أجردت!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيم / لا ميديا -

لا تدري هل هو بشير أم نذير، بلاء أم عطاء! أن يأتي في هذه الحال من يزاحمنا في أقل القليل مما تبقى لنا من قوت في ظل هذه الحرب الظالمة والحصار الجائر، لكنها اليمن، ترحب بالجائعين ولا ترد أحدا، «ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة».
ذلك كلام الله سبحانه وتعالى في وصف أهل اليمن الأنصار، «وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ». إنما ليس هذا هو موضوعنا، بل تراحم اليمنيين فيما بينهم رغم كل الظروف العصيبة التي ألمت بالجميع، ما يزال التراحم كامناً في سجايا اليمنيين، والتكافل منقذا للسواد الأعظم ممن جعلتهم الحرب معدمين.
لكن الجديد في الأمر هو انضمام جائحة جديدة إلى جملة الجوائح الناجمة عن الحرب العدوانية المحتدمة، وإن لم تكن هذه المرة على صلة مباشرة أو غير مباشرة بالحرب، وأعني جائحة أسراب الجراد التي بدأت تنتشر في محافظات البلاد، رغم أنها هذه المرة تبدو نظريا زائراً غير مرحب به بالمرة.
أدري أن للجراد في بلادنا خصوصية، رغم كارثية اجتياحاته الموسمية (الربيعية الماطرة) على المحاصيل الزراعية، ظل في حكم الخطر غير المرعب للسواد الأعظم، ولا يبعث بأي حال على التطير أو التشاؤم، بقدر ما ظل عند غالبية اليمنيين في حكم الرزق الوفير أو الصيد الأثير لوجبات مجانية قيمة أو «دسمة»!
قد لا يستسيغ الأمر كثيرون، وبخاصة سكان المدن، الذين لم يعرفوا الريف مطلقا أو لم ينشؤوا في ربوعه. لكن الأمر له ما يبرره لدى من يحتفون بالجراد ويروقهم كثيرا ويتفنون في طهوه، مسلوقا ومطبوخا ومقليا ومشويا (محرقا) ومبشورا ومجففا ومطحونا مع العسل أو اللبن والحليب، ولا تملك إلا أن تتفهم مبرراتهم وتبارك لهم وجباتهم بقولك: يهنا!
فعليا، يطرح هؤلاء أن الجراد يخلو من الدم المسفوح الذي تحتويه باقي الحيوانات، ما يسقط شرط تذكيتها وتخليصها من الدم، وأن الجراد لا يتغذى على القاذورات بل على نباتات برية وطبيعية فقط، وأن الجراد لذلك هيأه الله بديلا من إهلاكه قوتهم، وأن أكل الجراد يظل أنسب وآمن طرق مكافحته والقضاء عليه.
هذا أبرز ما يواجهك به من يحتفون بالجراد كمبررات لجواز أكله، وهناك ما يسوقونه من فوائد غذائية ومنافع طبية ليس أبرزها أنه «يحتوي على 62 % بروتين، و17 % دهون، و21 % مواد عضوية بينها: المنجنيز والكالسيوم والحديد والصوديوم والبوتاسيوم والفسفور، وغيرها مما ينشط الجسم والدورة الدموية ويعالج أمراضاً عدة».
بل إن الأمر وصل بالمتخمين في دول الجوار والمبتلين بالسمنة وتبعاتها على «الباءة» حد الهوس بكل ما من شأنه تنشيط وتقوية المقدرة الجنسية، إلى تصنيف الجراد بأنه «فياجرا طبيعي»، فيبتاعون الطبق الواحد المسلوق من الجراد في موسمه بـ350 ريالاً سعوديا، ولا تخلو محال العطارين منه مجففا ومطحونا!
على أن الحرص يستدعي منا التحذير من تناول الجراد المرشوش بمبيدات مكافحته السامة، والتنويه أيضا بأن «أكل الجراد لا يترك أي أضرار تُذكر، إلا عند مرضى الصرع، فإنه يزيد من حدة الأعراض والمضاعفات الضارة، لذلك يمنع تناوله من قِبل مرضى الصرع»، حسب ما يفيد المهتمون بهذا الشأن، قلدهم الله!
كما يبقى التأكيد على أن كل ما سلف لا يعفي -قطعا- الجهات المعنية من مسؤولية مكافحة أسراب الجراد حال انتشارها الواسع بفعل مقدرتها الهائلة على التكاثر السريع، منعا لكارثية إهلاكها الأخضر واليابس، مع ترجيح خيار المكافحة الآمنة بالطريقة البيولوجية الأقل خطرا من الطريقة الكيماوية بالمبيدات السامة.
وفي هذا، ينصح الخبراء بـ«استخدام فطر Metarhiziuim على شكل زيوت ترش من الطائرات، تصيب الجدار الخارجي للحشرة، وتخترق تجويف جسمها فيتسبب الفطر في موت الجرادة خلال (4 - 10) أيام، كما ينتقل هذا الفطر من حشرة إلى أخرى سريعاً، ولا يؤذي النباتات والحيوانات والحشرات الأخرى في المنطقة كما تفعل الطرق الكيماوية».. والله الموفق.

أترك تعليقاً

التعليقات