مواجهة الحقيقة خير من نكرانها
 

عبدالفتاح حيدرة

عبدالفتاح حيدرة / لا ميديا - 

عيوبنا ليست عيوب توجه سياسي، سواء كان توجهاً يمينياً أو يسارياً، بقدر ما هي عيوب تكوين ثقافي. فالبيئة التي أنتجت الجميع واحدة، وقلما ينجو أحد من تلك المقدمات الثقافية التي أنتجته. ولذا نجد أن الخطاب العنيف مشترك ما بين أي طرفين متناقشين أو متخاصمين، يستدعي كل منهما مفردات تتسق مع خطابه من حيث الشكل، لكنها في الحقيقة لا تختلف عن مفردات الخطاب الآخر في الصبغة الخارجية. ففي النهاية يبقى المضمون شبه متقارب بنسبة كبيرة، ولا نحتاج لنقد التراث وتنقيته، ولكن ما نحتاجه حقا هو محاكمة عقولنا وآليات تفكيرنا.
إن اختلاف وجهات النظر بين الناس أمر طبيعى، بل إنه مطلوب، للوصول إلى حلول مرضية وبدائل مقبولة، ولكن أن يصل (الاختلاف) إلى حد (الخلاف) على كيفية إرغام أنصار الله على الاستسلام للعدو ومنعهم من مواجهة العدوان وحثهم على الانقسام والتناحر، وقبولهم بأدوات الفساد والإفساد لتديير نظام الشراكة معهم أو تأييدهم مجتمعيا، فهذا ما لا يقبله عاقل. وقد يشي ذلك بشيء من تفشي فلسفة بناء المصالح الشخصية الضيقة، والتي ليس شرطا أن تكون مادية بشكل صارخ.
أنا هنا لا ألوم الجاهل على انقياده لأصحاب المصالح الشخصية الضيقة، وتسليم عقله لهم في هذه الفلسفة الغبية؛ بل يفترض أن ألوم وأعاتب أنصار الله، لأنهم وحدهم العارفون بخطر أصحاب المصالح الشخصية الضيقة، وهم من بدؤوا بمحاربتهم أصلا. إذ يبدو أن معرفة القائمين من أنصار الله على شؤون إدارة النظام والدولة بأصحاب المصالح يعيبها الهوى وتشوبها الشخصنة، وبالتالي يعتورها نقص قد يحيلها إلى جهل مطبق، وهذا هو أسوأ من جهل الجاهلين أنفسهم.
ولقد مررنا جميعا بمراحل معينة مع جهل الجاهلين هؤلاء، حتى أصبحنا نعي أن الصدق المطلق مع هؤلاء هو كلمة حق ربما تجلب الباطل، أو رؤية علم قد تفتح أبواب الجهل، أو نشر وعي قد يتلون بالتضليل. وأنا شخصيا كان من باب التقية السياسية (إن صح التعبير) ألا أنتصر لقول أو فعل على حساب خيانة الموقف والمرحلة، وألا أجعل المنطق يعلو فوق الأحلام والآمال الشعبية، والتي كان بعض الناس يقتاتون عليها. وكان هذا هو دأبي في الغالب، ولم أكن أفعل غير ذلك إلا عندما كنت أشعر بأن هذه الأحلام قد بلغت عند الناس مرحلة بناء الأساطير حول أصحاب المصالح الشخصية، هنالك كان من الضرورة بمكان أن أقف من أجل التفرقة بين الأمل الإيجابي وبين التفكير السلبي.
إن موقف أنصار الله من مواجهة العدوان السعودي وتوحيد الجبهة الداخلية وبناء مؤسسات الدولة اليمنية، هو موقف الواعي صاحب القيم الذي يمتلك المشروع، وهو الموقف الذي تعلمناه منهم، لأن هذا الموقف كان كاشفا لأسوأ وأخبث ما في نفسية بعض نخب وأفراد المجتمع اليمني، بمثل كشفه لأنفس المعادن الدينية والوطنية والإنسانية التي تبنت موقف أنصار الله. فإلى جانب كشف النماذج المضيئة لموقف مواجهة العدوان وتوحيد الصف وبناء مؤسسات الدولة، فقد اكتشفنا الطبالين والانتهازيين والأفاقين وسماسرة الحروب وتجار المبادئ، وعرفنا كل أنواع النخاسة السياسية، بل وعناصر النجاسة السياسية. صحيح أن ظروف مرحلة ثبات الموقف في مواجهة العدوان لم تكن هي الكاشف الوحيد، ولكنها كانت الكاشف الأهم.
أما مشكلات انعدام الرواتب وتفشي البطالة والغلاء والتضخم والسكن والفساد في مرافق مؤسسات الدولة، فعلينا إذا كان لدينا موقف (الحق) الصحيح، أن نضع مسؤوليتها كلها على دول العدوان، ولا نحمل أو يتحمل مسؤولية ذلك من حمل على عاتقه مواجهة العدوان وتحديدا (أنصار الله)، بالإضافة إلى أن أغلب كل المشاكل كانت نتاج ميراث طويل من الخيانات والفساد والإهمال وسوء الإدارة، ولكل فاسد فيها نصيب مما اكتسبت يداه، ولكني أستطيع القول -مطمئنا بمنطق الحق- إن النظام المواجه للعدوان ووحد الصف ودعا لبناء مؤسسات الدولة وقف هو الآخر وقفة العاجز أمام محاربة الفساد، إن لم يكن قد زاد عليه، لأنه قد زاد على عبئه في مواجهة العدوان عبء أمل وطموح الناس به لتنفيذ برامج مكافحة الفساد.
وعلى كل ما سبق، فقد حان الوقت للمكاشفة مع أنصار الله، الذين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، لكن حرصهم على مواجهة العدوان يكفي لأن يتجاوز الشعب اليمني عن كل أخطائهم. في المقابل بات من الحتمي أن يواجه أنصار الله أنفسهم بكامل الحقيقة عن أصحاب المصالح الشخصية، الذين عرتهم الأيام، وبعد أن أصبح نكرانها نوعا من دفن الرؤوس في الرمال، فليس هناك ما يعولون على انتظاره أو يعلقون عليه الرجاء، ولم يعد ممكنا الانتظار حتى يتوسع الشعب اليمني في الحلم والأمل الشعبي أو يمعن أنصار الله في ترجي المستحيل لتقليص ذلك أو نسيانه ومسحه من عقولهم، فقد قرر أنصار الله منذ البداية مواجهة العدوان وتوحيد الجبهة الداخلية وبناء مؤسسات الدولة اليمنية، وهذا ما يريد المجتمع منهم أن ينجزوه، ليكون الشعب اليمني كله أنصار الله.

أترك تعليقاً

التعليقات