حوار/ بشرى الغيلي

رؤيتها الثاقبة للأمور تجعلك في ذهولٍ وهي تقرأ أحداث المرحلة بنضوجٍ ووعيٍ كبيرين
، تدرك جيداً ما تخفيه الشعارات الدولية الفضفاضة التي يقع في فخها الكثير دون وعي، 
وتؤمن إيماناً قاطعاً بنصرِ الله لكل قطرةِ دمٍ يمنية أريقت، ولكل جسدٍ تناثرت أشلاؤه، لا تعوّل على أي رهاناتٍ 
دولية تساعد على إحلال السلام باليمن.  تمتعض لما يسيء للمرحلة كالمغالاة في عدد وزراء الحكومة، وكثرةِ التعيينات العشوائية، في حين ينتظر المواطن أن يخففوا معاناته اليومية التي فاقمها الحصار، والعدوان الشرس.
 لا أطيل عليك عزيزي القارئ، وأتركك تكتشفُ بنفسك معالم وآفاق من تحدثت عن ثورة 21 أيلول، ومحاور أخرى، ضيفتنا العزيزة وزيرة الدولة ورئيسة اللجنة الوطنية للمرأة رضية عبدالله.

ثورة أخرجتنا من عباءةِ الوصاية
 هل كانت ثورة 21 أيلول ضرورة؟ وما مدى أهميتها؟
اليمن ظلت لعقود تحت الوصاية، والتبعية للصهيونية العالمية المتمثلة بأمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وغيرها من الدول الأوروبية، وتحت الوصاية المباشرة من أدواتها الإقليمية في السعودية والإمارات وقطر وبعض الدول الخليجية والعربية، لذلك كان قيام الثورة ضرورة بعد أن عانى الشعب كثيراً منذ  ثورة الـ26 من سبتمبر 62، حيث كان يعتقد الشعب أنه سيخرج من دائرة الحكم الأسري إلى مجال أوسع، يستفيد من ثرواته وقدراته وإمكانياته، ولكنه  ظل في نفس الدائرة السابقة، بل انه قبل 62 كان هناك شيء من الاستقلال، وحرية اتخاذ القرار، ولكن بعد 62 سيطرت السعودية على ثروات ومقدرات هذا الشعب، وصارت اليمن الشمالية تابعة بالمطلق للقرار والإرادة السعودية ومن فوقها الأمريكية، على عكس الجنوب الذي كان لديه هامش حرية، وهامش اتخاذ قرار، وكنّا بالفعل مزبلة للسعودية، ولا نستطيع أن نقول إننا كنا حديقة خلفية لها، وهناك فرق شاسع بين الكلمتين، فالحديقة غنّاء مليئة بالزهور والجمال، بينما المزبلة ممتلئة بالنفايات والقاذورات، وحتى بعد الوحدة استمرت هذه (المزبلة)، وضمت معها المحافظات الجنوبية التي كانت في فترة من الفترات لها نوع من القدرة على اتخاذ القرار الخاص بها، ومع قيام ثورة 21 أيلول 2014 أدرك العدو الصهيوني المتمثل بأمريكا وأدواتها الدولية، والإقليمية، أن هذا البلد لن يكون كما في السابق، فقيام ثورة 21 أيلول ضرورة، وكان لا بد من الخروج بقرار سياسي مستقل.
فثورة 21 أيلول كانت ضرورة على الظلم الذي حصل، كذلك أن هذه الثورة لم تكن مؤطرة بإطار مناطقي، ولا مذهبي، ولكن كانت تخص كل مظلومي اليمن.

لن نكون أدوات لكم
ـ 21 أيلول أهميتها كثورة شعبية أنها تعبر عن الجميع، وتستهدف تحقيق آمال الشعب وتطلعاته... ما الذي حققته خلال السنوات الأربع الماضية من وجهةِ نظركم؟
أول مؤشر لنجاح هذه الثورة خروج أدوات الهيمنة والسيطرة التي هي السعودية، وأمريكا، حتى الخوف والهالة والعظمة الأمريكية التي كانت متواجدة في شيراتون، ووجود المارينز، وتحرك الطائرات بدون طيار، والتي كانت تقصف أية منطقة تريدها، وفي أي وقت، وتستبيح أي شيء، فهذا أول نجاح لثورة 21 أيلول، ولعل التكالب الذي حصل على اليمن، والعدوان الذي كان في 26 مارس 2015،  تأكيد على أن هذه الثورة كانت ناجحة، ومؤشرات نجاحها ماثلة للعيان، العدوان على اليمن، هو عدوان أمريكي بالمطلق، لا نغالط أنفسنا ونقول إنه عدوان سعودي، فالسعودية هي من تدفع المال للمرتزقة، وشراء السلاح، غير أن الخطط، والاستهدافات هي أمريكية، فالسعودية إذا لم تجد الضوء الأخضر الأمريكي لضرب اليمن، ما كانت لتتجرأ بقصفها، لأنها ذاقت 6 حروب في صعدة، وفشلت هناك وكان معها الإماراتي والأمريكي. ملفنا الاقتصادي تديره الآن إدارة فاشلة وسيئة التي هي بريطانيا، وهي من أوعزت بطباعة العملة دون غطاء، وهي من تمسك موضوع الحصار على المنافذ البحرية والبرية والجوية، بريطانيا عدو الأمس يجدد وجوده اليوم على الجمهورية اليمنية شمالاً وجنوباً.

