فاسد محرج!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

تابعت زيارة الممثل المقيم للأمم المتحدة ومنسقة الشؤون الإنسانية في اليمن ليز غراندي، لجمرك صنعاء، ومعاينة شحنات مواد اغاثة برنامج الغذاء العالمي لليمن، ولاحظت كم كانت محرجة لها جداً، حداً زادت معه احمراراً على احمرار سحنتها الأمريكية.
24 ألف طن.. مواد ومكملات غذائية وأدوية فاسدة ومنتهية الصلاحية.. رقم كبير جداً، ينفي احتمال أن يكون توريد كل هذه الكميات خطأً عارضاً، أو أن يكون تلفها ناجماً عن سوء ظروف شحن أو تخزين، ويُبطل محاولة التماس العذر!
الفساد حاضر بجلاء، أكان في توريد هذه الشحنات من المواد الغذائية التالفة والمقاربة على انتهاء الصلاحية وغير الصالحة للاستخدام الآدمي.. أو في إدارة مليارات منح مساعدات الإغاثة التي تُجمع باسم "مأساة اليمن" وكونه يشهد "أسوأ أزمة إنسانية في العالم".
نفقات بعثة برنامج الغذاء العالمي إلى اليمن من "رواتب موظفين، نفقات مسوحات ومعلومات، إيجارات مقار ومخازن، حراسة، وسائل نقل، اتصالات وإنترنت".. الخ.. شاهد عبث يعمل بقولهم "مِن حق عمه ما همه"، لكن هذا لأن "المال السائب يعلم السرقة".
دعكم من رواتب موظفي بعثة البرنامج في اليمن التي تنافس رواتب رؤساء الجمهوريات الأوروبية، وتحصد وحدها 50 مليون دولار لمدة 11 شهراً ولعدد 8 موظفين، منهم 3 أجانب يستحوذون على 60% من المبلغ، و5 يمنيين تتوزع عليهم بقية المبلغ.
تخيلوا مليوناً و200 ألف دولار سنوياً نفقات إنترنت بعثة البرنامج، ما يعادل 660 مليون ريال. كما لو أنه يشحن ويحمل أطنان الدقيق والفاصوليا وينزلها إلى اليمن عبر الإنترنت لا عبر سفن شحن وقاطرات نقل، ينفق عليها البرنامج ملايين الدولارات!
هذه الملايين الخضراء، يمكن توفيرها لزيادة كميات المساعدات، فقط لو أن البرنامج اعتمد الشراء من السوق المحلية. ذلك خيار مطروح على البرنامج من صنعاء، توفيراً لنفقات الشحن، وتجنباً لمشكلات سوء ظروف الشحن والتخزين وتبعاً التلف.
علق أحدهم على احتجاجات صنعاء وانتقاداتها كل ما سلف وغيره من ممارسات برنامج الغذاء العالمي، قائلاً: "حالكم تشبه ذلك الذي قيل له: بلاش كل واشكر، قال: مع، ما بلا اوزنه". قلت بل حال البرنامج كما قيل في المثل: "سارق ومبهرر"!
لكن ما سلف لا يعني أن البرنامج لا يسدي نفعاً بالمطلق. هناك نحو مليون سلة غذائية يقدمها البرنامج تؤمن أسباب العيش لنحو 10 ملايين يمني من ثلثي اليمنيين حولتهم الحرب وأدواتها الاقتصادية إلى فقراء معدمين يواجهون خطر الموت جوعاً!
مؤسف جداً أن تنجح هذه الحرب في تحويل اليمن إلى مزاد دائم للاتجار بمأساته والتربح من دماء شعبه وأرواحهم، واعتلال صحتهم، وقطع رواتبهم وفرص عملهم، وقسر تهجيرهم من منازلهم بقصف الطيران، وإرغامهم على النزوح في غياهب التشرد المهين!
نعم، محزن حد الكمد أن تنجح هذه الحرب في شقها العسكري والاقتصادي في تحويل جل اليمنيين من شعب الغلال إلى شعب السلال، إلى إرغامهم على اللجوء لاستمارات تسول السلال وبياناتها الممعنة في الإذلال، والاصطفاف في طوابير المهانة والانخذال!

أترك تعليقاً

التعليقات