زين العابدين عثمان

زين العابدين عثمان / لا ميديا -

رغم عرض القوة والقدرات العسكرية الفتاكة للجيش الأمريكي التي تنفذها إدارة الرئيس ترامب في الشرق الأوسط، وإغراق المنطقة بمجموعات نووية ضاربة كحاملة الطائرات النووية "أبراهام لنكولن" والمجموعة الجوية من القاذفات الاستراتيجية المصممة للحروب الشاملة "B-52" وأسراب من المقاتلات الشبح «F-35» وغيرها من المجموعات الهجومية، إلَّا أن إدارة ترامب رغم هذا الكم الهائل ماتزال تصدر قرارات إضافية من شأنها إرسال وتكديس مزيد من القوات والمعدات الأمريكية إلى المنطقة ونشرها وتوزيعها، والتي كان آخرها القرار الذي تضمن طلباً رسمياً من ترامب لدول الخليج (السعودية الإمارات وغيرهما) السماح للبنتاغون بنشر قوات أمريكية برية وبحرية إضافية بكامل تجهيزاتها العسكرية والانتشار في أراضيها ومياهها الإقليمية كإجراء آخر جديد ضمن قائمة القرارات الخاصة بما يسمى رفع مستوى الحضور الأمريكي في القيادة المركزية بالشرق الأوسط والاستعداد لمواجهة إيران وأي طارئ استراتيجي قد يشعل حرباً مفتوحة معها. 
هذا العرض الهائل والتموضع العسكري الأمريكي الضخم المخطط والمجهز بالمنطقة وتكديس القوات البرية في دول الخليج، ربما مازال إلى الآن مجرد عروض يصنفها الكثير على أنها تأتي ضمن وتيرة الحرب النفسية والإرباكية التي تمارسها إدارة ترامب ضد إيران والنظام الإيراني، ومحاولة إجرائية لإخضاع الأخير للشروط الترامبية المتمحورة حول العودة للمفاوضات وإعادة صياغة الاتفاق النووي وما يتعلق بسير بروتوكولات صفقة القرن التي من المزمع تنفيذها بعد شهر رمضان، لكن وكما هي المعطيات القائمة التي توحي بأن إيران مازالت ترفض أي تفاوض مع إدارة ترامب، وتفضل الصمود والتمترس خلف ترسانتها الدفاعية والاستعداد لأي سيناريو لحرب شاملة ضد أمريكا إذا ما أقدمت هي على الهجوم، بالتالي ومن هذا المنطلق بالذات نود استعراض توجهات أمريكا التي سنضعها مع مسارات عرض القوة والإمكانات التي تنفذها في المنطقة على صفيح فرضية أن إدارة ترامب تنوي فعلاً تسديد ضربة عسكرية خاطفة ضد إيران، وذلك وفق مخطط حقيقي مشترك مع حلفائها، وأن السقوط في هاوية حرب إقليمية شاملة سيحصل، فهل تستطيع أمريكا تنفيذ الضربة وتحسم الحرب مع إيران بنجاح، وتخرج منها بأقل التداعيات؟ وكيف ستكون ردة الفعل الإيرانية؟
أمريكا وبحجم ونوع القوات والمجموعات الضاربة التي حشدتها خلال الآونة الأخيرة في الشرق الأوسط، تعتبر قوات ذات طابع هجومي وذات قدرات فائقة تلبي متطلبات سيناريوهات الحرب الخاطفة والشاملة وبروتوكولات تدمير المفاعلات والمنشآت النووية والعسكرية الأكثر تحصيناً، فالقوات الضاربة تحوي حاملة الطائرات "U.S.S لينكولن" وقاذفات استراتيجية استخدمت سابقاً في حرب عاصفة الصحراء 1991، واجتياح العراق وأفغانستان، كما تحوي مجموعة صاروخية باليستية ذكية وقطعاً بحرية من المدمرات والطرادات وأسراباً من مقاتلات الشبح F-35 من أسلحة الجيل الخامس الأكثر تطوراً في العالم..