المرأة قدمت عشرات الشهداء
ـ رأينا النساء العربيات في دول تم احتلالها كالعراق، وفلسطين، يتعرضن للامتهان، ولا حول لهن ولا قوة، بينما المرأة اليمنية قوية تواجه العدوان بأساليب متعددة.. ولأن الغزاة أغاظتهم هذه الصورة فتعمدوا امتهانها في المناطق التي تم احتلالها... السؤال: هل نساء اليمن يدفعن الضريبة الأكبر في مواجهةِ العدوان؟
كل الشعب اليمني، بجميع شرائحه، نساء، رجال، شيوخ، أطفال، يدفعون ضريبة هذه الحرب، ولكن بفضل الله المرأة اليمنية معدة لدورها، كانت تهمش عن عمد، وعن قصد، وإذا رجعنا لتاريخ اليمن في المحافظات الجنوبية ستلاحظين أن المرأة كانت في الجنوب داعماً أساسياً في الكفاح المسلح ضد المستعمر البريطاني، والمرأة في المحافظات الشمالية كانت في بعض الأدوار متفرجة لأنه رسم لها هذا الدور، ولكن بعد ثورة 21 أيلول تأكد أن هذه الثورة غير سابقاتها، القيادة الصادقة لثورة 21 أيلول أعطت الاطمئنان لكل الشرائح  لمجتمعية، نساء أو رجال، فاضطلعت المرأة اليمنية بدورها الحقيقي من خلال دعم الجبهات بالرجال، وبالغذاء، والمال. ويكفينا فخراً أن المرأة اليمنية تقدم اليوم ليس شهيداً فقط، بل شهداء من أسرتها ما بين ابن، وأخ، وزوج، وأب، تقدمه بكل سخاء من أجل إرضاء الله، ولثقتها بهذه الثورة، ولأنها تعيش وضعاً لم تعشه منذ عقود من الزمن.

معاناة أبناء المناطق الجنوبية أسوأ 
ـ ما هي الآثار التي انعكست على المرأة؟
أعترض على السؤال مع احترامي الشديد، فالعدوان انعكست آثاره السلبية على كل اليمنيين دون استثناء. وحتى في المحافظات التي يدعون أنها محررة، هي في الواقع محتلة من الإماراتي الفاشل والسعودي العاجز، تلك المحافظات تعاني اليوم أكثر مما نعاني منه نحن في المحافظات التي تحت سيطرة القوى الوطنية، فوضع المواطن في المحافظات المحتلة أكثر سوءاً، والخدمات متردية، ونحن هنا رغم كل ما نعانيه من حصار، ومن عدوانٍ يومي،  نستطيع أن ننجز ولو الشيء اليسير للمواطن اليمني، فتأثير هذه الحرب على المرأة اليمنية كتأثيرها على أي مواطن يمني، في ظل الحصار، وعدم دفع الرواتب، وغلاء الأسعار، وعدم وجود المشتقات النفطية، والغاز.

المرأة أدركت دورها بوعي 
وتتحرك في ما هو ممكن
ـ مواقف المرأة اليمنية العظيمة ستكون أكثر فاعلية لو تم توجيهها ورعايتها في إطار... فلماذا لم تقم بهذا الدور اللجنة الوطنية للمرأة؟
ليس توجيهها، لأن المرأة اليمنية أدركت دورها، وأدركت عظمة المرحلة، وقساوة العدوان، وأدركت أسباب العدوان الحقيقية التي تنوعت وتعددت، وكلها أسباباً واهية، لأن الهدف الأساسي هو إعادة السيطرة على الأرض اليمنية، والقرار اليمني، والثروات اليمنية، فالمرأة أدركت هذا الشيء، مما أعطاها المساحة الكبيرة لتتحرك بما هو ممكن، ولو كنا في وضع آخر وعدم وجود عدوان على البلد، سيكون نشاطها غير عادي، وسيكون دورها فاعلاً في تنمية المجتمع.

