الصراع في اليمن: من مع من؟
 

د. حسن زيد بن عقيل

د. حسن زيد بن عقيل / لا ميديا -

كانت المعارك في محيط قصر معاشيق الرئاسي في 7 أغسطس بين قوات الحرس الرئاسي وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، ثم الغارات الجوية التي نفذتها الإمارات ضد القوات الحكومية الموالية للسعودية 28 - 29 أغسطس، هي بداية نهاية لما يسمى بالتحالف العربي، الذي تقوده السعودية منذ عام 2015. من المرجح أن تثير أحداث أغسطس تساؤلات حول الدوافع والولاءات، من مع من؟ 

العدوان على اليمن لم يبدأ مع إعلان السعودية الحرب على الحوثي 2015، بذريعة إعادة أو الحفاظ على «الشرعية» ووقف التوسع الإيراني الشيعي في اليمن. العدوان على اليمن بدأ من قبل بكثير. في عام 2010 اجتمع الرئيس علي عبدالله صالح مع الجنرال ديفيد بترايوس، قائد القيادة المركزية الأمريكية، للتباحث حول جزيرة سقطرى والمناطق الساحلية على بحر العرب وراء أبواب مغلقة. بعدها أرسلت السلطات في صنعاء تعزيزات عسكرية إلى شرق اليمن بحجة محاربة الإرهاب، وقد وعد حينها الجنرال ديفيد بترايوس بدعم اليمن.
من الأهداف الاستراتيجية لواشنطن عسكرة الطرق البحرية الرئيسية المرتبطة بمضيق باب المندب. تعمل الولايات المتحدة على إنشاء قاعدة عسكرية في جزيرة سقطرى للسيطرة على الشحن، بما في ذلك السفن الحربية في خليج عدن والمحيط الهندي. من سيطر على سقطرى سيطر على الطرق البحرية الاستراتيجية للبحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي. جزيرة سقطرى مهمة أيضا للجيش الأمريكي بعد تفريغها من سكانها الأصليين وتأسيس قاعدة عسكرية بحرية للأمريكان، لأن سقطرى تقع على بعد حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر من القاعدة البحرية الأمريكية في دييغو غارسيا، التي هي أيضا جزيرة فرغها الأمريكان من سكانها الأصليين، وهي إحدى أكبر القواعد البحرية الأمريكية خارج حدودها. 
تسربت النوايا السيئة للأمريكان لروسيا الاتحادية حول نوايا الولايات المتحدة الاستيلاء على جزيرة سقطرى عبر أذرعها الخليجية. سقطرى كان فيها قاعدة بحرية سوفييتية وفقدتها بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وحاولت روسيا استعادتها من خلال المفاوضات مع الرئيس علي عبدالله صالح بعد الوحدة اليمنية. أعلنت البحرية الروسية، بعد لقاء الرئيس صالح بالجنرال ديفيد بترايوس، أنها لم تتخل عن خططها لإقامة قواعد لسفنها في جزيرة سقطرى. 
في هذه الفترة حركت الولايات المتحدة أذرعها في مجلس التعاون الخليجي، بالذات دولة قطر والإمارات. دولة قطر بذات تنشيط دبلوماسيتها في اليمن في وقت مبكر قبل الإمارات، وذلك من خلال الحرب بين الحوثيين والرئيس صالح في منطقة صعدة. لعبت قطر دوراً هاماً في المصالحة بين صالح والحوثي. وفقا لــ«اتفاقية الدوحة» التي أبرمتها صنعاء مع الحوثيين في فبراير 2008 سافر السيد عبدالكريم الحوثي إلى قطر وأقام فترة في الدوحة. السيد عبدالكريم الحوثي، عم زعيم الحوثيين السيد عبد الملك الحوثي، هو رجل شجاع وصاحب القرار العسكري والسياسي في صنعاء، ويشكل مع السيد محمد علي الحوثي، رئيس اللجنة الثورية، الجناح الراديكالي لأنصار الله. كان عبد الكريم الحوثي مقربا من النظام القطري. 
