«أكتوبر» مرتـقب
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

لا تدري كم ستحتاج عدن العزيزة وجنوب اليمن الحبيب من الوقت حتى تشتعل فيه "14 أكتوبر" أخرى، تحرره من الاستلاب للغزاة وتبعا أسباب الاضطراب ومواقد الالتهاب. فقد أدامت أدوات الغازي الاحتلال البريطاني 128 عاما من الخضوع والتبعية والوصاية و"فَرِق تَسُد" و"جَهِل تُمَجّد"!
لكن ما أعرفه أن شمس إمبراطورية بريطانيا العظمى أشرقت باحتلالها عدن في 19 يناير 1839، فاتسعت رقعتها شمال وجنوب أفريقيا وشرق وجنوب آسيا، وتبعا هيمنتها على خطوط وحركة الملاحة الدولية، لتنتزع ملكة بريطانيا فيكتوريا لقب "ملكة البحار والمحيطات".
ومثلما كانت عدن الميناء وجنوب اليمن مشرق شمس إمبراطورية بريطانيا، كانت أيضا مغربها، وبإجلاء قوات القاعدتين البحرية والجوية البريطانيتين من جنوب اليمن، وانتزاع النضال اليمني الاستقلال الوطني الكامل، كان أفول شمس هذه الإمبراطورية فعليا.
لم يكن استقلال جنوب اليمن أمرا سهلا ولا تحصيل حاصل المد التحرري وإعلان الأمم المتحدة دعم استقلال الدول وحرية الشعوب وتصفية الحقبة الامبريالية وما يسمى تجميلا "الاستعمار" فيما هو احتلال غاصب للأرض، وسالب لإرادة الشعب، وناهب للثروة.
تاريخيا، ليس من عادة قوى الغزو والاحتلال تعمير الأرض التي تحتلها أو تطوير الشعوب التي تغزوها. وفي أحسن الأحوال لا تشيد إلا ما كان ضروريا لدوام احتلالها وخدمة قواتها وأدواتها المحلية، كما حدث في ما سمي "مستعمرات" بريطانيا، وبصورة أبرز عدن وجنوب اليمن.
يكفي أن يعلم القارئ أن أول مدرسة شيدتها سلطات الاحتلال في عدن كان بعد 12 عاما على الاحتلال، ففتحت مدرسة "البادري"، ولغاية تعليم أبناء السلاطين والمشايخ الإنجليزية لتسهيل التعامل مع آبائهم، واستمرت عامين قبل أن تغلقها ثم تعيد فتحها بعد 7 سنوات أو أكثر.
البعض يعتد بأن أول منطقة حرة في المنطقة كانت في عدن، أول محطة كهرباء، أول محطة تحلية مياه، أول دار عرض سينمائي، أول شركة طيران مدنية، أول إذاعة، أول تلفزيون ...إلخ؛ لكن السؤال الأهم: لمصلحة من؟! من كان هو المستفيد من هذه الخدمات؟! والإجابة: ليس أصحاب الأرض.
ظل أهالي عدن ومدن جنوب اليمن يعيشون حياة بائسة جدا. فخدمات المياه والكهرباء والهاتف والتعليم والصحة، ظلت استثمارات مدفوعة القيمة، ومحدودة الانتشار، والانتفاع بها محصوراً على من لديه "مخلقة" (شهادة ميلاد) في عدن، وهؤلاء ظلوا قلة يؤكدون بؤس العامة.
هؤلاء القلة أنفسهم هم وحدهم من يترحمون على الاحتلال البريطاني، ويمجدونه بما ليس فيه ولم يكن منه، ويذمون ثورة الـ14 من أكتوبر 1963، ولا يخفون بغضها، بل ويحقدون على شمال اليمن لاحتضانه ثوارها وجبهتي "التحرير" و"القومية"، ودعمه الثورة حتى انتزاع الاستقلال.
الحال نفسها مع قوات تحالف الحرب ومليشيات قطبيه السعودي والإماراتي؛ يمجدها المنتفعون منهما، رغم علمهم أن لا حليف دائماً لهما عدا مصالحهما، وكيف تتقلب مواقفهما من أدواتهما، ويهلك تنافسهما على النفوذ، البشر والحجر والشجر والبحر وكل شيء على مرمى النظر، إلا من كان أعمى البصر!

أترك تعليقاً

التعليقات