حين أسمع أم شهيد 
تزفه إلى مثواه
ـ خلال فترة العدوان أصوات نسوية لفتت انتباهك، وأصوات أخرى صدمتك، فمن هن في الأولى ومن هن في الثانية؟
من أعجبت بهن وكان لهن الأثر في حياتي حين أسمع أم شهيد تبارك زفة ابنها إلى مثواه الأخير، وتطلب من الله أن يرضى، فهذا قمة العطاء، وقمة الروحانية، وقمة الموالاة بما قدر الله. وما يصدمني هو بعض اللواتي يعملن كالأبواق للشعاراتِ الدولية، في حين أن هذه الشعارات والمنظمات الدولية لم تعمل، أو تحرك ساكناً، أو تقدم حتى الشيء البسيط جداً للمرأة التي تقصف داخل بيتها، وتقصف في الشارع، وتقصف في مزرعتها، وتجوّع، وتهان جوعاً، وتسلب إرادتها...

 حكومة طوارئ
ـ نعود لجانبٍ آخر.. كونكِ تمثلين صوت المرأة في حكومةِ الإنقاذ، هل يعطونكِ الفرصة الكافية لإيصال ما تودين قوله؟
أنا مع من ينادي بإعلان حالة الطوارئ، ومتحمسة لها كثيراً، حكومة طوارئ، حسب حاجات المجتمع، أنا ضد التعيينات العشوائية، ضد الفوضى الحاصلة في البلد الآن، وهذه تسيء للمرحلة، وتسيء لصناع القرار في هذه الفترة، أكثر من 43 وزيراً في ظل وضع مأساوي، هذا غير التعيينات العشوائية، يجب على صاحب القرار أن يعيد النظر في كل ما هو حاصل، وأنا ضد المحاصصة، لا للجنس، ولا للمناطق، ولا للمكون السياسي، أنا ضد كل ذلك بالمطلق، أحترم الكفاءة، وأحترم العطاء.
وحكومة الإنقاذ للأسف الشديد، وأقولها بصراحة، وقد يزعل البعض، فليزعلوا ولا ألم في قلبي على زعلهم، لم تستطع أن تقدم المطلوب منها، فالفترة حرجة جداً، ومؤلمة جداً، والشعب اليمني متأمل خيراً من ثورة 21 أيلول ومن نتائجها، فالحكومة يجب أن تكون حسب الاحتياج الرئيسي، نحن لسنا في وضعٍ اعتيادي، بل وضع استثنائي وغلاء معيشي، وهذا يتطلب تقليص عدد الوزراء وإعلان الطوارئ، ويجب أن تتعامل مع هذا الشيء بما هو متناسب مع المرحلة، المحافظات المحتلة في الجنوب الآن كل يومين عبدربه (بيقفز) وزير، و(بيقفز) سفير، ونحن لسنا مثله، لسنا شارين سلطة أو مال أو مراكز أو مناصب، بل  شارين خدمة هذا الوطن، فأنا أخجل عندما أرى مواطناً لا يجد لقمة عيشه، وأنا أجيء وأعين فلاناً أو فلانة في منصب. حقيقة أقولها يجب إعادة النظر في الحكومة، والعديد من القرارات، فمن الضروري أن تكون حكومة هذه المرحلة خادمة، بكل معنى الكلمة، للمواطن اليمني الصامد والصابر، وبالتالي أرى ضرورة لإعلان حالة الطوارئ، وتشكيل حكومة طوارئ، وإلغاء وزارات لا ضرورة لوجودها.

 أراهن على الله والجيش واللجان الشعبية
ـ كيف تقرئين الفترة القادمة؟ ما هي أبرز الحلول أو المعالجات من وجهة نظرك...؟
لا أراهن على أية أطروحات أممية أو دولية، لأن الأمم المتحدة تحت الوصاية الصهيونية المتمثلة، بأمريكا، والسعودية، وقرارها مرهون بها وبالدول الخليجية دافعة المال، ودافعة رواتب الموظفين الدوليين، ولكن أراهن فقط على عظمةِ الله جل في علاه، وعلى نصره لنا، وعلى ثبات مجاهدينا في الجبهات من أبناء الجيش واللجان الشعبية، والقبائل الشريفة، فالرهان كما قال سيدي القائد حفظه الله وأيده بنصره: من يراهن على الأمم المتحدة كمن يراهن على سراب، وهم فعلاً سراب.

مصادفات ملفتة!
ـ هل من كلمة تودين إضافتها في ختام هذا اللقاء؟
هناك مصادفات عجيبة حدثت هذا العام، حيث صادف مولد السيدة فاطمة الزهراء مع يوم المرأة العالمي الـ8 من مارس، كما تزامنت ثورة 21 أيلول مع الـ10 من محرم، وكما أن سيدنا الحسين عليه السلام انتصر دمه على سيف يزيد، فإن الشعب اليمني بإذن الله تعالى سينتصر بكل نقطة دم بريئة وكل جسد طفل تناثرت أشلاؤه في الشوارع، أو في المزارع، أو في البيوت، أو الطرقات، ستكون بإذن الله تعالى علامة نصر على كل متجبر في هذه الأرض.