عن القناص
 

كارلوس شهاب

كارلوس شهاب *

بدأت الموجة الأولى من الاحتجاجات العراقية في الأول من أكتوبر 2019. حصدت هذه الموجة 150 شاباً عراقياً. تعددت أسباب القتل، لكن الحصة الأكبر كانت بنيران القناصة. ومع القطع المستمر وقتها لشبكة الإنترنت فتحت الحكومة بهذا الإجراء الغبي باب التكهنات على مصراعيه.
ومع هذا العدد من الشباب تنفلت العاطفة من عقالها ولا يبقى أي دور للعقل. إلى جانب هذا تصب الدعاية الأمريكية الزيت على نار هذه العاطفة، فتسمع حشرجة هنا عن ألوية معينة من الحشد الشعبي هي من قنصت الشباب بأمر سليماني. هناك يقسم أحدهم إنه تعرّف على قناص إيراني غالباً ينتمي لفيلق القدس. من في الخارج تصلهم أخبار على شكل كلمات متقاطعة فيرتبونها لتظهر بالشكل نفسه. تكرار الاستهداف ذاته على جهة سيرسخ الاستهداف على أنه حقيقة لا تحتاج إلى أي دليل. بهذه الفورة وخلط الأوراق والضبابية لا يبقى للحقيقة أي شيء، ولا يبقى مكان لطرح أي فكرة عن القناص الذي اختفى.
ما بين الثورات/ الانتفاضات/ الهبات والقناص المجهول علاقة تمتد لثلاثين سنة تقريباً. في الثورة الرومانية عام 1989 ظهر القناصة لأول مرة في الثورات. في الفترة الممتدة من 22 إلى 25 ديسمبر كانت نيران القناصة تحصد الناس في شوارع بوخارست، ليس الناس وحدهم، بل حتى قطعات الجيش التي نزلت شوارع بوخارست وأعلنت "ولاءها لحكومة جبهة الإنقاذ الوطني" لم تسلم من نيران أولئك القناصة المجهولين. ما يثير الدهشة في قناصة بوخارست أن من أُلقي القبض عليهم من هؤلاء كانوا قد تبخروا أيضاً من الزنازين وأسرّة المستشفيات (هذا الاختفاء حدث مثله قبل أيام في العراق عندما أُلقي القبض على راكب دراجة نارية يطلق النار من مسدسه ويصور في الوقت نفسه أيضاً، هو الآخر اختفى ولم يسمع عنه شيء ولم يتطوع أحد بالسؤال عنه). يسلط الفيلم الوثائقي "كش ملك: استراتيجية الثورة" الذي بثته شبكة "آرتي" الفرنسية ضوء على حقيقة هؤلاء القناصة، وهم فرق الموت الذين زرعتهم أجهزة الاستخبارات الغربية لزعزعة الأمور في رومانيا. ويساند هذا التقرير الباحث الصحفي الروسي نيكولاي ستاريكوڤ (المُتّهم بأنه من أنصار نظرية المؤامرة). ولكن ظل من زرعوا الرعب في بوخارست مجهولين إلى يومنا هذا. هنالك موضوع طريف حول هوية قناصة بوخارست، حيث اتُهم الفلسطينيون وقتها بأنهم من كانوا يقنصون الرومانيين. إلى هنا وصل تلاطم الشائعات! 
ليست رومانيا وحدها، ففي فنزويلا عام 2002 عندما دعمت المخابرات الأمريكية انقلاباً فاشلاً ضد الراحل هوغو تشافيز توجهت جماهير المعارضة صوب القصر الرئاسي فأطلق قناصة مجهولون النار عليهم وأسقطوا 18 قتيلاً، ورُفعت هذه الموقعة كحجة للتدخل الأجنبي. والملفت في الموضوع أن القناصة لم يعرفهم أحد أيضاً. ويستمر دور القناص المجهول في تايلاند وقيرغيزستان عام 2010 وقبلهما في روسيا عام 1993. فموضوع القناصة المجهولين ليس بجديد، وكتبت عنه عشرات المقالات والكتب والأفلام الوثائقية، لكن أحدهم لم يُعرف إلى الآن.
من كان يريد مني جواباً دقيقاً حول قناصة الموجة الأولى في العراق فأنا أعتذر منه، لأني لا أعرف، ولا يوجد أحد يعرف، فأمام هذا التلاطم الذي تغذيه الدعاية ودس الناشطين وأساطير الصفحات الفيسبوكية ينبغي الهدوء إذا كنت تبغي الحقيقة. إما إذا كنت تبغي أي جواب فهنالك كتبة عراقيون يتطوعون دون سؤال وملتزمون بالدعاية الأمريكية جداً ولا يحيدون عنها قيد أنملة.
(*) كاتب وباحث عراقي.

أترك تعليقاً

التعليقات