك، وبعد أسبوع لاحق، أخبر بانون (واشنطن بوست) أنه لم يعد يخطط للذهاب إلى الرياض، وقال إنه لازال راغباً في دعم الإصلاحات التي يقوم بها ولي العهد، لكن حضوره هذا (سوف يرسل رسالة تقول إن ما تم اقترافه بحق جمال خاشقجي كان مقبولاً).
وأضاف: (من المهم أن يقوم قادة الأعمال باتخاذ مواقف أكثر، خصوصاً أن القيادة الأمريكية تبدو عاجزة عن القيام بذلك).
وقال زكارا الأستاذ المساعد في جامعة قطر، إن هذا الإنكار بعيد الأثر للحدث، قد يكون نتيجة لقلق على العلاقات العامة، أكثر من كونه شعوراً بالمسؤولية الأخلاقية.
وقال: (توجد إشارة جيدة دالة على أن ذلك هو قلق متعلق بحقوق الإنسان، لكن لا أعتقد أنه سوف يكون هناك تأثير ذو مدى بعيد على أفعال الحكومة السعودية الشنيعة، عاجلاً أم آجلاً، سيكون العمل التجاري هو العمل التجاري).
يقول زكارا إن الشركات قد تعلمت أن إقحام نفسها في السياسات يمكن أن يكلفها ثمناً باهظاً، وهي تعقد المقارنة مع العقوبة التي فرضها مشرعو جورجيا هذا الربيع، عندما قطعت خطوط دلتا الدولية علاقاتها مع الرابطة الوطنية للبنادق، وقال إنه في واقع الأمر من الصعب أن نرى هذه الشركات تضع المبادئ أولاً.
وتشير هذه المراقبة إلى الفرق بين الظهور في مؤتمر تدعو إليه دولة ما، وبين قبول أموالها النقدية.
وفي دفاعه المتفاني عن تلك الحادثة، أوضح بانون مؤسس شركة (فيفتي ييرز) ذو الـ50 عاماً، أن صندوق الاستثمار السعودي لم يكن داخلاً ضمن الاستثمار في شركته، وفي المقابل كانت تضخ أموالها إلى بلاك ستون وأوبر، وعلى سبيل المثال هاتان الشركتان أعلنتا انسحاب مدرائهما التنفيذيين من الحدث، إلا أنهم لم يقولوا شيئاً بشأن تورطهم المالي مع النظام السعودي.


*  واشنطن بوست
18 أكتوبر 2018