بونجور مدام!
 

ابراهيم الحكيم

إبراهيم الحكيــم / لا ميديا -

وزيرة دفاع فرنسا، فلورانس بارلي، ذات الملامح الوديعة، لا تعلم بمشاركة بلادها عسكريا في الحرب على اليمن! بونجور مدام! صح النوم! إذا كنت لا تعلمين وأنت وزير دفاع، المسؤول الأول عن أدق الشؤون العسكرية وأعمق مسائلها، جيشا وتصنيعا حربيا ومبيعات وتدخلات... ولا تعلمين، فمن سيعلم؟! عاقل إحدى حارات باريس مثلاً؟!
الحال نفسها تنطبق على بريطانيا وروسيا وبالطبع أمريكا. الخ، قائمة الدول الكبرى اقتصادياً: صناعياً وتجارياً، وعسكرياً. جيوشاً وتصنيعاً، وسياسياً: نفوذاً وهيمنة... جميعها تلتقي وتجتمع في ادعاء المثالية وممارسة الانتهازية، في زعم السعي للسلام ونشره ودعم إشعال الاحتدام وتغذيته، في تصنع الاحترام وتعاون التكامل وتبادل المنافع وممارسة النقيض كلياً.
فعلياً، سمة العالم الغربي صارت ازدواج المعايير تبعاً لانفصام جلي في الشخصية، بين شخصية علنية دعائية تصوره بالعالم الديمقراطي العادل المؤمن بحقوق الإنسان، والملتزم لسيادة القانون، والساعي المجتهد للعدالة، والراعي المحب للسلام، والمنادي الملائكي بالتعايش ونبذ الكراهية على خلفية العقيدة والعرقية و... وطبعاً مكافحة "الإرهاب".
وشخصية المصنع الانتهازي، الساعي إلى احتكار فكرة أو براءة اختراع وحق التصنيع واهتبال مدخلات هذا التصنيع من مواد خام وأيدٍ عاملة رخيصة وطاقة بأقل الأثمان وحبذا بالمجان، احتلالا لمواطنها أو نهبا لها عبر فساد حكام مواطنها أو إقحام مواطنها في اضطرابات تعمم الفوضى والتيه وتبعا الضعف والهوان والاستلاب.. الخ؛ والساعي إلى احتكار أسواق الاستهلاك أيضا.
وشخصية التاجر الرأسمالي الليبرالي "الحر" الاستغلالي المرابي أو المقامر المنتهز لجني الفرص دون تكافؤ معايير تنافس، بل عبر هيمنة السياسة وأذرع النفوذ... التاجر الحذق المجتهد في جني أكبر قدر من الأرباح بأقل جهد ووقت وكلفة، والمباسل في سبيل الأخيرة (أقل كلفة) بكل قيمة إنسانية أو مبادئ اجتماعية أو حتى تشريعات قانونية!
يظهر هذا الانفصام جلياً في حرب اليمن وتباين مواقف دول العالم الأول. القوى الكبرى أو ما يسمى الدول العظمى، وازدواج مواقفها: السياسية الحكومية والمعارضة (تبادل الأدوار)، ومواقفها الاقتصادية التجارية، ومواقفها العسكرية تسليحا ومبيعات ودعماً وتدريباً ومشاركة ميدانية تتجاوز الدعم اللوجستي والاستخباراتي!
من جهة تدعم دول تحالف الحرب سياسياً بغض النظر عن قيادتها الحرب وتأمين غطاء لجرائم وتبعات خرقها قوانين الحرب والمواثيق والقوانين الدولية. ومن جهة تدعم الحرب لوجستياً وتدريباً وتسليحاً ومشاركة ميدانية. ومن جهة تتباكى على آثار الحرب إنسانياً و"التداعيات الكارثية" وتطلق إعلامياً بنهم دعواتها للسلام وتقدم نفسها وسيطة لإحلاله!
ليس هذا فحسب، بل وتتعاطف أمام شعوبها بإعلان تخصيصها منحاً مالية لمساعدات إغاثية، لا توازي 1% وفي أحسن الأحوال 10% من قيمة مبيعات مصانع أسلحتها لتحالف الحرب ونفقات خدماتها العسكرية العتادية (تأجير أقمار اصطناعية وقطع حربية بحرية... الخ) وخدماتها الاستشارية والتدريبية لقادة وضباط الحرب)!
هو النفاق في أبشع مظاهره، بعدما غدا سمة رئيسة لعصر مقلوب رأساً على عقب، بلا معايير أو ضوابط، كل ما فيه يصب لصالح مد نفوذ القلة الأقوى والأغنى والأعتى، وتوسيع هيمنتها في غالبية أفقر وأضعف وأكثر تبعية وخضوعا للوصاية الخارجية وافتقادا للاستقلال والسيادة والإرادة الحرة، عصر القطب الواحد و"العولمة" المتوحشة!
ووحده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تحرر من هذا النفاق، وغدا على طبيعته، مجسداً حقيقة نهج السياسة الحاكمة للولايات المتحدة الأمريكية، بعيدا عن مساحيق تجميل "الدبلوماسية" ومجريات ما يدور خلف الكواليس، وما يطرح ويبرم ويخطط له "تحت الطاولة"، ليغدو أنموذجاً حياً معبراً عن عقل القطب الواحد والنظام العالمي الجديد، وقاحة وصفاقة وبشاعة!

أترك تعليقاً

التعليقات