فتَّاح ويقين الطريق الوحيد 2-2
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

لقد استعار فتَّاح قبعة لينين لكن أنَّى له رأس كرأسه؟
كل الاتجاهات اليقينية ترى في ثقافة الآخر النقيض تشويشاً لا ينبغي قراءة كتبه ومعارفه. وفي هذا السياق كانت رؤية فتاح لعملية التثقيف الحزبي ينبغي ألاَّ تترك مفتوحة (فإن الاختيارات الذاتية والمزاجية (للكتب) من قبل رفاقنا خلقت وتخلق تشوشاً وارتباكاً خطيرين في تفكير الأعضاء داخل التنظيم. وهو ما يفتح الطريق واسعاً لتسلل التيارات الفكرية المعادية للاشتراكية العلمية إلى داخل التنظيم، ويخلق مناخات ملائمة لنشوء الانتهازية اليمينية والانتهازية اليسارية داخل التنظيم السياسي).
من خلال محتويات هذا الكتاب الذي يضم خطب وكلمات ومقابلات وتحليلات عبد الفتاح إسماعيل، نستطيع القول بأنه كان شعلة حركية متقدة، وانعكاساً نصياً لمفهوم ومقولات (الاشتراكية العلمية) وقتها، ورؤيته للآخر المختلف على أنه تشويش
 ويمينية ويسارية انتهازية تربك اليقين والحقيقة المطلقة المختزلة بـ(الاشتراكية العلمية) كنظرية واحدة ووحيدة لا تحتمل الخطأ والتعدد. فبحسب تعبيره فهي (علم العلوم)، (لأنها ليست فقط تساعدنا على تفسير الظواهر وتحليلها في الواقع الاجتماعي، وعلى الصعيد العالمي، ولكنها بالإضافة إلى ذلك تفسر وتحلل كل الظواهر الطبيعية الأخرى، وتحولها لمصلحة البشرية داخل كل مجتمع، ولمصلحة البشرية التقدمية على الصعيد العالمي).
والتزاماً بالنصوصية وقداسة المقولات التي تمتلك ناصية الحقيقة، فإن الثقافة بالنسبة لفتاح تؤثر بالاقتصاد من منطلق تأثير الفرع بأصله، فأساليب المعيشة هي التي تشكل وعي الإنسان.
لا طريق ثالثاً لدى اليقينيات المطلقة، التي ترى الحقيقة في ما اختارته من طريق، تراه الوحيد، فليس هناك سوى طريق واحد هو طريق (الاشتراكية العلمية) في مقابل طريق (الرأسمالية). وبحسب تعبير فتاح (فمن يتكلم عن طريق ثالث بين الاشتراكية والرأسمالية، فهو في التحليل الأخير في خط البرجوازية، فالطريق الثالث هو طريق مسدود حتماً، ويوصل إلى الارتماء في أحضان الاستعمار الجديد والرجعية). يطرح فتاح حكمه هذا في سياق نقده وتخوينه لنهج سالمين، واعتبار الطريق الذي أراد السير فيه هو طريق الرجعية والاستعمار الجديد.
يوصِّف فتاح ما سماه اليسار الانتهازي وسالم ربيع علي، بقوله: (من المعروف أن اليسار الانتهازي تيار عالمي، يتسم بالفوضوية والمغامرة، ويضر بوحدة حركة الثورة العربية والعالمية ونضالها الموجه ضد النظام الامبريالي والصهيونية والفاشية والرجعية، ويقوى نفوذ اليسار الانتهازي، وتنتشر أفكاره بين البرجوازية الصغيرة وأنصاف المثقفين وأصحاب النظرة الضيقة دعاة التعصب والانغلاق... وسالم ربيع (وزمرته) هو من ذلك الخط الانتهازي الذي يتظاهر بالثورية المتطرفة شكلاً، بينما في الجوهر معاد للاشتراكية العلمية، ويرفض التحالف المبدئي والاستراتيجي مع قوى الثورة العربية والعالمية، وفي طليعتها الاتحاد السوفيتي).
صحيح أن سالمين في بداية حكمه كان متطرفاً في تأميم محلات باعة الفواكه والخضار والأسماك واللحوم، وملاك قوارب النقل الصغيرة، وتقليص دور الدكاكين الصغيرة، إلاَّ أن تجربة الحكم جعلته يعيد النظر في العديد من المفاهيم واليقينيات- بما في ذلك موقفه المندفع نحو ضرورة تشكيل حزب طليعي، ثم حين أصبح رئيساً وجد أن ذلك سيزيد من عزلة جمهورية اليمن الديمقراطية، وسيستفز الإقليم ضدها، ويتجه نحو الواقعية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهو ما اعتبره فتاح بأنه تراجع من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين. أو بحسب تعبيره من (اليسار الانتهازي) إلى (اليمين الانتهازي)، واصماً إياه بعبارة لينين بأن أقصى اليمين يلتقي بأقصى اليسار. 
عوَّض فتاح تواضع تحصيله العلمي بالانخراط في مدرسة الحركية، وتبنى يقينيات (الاشتراكية العلمية)، يتحدث عن ذلك في كلمة له ألقاها في جامعة موسكو بمناسبة منحها له درجة الدكتوراه الفخرية، وذلك بتاريخ 2/8/1976م، وفيها يقول: (وإنني اليوم أقف بينكم في هذا الحفل العلمي لأتشرف بمنحي درجة الدكتوراه الفخرية، وأشعر أن هذا التقدير العالي ما هو إلاَّ شرف لشعبنا اليمني، وأنا أحد أبناء هذا الشعب، فلقد تمكنت عبر مدرسة الحياة الواسعة، وعبر النضال الطويل، مسترشداً بالأفكار الثورية -الأفكار الاشتراكية العلمية- أن أصبح واحداً من المثقفين الثوريين في بلادنا، الذين ناضلوا ولا زالوا يناضلون من أجل مصالح العمال والفلاحين وسائر الكادحين، في سبيل بناء المجتمع اليمني التقدمي الجديد).

أترك تعليقاً

التعليقات