قطر دعمت وتدعم جماعة الإخوان المسلمين في توسعهم في المحافظات الجنوبية والشرقية (أبين وشبوة ومأرب والبيضاء وحضرموت). يلاحظ في الفترة 1993 - 1997 تضاعف عدد الجمعيات الخيرية والمراكز الإسلامية في المحافظات الجنوبية التابعة للإخوان أربع عشرة مرة. مثلا في محافظة حضرموت كان عدد الجمعيات الخيرية 11 جمعية قبل حرب صيف 1994، وصل عددها في نوفمبر 1997 إلى 142 مركزا وجمعية خيرية. البيانات المصرفية كشفت أن تمويلات مالية تأتي من قطر. هذا التغلغل القطري الواسع في اليمن أغضب المملكة السعودية. بعثت الرياض برسالة إلى الدوحة تؤكد عدم ارتياحها من نشاطها في اليمن، عبر وسيط كويتي. تفيد الرسالة بأن تترك قطر ملف اليمن. بعدها يتم نقله إلى المملكة. الدوحة رفضت القيام بذلك، فكانت النتيجة مقاطعة قطر. إذن ذراع قطر القبلي - الإخواني في اليمن قوي ولا يستهان به، فهو موجود ونشط على الساحة اليمنية في مدينة تعز ومدن أخرى. وتوج النشاط القطري في اليمن بأن ترسل الدوحة أحد أركان النظام، الشيخة موزة بنت ناصر المسند، 2013، إلى جزيرة سقطرى، لتؤكد أن للدوحة أهدافاً ومصالح في الجزيرة. وفي الفترة نفسها (الشهر والسنة) زار جزيرة سقطرى سلطان بن خليفة بن نهيان، ليؤكد هو الآخر أن لأبوظبي أهدافاً ومصالح في الجزيرة. هذا التدخل الخليجي في اليمن كان قبل أن تظهر حركة أنصار الله. وما عدوان أو ما يسمى «عاصفة الحزم» (2015) على اليمن إلا وسيلة لتنفيذ الأجندة الأمريكية - الصهيونية، وهي احتلال الموانئ والجزر اليمنية، وأهمها جزيرة سقطرى. 
أما علاقة اليمن بدولة الإمارات خلال السنوات الأولى تحت قيادة مؤسسها زايد بن سلطان بن نهيان (1974 - 2004) فكانت تقوم على أسس ودية واحترام متبادل وعدم التدخل في الشأن الداخلي اليمني. لكن في السنوات القليلة الماضية حصل في دولة الإمارات تغييران كبيران على مستوى السلطة كان لهما التأثير الأكبر على دوائر صنع القرار السياسي والسياسة الخارجية لدولة الإمارات. الأول: تحول النفوذ داخل الإمارات السبع من إمارة دبي إلى إمارة أبوظبي، الثاني تحول السلطة من أيدي حاكم دبي محمد بن راشد ورئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد إلى يد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد. تحت قيادة محمد بن زايد حصل تغيير جذري في سياسات الإمارات بعد أن كانت محصورة ومركزة على الجوانب الاقتصادية والاستثمارية. ثم انتقلت للتوسع الاقتصادي والعسكري في الخارج، وكذا الانتقال من الاعتماد على القوة الناعمة إلى الاعتماد على القوة الصلبة والقاسية. هذان السببان كانا وراء التحول في سياسة الإمارات ودفعها للتدخل في العديد من البلدان، ومنها اليمن. إن إعلان عملية ما يسمى «عاصفة الحزم» بقيادة السعودية لمحاربة أنصار الله واستعادة «شرعية» الدولة اليمنية، كانت فرصة الإمارات للمشاركة فيها وعبرها تحقق أهدافها في الهيمنة على الموانئ والجزر اليمنية وأهمها سقطرى. لكن هذه المرة تدخُّل الإمارات في اليمن كان مع السلاح، وأصبحت القوة العسكرية الإماراتية هي النشطة في جنوب اليمن من عام 2015 وأداة لتنفيذ سياسة أبوظبي الخارجية المتمثلة في فرض نفوذها الاقتصادي والعسكري. لهذا نجد أن الإمارات أكثر الداعمين الإقليميين لانفصال الجنوب بقيادات يمنية تابعة لأبوظبي. إن الجنوب المنفصل يعطي الإمارات موطئ قدم على باب المندب الذي يربط البحر العربي والقرن الأفريقي بالبحر الأحمر، في طريقه إلى قناة السويس والبحر الأبيض المتوسط. 
