مَن تكون؟!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

ألفاني شارداً، وسألني مباغتاً: مِن أين أنت..؟ من أي بلاد؟ قلت: يمني مثلك. وأردفت: من هذه البلاد، اليمن. زاد تحديقه فيّ، تفحصاً لسحنتي وتدقيقاً للكنتي، على نحو لا يخفي ريبة، أو حذراً يقيد أمراً بداخله تجاهي أو يحكم تعامله معي. 
ضحك سائلي بابتسامة صفراء، واقترب مني أكثر، وأردف باهتمام أكبر، ونهم إلمام أوفر، مستدركاً: أدري.. أدري أنك يمني.. لكني أقصد من أي بلاد، مِن أي قبيلة أنت، أي منطقة وقرية، وحزب وجماعة، ومذهب وطائفة.. تبع مَنْ تكون..؟!
بدا السؤال غربال محص أو أنبول فحص دم، كما لو كنت حبة رمل وضعت تحت مجهر، أو حجراً جز مِن جبل، أو نبتة قطفت مِن سهل، أو أداة صنعتها ماكنة معمل، أو سلعة تخضع لاختبار صلاحية المأكل، أو لافتة كتبت على عجل بواجهة محفل!
أخبرته بنبرة شجية: أنا لست اسماً في مشجرة، أو رقماً في عريضة، أو صوتاً في جداول ناخبين أو فرقة أو خلية! لست قضية أو ملفاً، ولا مذهباً أو فكرة.. لست جبلاً ولا حيداً أو صخراً، ولا وادياً أو سهلاً أو ساحلاً أو بادية.. مثلك أنا في المجمل.
أنا لست صنعائياً أو عدنياً، ولا إبياً أو ضالعياً، ولا تعزياً أو أبينياً، ولا ذمارياً أو حضرمياً، ولا بيضانياً أو شبوانياً، ولا مأربياً أو أمهرياً، ولا ريمياً أو محويتياً، ولا حجاوياً أو لحجياً، ولا جوفياً أو عمرانياً، ولا صعداوياً ولا سقطرياً، ولا تهامياً أو جيزانياً أو عسيرياً أو نجرانياً.
لست زيديا ولا شافعيا، ولا حنبليا ولا حنفيا، ولا مالكيا ولا صوفيا، ولا أشعريا ولا إسماعيليا أو اثني عشريا.. كما أني لست "دحباشيا" ولا "برغليا" ولا "حركشيا" ولا "تمباكيا" ولا "جعربيا" ولا "مراوعيا" ولا "زمرويا" أو "طغمويا" أو "عصبويا" ولا "ساحاتيا".
لست "عفاشيا" ولا "محسنيا" ولا "دنبوعيا" ولا "حوثيا" ولا "يدوميا" أو "زندانيا".. لست "أحمريا" ولا "بيضيا" ولا "جفريا" ولا "عطاسيا" ولا "عيدروسيا" ولا "بريكيا".. لست "مؤتمريا" ولا "أنصاريا" ولا "إخوانيا" ولا "اشتراكيا" ولا "بعثيا" ولا "ناصريا" ولا "ربيعيا".
لست شمالياً ولا جنوبياً ولا شرقياً ولا غربياً ولا شمالياً شرقياً ولا جنوبياً غربياً ولا شرقياً جنوبياً ولا غربياً شمالياً.. لست جبالياً ولا هضابياً (هضبوياً) ولا سهلياً ولا صحراوياً ولا ساحلياً ولا جزروياً ولا من "أصحاب مطلع" أو من "أصحاب منزل". 
لست حاشدياً ولا بكيلياً ولا مذحجياً ولا عكياً ولا كندياً ولا شحرياً ولا أمهرياً.. لست معينياً ولا سبئياً ولا حميرياً ولا حضرمياً ولا قتبانياً ولا أوسانياً ولا تهامياً.. أنا لست جهة مكان ولا يحصرني كيان.. ولست فكرة مذهب أو وجهة حزب أو تجمع. 
أنا لست أياً مما سلف، لأني من كل ما سلف وكل ما سيخلف.. لا تحصرني قبيلة أو منطقة، ولا تختزلني طائفة أو عشيرة، ولا تؤطرني بطاقة عضوية في حزب أو جماعة أو خلية، كما لا تمثلني راية أو لافتة قماشية.. ولست ظاهرة صوتية.
أنا كل القبائل، وكل السمائل والعباهل، وكل العوائل والشمائل، وكل المسائل والمشاكل، وجواب التساؤل، لأني يماني الموائل، يشجبي النواهل، يعربي الأوائل.. الله ربي، وأنبياؤه ورسله، أنبيائي ورسلي، وكتبه كتبي، وله أنا وأنت وجميعنا نصلي.
أنا كما هي تضاريس هذه الأرض وجغرافيتها، جذوري تتفرع وتتشابك، وشراييني تتلاقى وتتقاطع لتنتشر في أرجاء اليمن، كما هي وديانه وسيول مياهه.. لي في كل أنحاء اليمن، قرابة دم وصلة رحم، ومحال فصمها أو تمييزها عني عرقا ودما ولونا.
أنا قدرك وأنت قدري، جدنا واحد إن كنت تدري، أحسابنا وأنسابنا واحدة، لست أفضل منك ولا أنت أفضل مني، قيمنا واحدة ومثلنا مشتركة، أمجادنا وأوجاعنا واحدة كما صفتنا اليمانية، ولست تغلبني ولا أنا غالبك، فلست قويا دونك ولا أنت أقوى إلا بي.
ذلك أنا وذاك أصلي، إن كنت تفهم قصدي.. مثلك أنا منذ وجدت، وجدت حراً يمانياً يعربياً أبياً، هنا على هذه الأرض الطيبة، إرث أجدادنا الوقفي، لك ولي ومن يلينا من أصلابنا.. تسعنا جميعنا، وليس لنا إلا إعمارها بالتفاني والانتفاع منها بالتساوي.
قدرنا أن نكون شركاء في النعمة، إن اتحدت أيادينا، ووجهتنا ومرامينا.. مثلما هو قدرنا أن نكون شركاء في النقمة، إن تفرقت أيادينا، وتعددت وجهاتنا واختلفت مرامينا.. ذلك حالنا منذ الوجود: خاصرة العالم في أيدينا، تغري الآخرين فينا، إن وهنت قبضتنا.

* من منشور سابق في 10 أكتوبر 2013م، بعنوان "يماني وحسب"، جرى توسيعه مواكبة للحال.

أترك تعليقاً

التعليقات