فرصة لبناء قوانا الصاعدة
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب /  لا ميديا -

وصولاً إلى مطلع القرن العشرين كانت بريطانيا تتربع على رأس إمبراطورية ضمّت خُمس الأراضي المسكونة في العالم، وتحكمت بمصائر خُمس سكان العالم وقتها، امتد سلطانها حتى القطب الجنوبي الخالي من السكان. كانت لندن أعظم عواصم العالم بلا منازع، وكان الأسطول البريطاني يبز أقرب منافسيه مجتمعين. كان البريطانيون صناع السلاح الأوائل في العالم، وبواخر وصناعات صلبهم ربطت العالم في سوق كوكبية يدر ربحها في العاصمة المالية للإمبراطورية، لندن، من دلهي إلى القاهرة ومن الكاب إلى هونغ كونغ.
كانت بريطانيا تخنق الجميع من أجل فائدتها، وعليه وُجدت كراهية مفرطة لبريطانيا، تلك الإمبراطورية المتسلطة على الرقاب. هنالك رواية عن أن الطلاب المصريين عندما كانوا يسافرون إلى لندن كانوا يبحثون عن قبر إفلين بارينج (اللورد كرومر) ـ القنصل العام البريطاني في مصر بعد احتلالها، بنية تخريبه، كمثال على الحقد المضمر على قطب العالم الوحيد. في المقابل وُجد نوع من الحب تجاه منافس بريطانيا الصاعد: الولايات المتحدة الأمريكية.
لو تفحصنا أكثر الشعوب عداءً لسياسات الولايات المتحدة اليوم سنجد أن الشعب الإيراني بمعية شعوب أخرى تقف في قائمة الصدارة. قبل 100 عام لم يكن هذا تصوّر الشعب الإيراني عن أمريكا، بل رأوها كصديقة، مقابل بريطانيا التي تهيمن عليهم. وبالإمكان مراجعة مذكرات المحامي الأمريكي مورجان شوستر، الذي طلبه الفرس عام 1910 لكي يؤسس لهم نظاماً لجباية الضرائب.
بحلول نهايات منتصف القرن العشرين انتهت الهيمنة البريطانية على العالم، بعد انتقال المركز منها إلى الولايات المتحدة، صديقة الشعوب بالأمس. كان الانتقال بعد عملية معقدة بطيئة استغرقت ما يقارب نصف قرنٍ تقريباً. موت القديم وانبعاث الجديد مثّل فرصة لبلدان عدة لكي تبني دولها الحقيقة. كانت التجربة الناصرية -بالرغم من عدم اكتمالها- استجابة عربية لهذه الفرصة التاريخية.
لاحقاً، بعد استتباب الأمر، اتضح أن أمريكا لم تكن صديقة الشعوب، وأن إعلان وودرو ويلسون لم يكن إلا سراباً، وأن القوة الصاعدة الأمريكية لم تكن إلا وجهاً آخر للقبح البريطاني، مع بعض التغييرات الطفيفة. لا أنوي بعد هذه المقدمة استبصار ما سيكون عليه الصعود الصيني، ولكن الصعود الصيني والتقهقر الأمريكي هو فرصة لكي نبني قوانا الصاعدة استجابة لهذا التغير في الموازين. 
وهذه الفرصة لا تعني إلزامنا الانبهار بالصين أو التصفيق للتقنيات التي تتبعها، ولا متابعة أي الدول الأوروبية ستدخل في جيب الصين الخلفي، فهذه ليست مصلحتنا، ولا شغلنا.

* كاتب وباحث عراقي.

أترك تعليقاً

التعليقات