أبوظبي استثمرت موارد مالية وعسكرية ضخمة في اليمن، وحتما ستقوم بما هو مطلوب للحفاظ على نفوذها في جنوب اليمن على الرغم من التكلفة.
أحداث أغسطس 2019 أظهرت الإمارات كراع وداعم أساسي للمجلس الانتقالي الجنوبي وقياداته الطموحة إلى قيام سلطتهم المستقلة في عدن. القادة الإماراتيون، ربما يكونون قد اتخذوا بالفعل قرارا بتعريض التحالف ومصالح السعودية في اليمن للخطر، حتى تتمكن من تحقيق أهدافها، وهذا الذي يحصل الآن في عدن. أمام الإمارات الآن جبهتان: الأولى: التحالف القطري -القبلي- الإخواني، الثاني: «شرعية» السعودية («شرعية» هادي) وحلفائها. 
الحاصل في جنوب اليمن حاليا كان لا بد أن يحصل، الآن أو غدا. تشكل التحالف من الدول الإسلامية ذات الأغلبية السنية بسرعة، بقيادة السعودية، ومعها الإمارات وقطر والمغرب والسودان والسنغال. وتدخل التحالف في اليمن نيابة عن الحكومة في مارس 2015 بهدف إعادة السلطة «الشرعية». تم تشكيل هذا التحالف من دون وضع برنامج يحدد أهدافه أو حتى وضع ضوابط تلتزم به أطرافه. لذا عندما أعلنت الإمارات الانسحاب العسكري من اليمن، هذا الإعلان شحذ المنافسة بين الدولتين الخليجيتين الحليفتين وأصبحتا خصمتين لبعضهما البعض. ظهر التناقض بينهما في العلن عمليا من خلال المواجهة في محيط قصر معاشيق الرئاسي في مدينة عدن في الأسبوع الأول من أغسطس الماضي. الآن الخوف من أن يخرج هذا التنافس عن السيطرة بعد أن شكل وحشد كل فريق مليشياته المسلحة، الطرف الأول: السعودية يتبع لها قوات ومليشيات هادي وبعض القبائل الموالية له وحزب الإصلاح (فرع حركة الاخوان). الطرف الثاني: قطر وتركيا وحلفاؤهما من حزب الاخوان المسلمين وبعض شيوخ القبائل. الطرف الثالث إضافة إلى ما ذكر: هناك وحدات وكتائب عسكرية يمنية مدربة تدريباً عالياً قامت بتأهيلها الإمارات وتحظى باهتمام أمريكي - أوروبي واسع. أهلتها الإمارات لهذه المرحلة بشكل مدروس ومخطط له مسبقا للاستيلاء على السلطة. هذه الحرب ضربة مؤلمة للسعودية، وتثير تساؤلات: هل ينبغي على الرياض مواصلة حربها غير المثمرة في اليمن؟ أبوظبي أعلنت ميدانيا أنها تسعى لخدمة أهدافها من خلال دعم المجلس الانتقالي الجنوبي. وقد لا تنتهي حرب التحالف ضد الحوثيين لصالح قوى التحالف أو تساعدهم في تنفيذ أهداف أمريكية - «إسرائيلية» في الجزر اليمنية وبالذات في سقطرى. في ظل الحالة السائدة الآن، نستطيع أن نقول إن الحوثيين هم الأقوى على الساحة اليمنية، رغم أن موقف أنصار الله لا يزال غامضا من أحداث الجنوب. أما المعارضة فقد أصبحت أكثر تشتتا وتمزقا، والسعودية أقل أمانا وأكثر تشويها. 
الخلاصة أن الواضح الآن أن الحرب تميل حاليا لصالح أنصار الله، وتشكل عبئاً ثقيلا للغاية على كاهل السياسة الخارجية السعودية ويضعها في موقف العاجزة على تخليص نفسها من الكارثة التي أدخلت نفسها فيها. أيضا هذه الحرب تلقي بظلال من الشك على قدرة قادة الإمارات وقطر على تحقيق أي إنجاز لدولهم أو لحلفائهم من خارج المنطقة، إلا ما كان يخدم اليمن وشعب اليمن فقط. اليمن عمق استراتيجي لهم، عليهم الحفاظ عليه.

كاتب ومحلل سياسي يمني. 

أترك تعليقاً

التعليقات