انتصار التأريخ
 

أحمد الشريفي

أحمد الشريفي / لا ميديا -

تعاملت السعودية مع عملية أولى مراحل الردع الثالثة وفق مسارين:
الأول: كالعادة تحاول عبثا التخفيف من حجم الصدمة وهول الرد اليمني على مجزرة العدوان بحق أبناء الجوف. والثاني: استجداء العالم وطلب النجدة منه لإنقاذها مما هي فيه وربط مصيرها بانعكاساته على العالم، خصوصا الدول المستهلكة للنفط السعودي. وإذا كان المسار الأول مخصصا للداخل السعودي فإن المسار الثاني يناقضه تماما ويجعل مخاوف الداخل تتصاعد ومنسوب الوعي الشعبي يكبر.
نعم، لم يعد لدى شعب نجد والحجاز من شك بأن العدوان على اليمن يتحول تدريجيا إلى لعنة ستصيبهم ومستقبلهم في مقتل إذا لم يسقط بنو سعود أو يتوقف العدوان فورا. إلى ذلك يتعامل العالم الإمبريالي، وهو حليف الرياض واللاعب الأساس في سياستها، يتعامل معها ببرودة كونه يعرف أن الأحداث تسير وفقا لما يريده هو من ابتزاز مالي وتقسيم جغرافي، وتشكيل خارطة جديدة أقلها خطرا على بني سعود يتمثل في تغيير نظام الحكم إلى مملكة دستورية، هذا إذا لم يكن قد خطط لما هو أبعد.
وأياً تكن حسابات المخرج الإمبريالي وتصوره للواقع الجديد فإن تباشير صعود اليمن وفرض أجندتها كلاعب إقليمي قوي في طريقه للظهور، وينسجم تماما مع حقائق التاريخ التي تتكامل بصورة طبيعية ونراها أيضاً في الإقليم، فاليمن والشام والرافدين هم الأصل ويجب أن يعودوا بأصلهم، وما سوى ذلك من مماليك وخربشات في الجغرافيا تنتهي وتزول، وهذا ما تؤكده الأحداث في اليمن التي صمدت بوجه اجتثاث حاول أن يطال الهوية والجغرافيا، فالصمود الأسطوري ثم الانتقال لمرحلة الردع والمبادرة في الهجوم، وتحييد الأجواء، مؤشرات لحسم المعركة والانتصار الكبير، يقابله صحوة عراقية في وجه قوى الاحتلال الأمريكية وقواعده التي رزح تحت وطأتها، مرورا بعودة حلب وتطهيرها من المخطط القادم من الشمال بسيناريو أمريكي وتنفيذ تركي.
نعم، خمس سنوات كانت حلب جناح سوريا وعقلها الصناعي بعيدة عن العمق السوري، وبعودتها بدأت ملامح المشروع الإمبريالي بالأفول، ليعود وجه الشام البهي وتأثيره الإقليمي إلى وضعه الطبيعي التاريخي. لقد جمع أشرار العالم كل إمكانياتهم لتمزيق مثلث العروبة والمقاومة وتغيير وجه الجغرافيا والديمغرافيا وطمس الهوية، لكن المشروع الدخيل تمت هزيمته وكان للتاريخ القول الفصل في ذلك.
إن تزامن الانتصارات في العراق وسوريا واليمن يعني في لغة العارفين بداية عصر الجيل العربي الجديد، رغم القنابل التي حاولوا زراعتها في طريق ظهوره، سواء من خلال إيجاد داعش أم إعلان "صفقة القرن" وتشجيع الاعتراف بالكيان الصهيوني، لكنها قنابل انفجر بعضها في وجه من زرعها، والأخرى في طريقها للانفجار، ولا نامت أعين الجبناء.

أترك تعليقاً

التعليقات