ثنائي الهيمنة الكونية المالية
 

خالد العراسي

خالد العراسي / لا ميديا -

من منطلق المال مصدر القوة عرفت أمريكا من أين تؤكل الكتف، وكيف تورد الإبل، فسيطرت على الاقتصاد العالمي، وأنهكت الدول الفقيرة عن طريق صندوق النقد بقروض وفوائد لا طاقة لها بها، إلى أن تغرق الدولة وتتعثر في تسديد القرض وتتراكم الفوائد، وهنا يقدم صندوق النقد مقترحاً باستثمار الموارد المتاحة في البلد الغارق بالديون والالتزامات الحتمية.
ولا يجد حكام البلدان النائمة مفراً أمام قبول العرض، وهنا يبدأ الاستغلال بإيكال المهمة لشركات كبرى تابعة للدول المالكة لصندوق النقد، ويتم توقيع اتفاقيات مجحفة تأخذ من خلالها الشركات نصيب الأسد، وتتولى مهمة بيع النسبة المتبقية أيضا لشركات ضمن المجموعة نفسها، ويتم ذلك أيضا على مستوى المجتمعات التي تكون أكبر طبقاتها هي الطبقة الفقيرة والمتوسطة حيث يتم إغراقهم وإنهاكهم بقروض تحت مسمى دعم المشاريع الصغرى والأصغر عن طريق بنوك ومصارف محلية، ولا ينتبه المحتاج للدعم إلا وقد تورط وتحمل تسديد للقرض بفوائد كبيرة لم يدرسها وبهذا تزداد معاناته ويزداد سخطه على حكامه والسلطات المسؤولة، ويكون هذا الكرت هو المحرك للشعوب وقت الاحتياج السياسي، كما أن ذلك يضمن بقاء أكبر شرائح المجتمع في حالة ركود علمي، وعملي ويحول دون تطوير الذات.
ومن جهة أخرى، يشترط الصندوق على الدولة التي تطلب القرض شروطاً تبدو في ظاهرها انفتاحاً وتعافياً اقتصادياً، بينما تشكل عبئاً وضغوطاً على الشعب، كتلك التي اشترطتها على الأردن عام 2016، عندما منحه الصندوق قرض بمبلغ 726 مليون دولار، شريطة التركيز على الضرائب مما ساق الأمور إلى سخط شعبي واسع أدى إلى إسقاط الحكومة وتعديل قانون ضريبة الدخل، ويعزو العاهل الأردني ذلك إلى ضغوط دولية للموافقة على صفقة القرن، ويتحرك الإعلام العالمي بنفس الاتجاه ليثير الشعوب تحت مسمى الحريات والحقوق، فيما يكون الهدف هو الرضوخ لسياسات الدول العظمى المالكة لصندق النقد، وعلى رأسها أمريكا التي تمتلك الحصة الأكبر (16%).
ودائما يتم رفض منح قروض لدول خارجة عن سيطرة أمريكا رغم توفر الشروط الواردة في قانون ولوائح صندوق النقد، وذلك ما تم مع فيتنام عام 1982، وفي الفترة نفسها منح الصندوق السلفادور قرضاً بمبلغ 83 مليون دولار رغم عدم توفر شروط الصندوق، بمعنى أن الشروط الظاهرة وهمية، بينما الأساس هو تقديم الولاء والطاعة.
وفق ما سبق، نستخلص أن صندوق النقد الدولي لا يوافق على منح أي قرض إلَّا للدول والجهات التابعة لأمريكا أولا وللدول المالكة للصندوق ثانياً، ثم أن القرض غالبا لا يؤدي إلى انتعاش اقتصادي، لكنه يعمل على بقاء استقرار العملة بالحد الذي يمنع انهيار الاقتصاد فقط، ويحول دون أي تطور وتنمية مستدامة حقيقية، ويكون سبباً آخر لتقديم مزيد من الانصياع والخنوع.
ومن هنا من يملك المال يسيطر على الاقتصاد، ويهيمن على السياسة العالمية، لذلك لن تتحرر الدول أو تستقل سياسياً إلا بتحرر اقتصادها وفك ارتباطها بصندوق النقد والبنك الدوليين، ولن يتم ذلك إلا بتنمية مستدامة حقيقية واكتفاء ذاتي وتعدد وتنمية الموارد، وكل ذلك يحتاج قبل كل شيء إلى بناء الكادر البشري بالشكل المطلوب.

أترك تعليقاً

التعليقات