لا تسيئوا لوطنكم
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا -

مذ بداية الشهر الماضي وأنا ألاحظ حملة تشهير ضد اليمن أرضاً وإنساناً وحاكماً ومحكوماً، استهدافاً للدولة والشعب والجيش واللجان الشعبية، واستهتاراً بالصمود والبطولات والتضحيات والدماء اليمنية، بدأت الحملة تتوسع مع انتشار تفاعل عدد من الإخوة المغتربين في الخارج مع بعض الحالات الإنسانية التي ينشرها البعض في صفحاتهم، حيث بدأ عدد من المغتربين الذين نعرف أن أغلبهم يشعر بالحنين والغربة والألم، يطلقون على بلدهم اليمني عدداً من الأحكام والصفات والوصفات التي يخجل كل حُر من سماعها، وتؤذي وتمس مشاعر ووجدان كل يمني، وهذا مؤسف، وفيه علو كبير، ولا يصح منطقياً أن يرى من يعيش بالخارج في رغد من العيش هناك وطنه اليمن فقيرة ومتخلفة وأنها تستحق السحق والمحق.
صحيح إنكم تعيشون في الخارج في أمن وأمان ولديكم أعمال ورواتب، ونحن نعيش في الداخل اليمني في ظل عدوان وجرائم حرب وحصار وفقر وبدون رواتب وبدون عمل، وهو ما يعني أن هناك فوارق بين عيشنا في بلدنا اليمن وعيشكم في بلاد الخارج، وهي موجودة بالفعل، وهناك اختلافات كبيرة في مسألة النظم السياسية والاقتصادية، ولكن هذا في حالة السلم، وهي اختلافات في الدرجة، وليست في النوع، فعلى الأقل لدينا في اليمن وعي وقيم ومشروع شعبي ونظام اجتماعي، قد يخاف من أصوات انفجارات الصواريخ وأزيز الطائرات الحربية، بينما الخوف عندكم ليس إلا من صفارات سيارات الشرطة وأصوات مفتشي تراخيص الإقامة.
إن أحكامكم على الأحوال في اليمن لا تصلح مقياسا عاما على الأمور، لأن هذه الأحكام تصدر عن واقع خاص ومراحل انتقالية عابرة تمر بها غربتكم وتغريبكم عنا وعن بلدكم، فقد لاحظت من خلال منشوراتكم وتعليقاتكم أننا لا يجب أن ننتقد أوضاعنا الإنسانية هنا في اليمن، لأنها تعتبر جيدة قياسا بظروف تغريبتكم العقلية الحالية، التي تحكم على اليمن شعبا وأرضاً ونظاماً سياسياً من خلال درجة الوضع الاقتصادي لبلد وشعب محارب ومحاصر، وهذا خطأ في الحكم قد يهوي إلى درجة الخطيئة عند قراءة المشهد اليمني، الذي يكفيه فخراً وشرفاً وعزة أنه المشهد العربي والإسلامي والعالمي الذي أَركعَ وأَذلَّ تحت أقدام مقاتليه أغنى 17 دولة تمتلك أكبر ترسانة للمال والسلاح في العالم.
الإخوة المغتربون، أنتم أولاً وأخيراً يمنيون، لكم ما لنا وعليكم ما علينا، وما يجب أن تعوه وتدركوه هو أن السوء الوقتي أو المرحلي الذي تعاني منه اليمن سببه الرئيسي هو دول العدوان وحربها وحصارها على بلدكم وشعبكم وأهلكم، وإن السوء الذي فرضه العدوان يجب ألا يكون القاعدة التي يقاس عليها الطموح الاجتماعي والشعبي اليمني، أي أننا لا يجب أن نقيس وضعنا في اليمن على الأسوأ لكي نرضى بالواقع، ولكن القياس يجب أن يكون على الأفضل، كي نطور هذا الواقع، ونقوم بتحسينه بناء على مقاييس الحرية والسيادة والاستقلال والكرامة والشرف والعزة.
نحن الذين داخل اليمن وتحت الحرب والحصار والجوع والفقر، نعلم أن بعض ناشطي السفارات الذين يعيشون بين ظهرانيكم في الخارج، قد علا رنين زعيقهم هذه الأيام، واتسم حديثهم بفقه يغلب عليه طابع الالتواء وجفوة الفجور في الخصومة، وأن المغالطات التاريخية زادت حدتها بشكل مفجع، والسرديات العامة ارتفعت فوق التخصيص الدقيق، ولغة الخطابة الشعبية تقدمت على محددات السياسة، والتصريح تفوق على التلميح، بل إن السفه والسب والقذف والتجريح والطعن والتخوين، وكل دعائم ثقافة الكراهية لبلدكم ووطنكم وشعبكم هي منصة خطابهم الإعلامي، الذي يرفع من منسوب الانقسام اليمني، ويبني أقاليم التناحر، ويمد جبالاً من الاستقطاب لتأييد الحرب والعدوان والاحتلال والغزو والفقر والحصار على بلدكم.. 
أصدقائي المغتربين المترفين في الخارج، هما أو عيشاً، إن الخطأ والصواب نسبيان في أي مجتمع، ولكن كما ذكرت بنسب ودرجات معينة ومختلفة، وبمحددات يشهد العالم على صحتها، ولا شك أن التاريخ والجغرافيا يشهدان بمقت التنازع، ويدعوان إلى التوحد المطلق، والتوحد لا يكون مطلقاً إلَّا في القضايا الكبرى، والوعي اليمني والقيم اليمنية والمشروع اليمني هي أسس الغاية الصحيحة التي ستبقى دائما مناط البحث، والالتفاف حول هذه الأسس سيبقى دائماً منوطاً بمخطط عدو يسعى لتدمير اليمن شعباً وأرضاً وإنساناً. 
ختاماً، إن اليمن ليست بالهشاشة التي يريد العدو أن يرسم صورتها في أذهانكم، ولن يقويها شخص واحد، ولا حتى فريق واحد، فتاريخها فوق مستوى الأحادية، وما الحاكم فيها (أيا كان) إلا من يملك (وعياً وقيماً ومشروعاً) يقدم رؤية قد تصيب بقصد، وقد تخطئ بغير قصد، أي أن كل الاحتمالات مفتوحة، فكل القادة والأنظمة عرضة للزلل، لكننا نحن الفقراء والمتخلفين والمبردقين الذين نعيش داخل وطننا اليمني، نعلم أن لدينا قائدا ونظاما وجيشا يبتغون لنا ولليمن الخير والعزة والكرامة والسيادة والاستقلال.
وهذا ما يمنحنا الحق أن نذكركم أن قائد مسيرتنا وحاكم دولتنا وسلطة واقعنا وحكومتنا وجيشنا ولجاننا منا وفينا وعليهم ما علينا، وأن الصمود والتحدي والصبر والفقر والبطولة والتضحية في اليمن هي التي ستعيد بناء هيبة وقوة وكرامة اليمن وسوف تبعثها من جديد ولو كانت عدما، وأن التطبيل للعدوان والتزمير للغزو والرقص لاحتلال اليمن لم ولن يبني لكم يمناً، ولم ولن يزيل اليمن من الوجود، فاليمن هي الثابت وهم المتغيرون، هي الباقية وهم الزائلون.

أترك تعليقاً

التعليقات