راسل القرشي

راسل القرشي / لا ميديا -

من الأمور العجيبة والغريبة التي يسطرها من يسمون أنفسهم قادة للدول الإسلامية، أن يذهب كل منهم إلى انتقاد الآخر، فيما هو يمارس نفس الممارسات وربما أكثر بحق خصومه ومعارضيه..
استمعت لكلمة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد تأديته صلاة الغائب على الرئيس المصري المعزول محمد مرسي (رحمة الله عليه).. استمعت لانتقاداته التي وجهها للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، وقال إنه أمر بإعدام أكثر من 50 شاباً مصرياً ظلماً.. كما قال إن ممارساته وتصرفاته وسلوكياته هو ونظامه تستهدف جميع المسلمين، وليس مرسي وحده..
أردوغان وأمثاله يتحدثون هكذا، ويتناسون التصرفات التي يمارسونها والسلوكيات التي يعكسونها تجاه معارضيهم..!
أردوغان ظهر في كلمته وفي كلمات سابقة ألقاها مرات ومرات كأنه حمل وديع، وأن سياساته وممارساته تجاه معارضيه لا يمكن لأحد أن ينتقدها أو يقول عنها كلمة واحدة..!
تحدث عن الديمقراطية كأنه يجسدها قولاً وفعلاً وممارسة، وأن ديمقراطيته لا تشبه أية ديمقراطية في العالم من حيث الممارسة والتطبيق والاحترام لأسسها ومبادئها وقيمها وما تفرزه من نتائج.. وقال في هذا الشأن: "إن الرئيس محمد مرسي انتخب بطرق ديمقراطية، ولكن هؤلاء - ويقصد السيسي ونطامه - لا يعرفون الديمقراطية، ويرفضون الاعتراف بتائجها"..؛ ونسي أنه وحزبه رفضوا الاحتكام لنتائج الديمقراطية في الانتخابات المحلية التي أجريت قبل 3 أشهر.. رفضوا نتيجة اللعبة الدمقراطية في إسطنبول وأنقرة و7 ولايات أخرى، ولم يتقبلوا هزيمتهم فيها.. وتناقلت ذلك كل وسائل الإعلام العالمية..!
لا يوجد رئيس دولة في العالم أمعن في ممارساته القمعية تجاه خصومه ومعارضيه كما الرئيس التركي رجب طيب أردوغان..
ادعى وحزبه في العام 2016م أن هناك محاولة للانقلاب عليه وعلى الديمقراطية من قبل معارضيه وقيادات عسكرية وقضاة وآخرين، ووجد فيها فرصته لتصفية الشارع السياسي التركي من اغلب معارضيه، وتشديد الخناق على كل من يعارض سياساته وتوجهات حزبه.. ليس هذا فحسب، وإنما وجد في تلك المحاولة الانقلابية الفرصة السانحة لتعديل الدستور ومنح نفسه صلاحيات بلا حدود وتتنافى مع النهج الديمقراطي المتبع..!
مطلع أبريل الماضي نقلت صحيفة "زمان" التركية المعارضة عن وزير داخلية تركيا إعلانه أن عدد من تم احتجازهم بشبهة الانتماء إلى حركة الخدمة منذ انقلاب عام 2016، بلغ 511 ألف شخص، كما أن 30 ألفاً و821 شخصاً مسجونون حالياً لنفس التهمة، فيما تم فصل 38 ألفاً و578 من العاملين بالمؤسسات الوزارية، وإبعاد 5679 آخرين عن مناصبهم..
وأشار الوزير نفسه إلى حبس جزء من المفصولين، من بينهم 11 ألف عنصر أمن و4159 من قوات الدرك و348 من قوات خفر السواحل.. كما لفتت الصحيفة ذاتها إلى أن عدد المواطنين الذين خضعوا للملاحقة القضائية منذ يوليو 2016م على خلفية صلتهم بحركة الخدمة والمفكر الإسلامي التركي فتح الله جولن، تجاوز النصف مليون شخص.. فيما بلغ إجمالي من تم التحقيق معهم من المتهمين بمشاركتهم وصلتهم بالمحاولة الانقلابية 500,650 شخصاً بينما بلغ عدد السجناء من هؤلاء 30,947 شخصاً.. وصدرت مذكرات اعتقال بحق 22 ألف شخص آخرين، إضافة إلى أن 2060 شخصاً من هؤلاء من القُصّر دون سن 18 عاماً..
هذه الأرقام كشف عنها وزير داخلية نظام أردوغان.. وغير أولئك هناك الآلاف من النساء المعتقلات على خلفية صلاتهن بحركة الخدمة وفتح الله جولن، وكثير منهن يعاملن بصورة غير لائقة وغير مشروعة من قبل الأجهزة القمعية التابعة لحكومته.. ويأتي أردوغان ليتحدث عن الديمقراطية التي لا تشبه شيئاً على الإطلاق، واحترامه لحقوق الإنسان.. وفي الوقت نفسه يوجه انتقاداته اللاذعة للسيسي وغيره ممن صنفوا "جماعة الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية..!
وأنا هنا لا أقصد من وراء هذا الدفاع عن السيسي ونظامه..؛ ولكن هدفي التطرق لهذا التناقض العجيب والغريب للرئيس التركي أردوغان الذي نراه ينتقد بثقة كبيرة غيره من الأنظمة، وينسى أنه لا يقل سوءاً عنهم، وربما فاقهم في السوء، وهذا هو الواضح من المشهد السياسي العام في تركيا..
تناقض عجيب وغريب لأردوغان يثير الضحك والسخرية في آن.. ولكن ما عسانا أن نقول لمن لم ينعم الله عليه بالفهم الصحيح!
إنها ديمقراطية أردوغان التي لا تشبه أية ديمقراطية في العالم.. ديمقراطية أنا ومن بعدي الطوفان!

أترك تعليقاً

التعليقات