كارلوس شهاب

كارلوس شهاب -

في مطلع القرن العشرين، ومع التغلغل البريطاني في الخليج العربي، انفجرت المنطقة كلها بصراع بين ممثّلي الدولة العثمانية وبين وكلاء الغرب، وبالأخص بريطانيا؛ ولعل صراع بني رشيد وبني سعود كان أبرز التمظهرات. 
ولكن صراعاً آخر مشابهاً لما دار في نجد، قد دار في الكويت منذ العام 1896، وساهم برسم شكل إمارة الكويت السياسي وتثبيت حكم بني الصباح لما تلاه، وهو الصراع الذي دارت رحاه بين بني مبارك وبني إبراهيم.
منذ نشأة الكويت، وحتى العام المذكور أعلاه، كان حُكم الكويت يقوم بشكلٍ تشاوري، والسهم الأكبر فيه للتجار البحريين، علماً أن بني الصباح، قبل عصر النفط لم يكن لديهم أي مدخولات، بل قامت معيشتهم بالغالب على ما يرصده التجار للمشيخة، وعلى بعض بساتين النخيل في البصرة التي جاءت كهدايا لمشايخ بني الصباح. وعليه، كان للتجار الصوت الأعلى في المشيخة، ولعل هذا كان السبب في بقاء الكويت موالية اسمياً للدولة العثمانية حتى العام 1896. 
من أكبر الأسر التجارية كانت أسرة بني إبراهيم، التي يرتبط بنو الصباح بها بالمصاهرة، وقد أعفوهم من الجمارك والضرائب. كانت تُطلق على كبار هذه الأسرة تسمية "ملوك اللؤلؤ"، لسيطرتهم على تجارته، وكان لديهم كذلك بساتين نخيل في البصرة، تدرّ عليهم مالاً وفيراً، وكانت معظم الإنشاءات في الكويت مُلقاة على عاتق التجار، وخصوصاً بني إبراهيم، مثل بناء سور الكويت والمدرسة المباركية وغيرها.
في العام 1896، كان على رأس مشيخة الكويت محمد بن صباح، ويعاونه إخوته مبارك بن صباح وجرّاح بن صباح. ارتبط محمد بمصاهرة مع التاجر يوسف آل إبراهيم، زعيم بني إبراهيم، الذي كان قريباً من الدولة العثمانية (وقد استدعى قرب الأخير من الدولة العثمانية هجوم كل المؤرخين البريطانيين عليه وتشنيعه وتلقيبه بأبشع الأوصاف، وقيامهم كذلك بتسميته بـ"العراقي"، بحجة أنه غريب على الكويت، بالرغم من أن بني إبراهيم استقروا في الكويت بوقت قريب لاستقرار بني الصباح فيها)، وبحكم ما ورد أعلاه من سطوة التجار، كانت الكويت أقرب بدورها إلى الدولة العثمانية.
نتيجة لهذا الوضع، حرَّضت بريطانيا مبارك الصباح على اغتيال إخوته، في حادثة لم تشهدها المشيخة سابقاً، إذ تم إطلاق النار على محمد وجرّاح في فراشهم ليلاً، وانتهت الليلة الدامية صباحاً بإعلان مبارك نفسه شيخاً للكويت، ووضع أبناء إخوته تحت الإقامة الجبرية كرهائن، ليحدَّ بذلك من تحركات يوسف آل إبراهيم، الذي وصلته أخبار المذبحة.
بعدها، بدأ الصراع يأخذ منحىً أكثر حدّة، بداية من المنازلات أمام القضاء العثماني، مروراً بتسيير حملة بحرية من قبل يوسف آل إبراهيم، وحث مبارك للبريطانيين على الإسراع بعقد معاهدة حماية مع الكويت في العام 1899، ووصولاً إلى معركة الصريف عام 1901 بما حملته من فرز للمعسكرين المتصارعيَن، فكان مبارك الصباح وعبد الرحمن آل سعود وابنه عبدالعزيز في جهة، وعبدالعزيز آل رشيد وحليفه يوسف آل إبراهيم في الجهة المقابلة. 
على الرغم من الدعم البريطاني لمبارك، هُزم في هذه المعركة، وترتّب عليها بعد سلسلة مناوارات أن يقوم ابن رشيد بمهاجمة الكويت وإزاحة مبارك، مما استدعى بريطانيا إلى إرسال ثلاث قطع بحرية وإنزال جنود بريطانيين، مما جعل ابن رشيد يكتفي بالحصار الاقتصادي، قاطعاً كل طرق نجد صوب الكويت.
في ذلك الحين، استمر يوسف آل إبراهيم بالمنازلات القضائية وغارات صغيرة انتهت بوفاته عام 1906، طاويةً لصفحة ناهزت العشر سنوات من الصراع، وترتّب عليها استقرار بني إبراهيم بين البصرة وقطر والهند، واستقرار أبناء محمد وجرّاح آل الصباح في الزبير لمدة ستين سنة عاد أحفادهم بعدها إلى الكويت بعد زوال العداوة واستتباب الحكم. 
فكان أن ثبّت انتهاء هذا الصراع آل الصباح، ملغياً المبدأ التشاوري. ثمّ جاء عصر النفط ليُنهي سطوة التجار المالية على الحكم، ويضع السلطة المُطلقة بيد بني الصباح.

أترك تعليقاً

التعليقات