إيران بعد الثورة الخمينية استطاعت أن تطور قدراتها وإمكاناتها العسكرية بمختلف أشكالها، وترفد مخزونها الاستراتيجي بقدرات دفاعية مذهلة جعلت منها الدولة الأقوى في الشرق الأوسط دون منافس، وعليه فهي من واقع معطيات القوة والإمكانات التي تمتلكها حالياً لن تكون لقمة سائغة لأي هجوم أمريكي، فهي تمتلك أنظمة دفاعية حديثة جداً منها منظومات "إس200"، "إس 300"، "كوب"، "تور-إم1"، "بوك" روسية الإنتاج، بالإضافة إلى نظيرتها المحلية نظام الدفاع الجوي "3 Hordad وBavar-373 بافار" الذي يعتبر نسخة موازية حديثة لنظام "إس 300" الروسي، وأيضاً أنظمة الحرب الإلكترونية التي تم شراؤها من دول صديقة (روسيا والصين وربما كوريا الشمالية)، ورادارات متطورة قادرة على تتبع ورصد جميع الأخطار الاستراتيجية على المجال الجوي سواء الصواريخ الباليستية أو طائرات الشبح، والمجال الجوفضائي كالأقمار الصناعية المنخفضة المدار.
كل هذه القوة بطابعها التقني والتكنولوجيا الدفاعية المتطورة قادرة إلى حد كبير على إنزال وتدمير الطائرات الأمريكية والتصدي للصواريخ والأقمار الصناعية، وباستطاعتها التقليل من فاعليتها في أسوأ الظروف..
يوجد لدى طهران أيضاً قوة جوية من الطيران القتالي الذي يمتلك القدرة المثالية للتصادم المباشر مع سلاح الجو الأمريكي، وضرب أهداف بحرية وقواعد ومنشآت أمريكية في مياه الخليج الفارسي وأراضي دول الخليج.
في مجال الردع تمتلك إيران برنامجاً صاروخياً هو الأكثر تطوراً في المنطقة والإقليم، وهو الذراع التي ستعتمد عليها بنسبة كبيرة لمواجهة أمريكا، فلديها مخزون استراتيجي لصواريخ باليستية عالية الدقة وذات مديات بعيدة جداً تتوزع ما بين 300 كم إلى 5500 كم، وبكمية تقديرية تصل إلى نصف مليون صاروخ، من ضمنها صواريخ استراتيجية جوالة من طراز "كروز" تستطيع أن تغطي مساحة المنطقة وتنال من كل القواعد العسكرية الأمريكية الـ32 المنتشرة في دول الخليج وغيرها، وحتى من حاملات الطائرات الأمريكية نفسها وإغراقها.
في الأخير، إن احتمالية إقدام أمريكا على تنفيذ ضربة عسكرية مفاجئة ضد إيران مع ما تمتلكه من تجهيزات ووسائل دفاعية كامنة ومقتدرة على إمطار المنطقة والقواعد الأمريكية بالصواريخ الباليستية المتطورة، فهذا احتمال هو إلى حد الآن مستبعد وتستبعده إدارة ترامب بالذات، فمثل هكذا خيار سيكون مدمراً جداً، وسيضع المنطقة في أتون حرب إقليمية شاملة لن تتقيد بالقيود الجغرافية أو الأمنية أو العسكرية، وستصاب حتماً التجارة العالمية بعاصفة من الانهيار والفوضى الاقتصادية العارمة نتيجة إغلاق المضائق المائية (هرمز وباب المندب) واستهداف ناقلات النفط.
حجم تداعيات الحرب الأمريكية الإيرانية إن حصلت فستكون ذات أرقام فلكية، وستلتهب المنطقة بالكامل، وتكون دول الخليج (السعودية والإمارات) مناطق عسكرية، إضافة إلى أن "إسرائيل" دون شك ستكون الضحية الأولى التي سينال منها الغضب الإيراني الذي لن يرحم.
* محلل بالشأن العسكري
ملتقى الكتّاب اليمنيين

أترك تعليقاً

التعليقات