فتَّاح ويقين الطريق الوحيد1-2
 

محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد

"يوجد أحياناً رفاق مشبعون بالأفكار والعقائد أكثر من اللازم. مثل هؤلاء الرفاق إنما يلحقون الأذى بالفكرة، بالعقيدة ذاتها... المكان المنبسط، المستوي أكثر عقائدية وأبسط من الجبل الصخري العمودي". 
لم يستكمل عبد الفتاح إسماعيل تعليمه، فقد انتهى من تحصيله للتعليم الابتدائي متجهاً نحو التعليم الفني، ثم عاملاً فنياً في مصفاة عدن، ومدرساً في كلية بلقيس. انتمى لحركة القوميين العرب عن طريق قريبه سعيد الجناحي عام 1961م، ومع حركة القوميين العرب والجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني من 1963م -1966م كان لفتاح أدوار حركية مميزة في قيادة العمل الفدائي بمدينة عدن، وبروزه في مؤتمر جبلة، كموقف سلمي ضد الدمج القسري، الذي أرادته القيادة العربية بين جبهة التحرير والجبهة القومية، للعمل في إطار جبهة واحدة، لكن فدائيي الجبهة القومية في الميدان كان لهم موقف رافض لهذا الدمج بسبب سلبية حزب الشعب
 وقادة جبهة التحرير ورابطة أبناء الجنوب، من العمل المسلح خلال سنوات 63-65م حين كان موقفهم يراهن على تحرير جنوب اليمن عن طريق المفاوضات، ووصفهم لمن اختار طريق الكفاح المسلح بأنه طريق الدراويش. وقد عبَّر باسندوة عن موقف حزب الشعب بقوله لفدائيي الجبهة القومية: ابدؤوا أنتم، فنحن لسنا مستعدين بعد.
في الكتاب الذي يضم خطباً وكلمات وتحليلات حزبية لعبد الفتاح إسماعيل خلال فترة 1969-1979م، والصادر عن دار الفارابي عام 1979م بعنوان "حول الثورة الوطنية الديمقراطية وآفاقها الاشتراكية"، نجد رؤية فتَّاح لتجربة الثورة اليمنية بأنها "بدأت بصيغ مختلفة في مراحل النضال ضد الاستعمار، واستمرت وتطورت بعد انتصار التيار التقدمي سنة 1969م إلى صيغة عمل جبهوي ثابت، لتقفز بفعل الجهد المثابر والقناعة الراسخة إلى صيغة وحدوية رائدة، جمعت التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية)، وتكرست هذه الوحدة في المؤتمر التوحيدي التاريخي الذي شكل نقطة تحول حاسمة على طريق بناء الحزب الطليعي، من طراز جديد يضع في أساس برنامجه فكر الاشتراكية العلمية وأيديولوجية الطبقة العاملة".
من هذا اليقين الأيديولوجي كانت رؤية فتاح المتمثلة بـ"كنس القوى الطبقية... وتصفيتها وتصفية مصالحها الاقتصادية والسياسية والثقافية"، وهو ما سيفضي حسب يقينه إلى أشكال اقتصادية جديدة.
يشترط فتاح لتحقيق ثقافة يمنية متكاملة ضرورة وحدة الأدباء والكتاب اليمنيين. ولهذا كان رأيه أن "من الخطأ الكبير والخطأ الفادح الاعتقاد أننا قادرون على تحقيق وحدة ثقافية يمنية متكاملة بدون وحدة الأدباء والكتاب اليمنيين... فكما أننا لا يمكن أن نجزئ الشعب اليمني أو أن نجزئ أرضه، فلا يمكننا أيضا تجزئة ثقافته الوطنية"، ولهذا اعتبر قيام اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين في بداية عقد السبعينيات خطوة هامة ونموذجية لفتح "الآفاق أمام نهوض ثقافة يمنية تقدمية حقة، بدلاً من ثقافة الماضي المتخلفة".
ينطلق إيمانه الوحدوي من إيمانه بوحدة القوى اليمنية الكادحة، فلا يمكننا "أن نكون أمميين إن لم نكن وطنيين وحدويين"، لهذا كان تصوره للحزب أن يكون "وحدوياً في عروبته، أممياً في علاقاته، وطنياً في مواقفه". وتتردد على لسانه مقولة: "الأممي الجيد هو الوطني الجيد".
هناك ارتباط شرطي بين الإخلاص للثورة والوعي الثوري، فبحسب فتاح "فإن الإخلاص للثورة وحده غير كاف".
لقد أحدثت جمهورية اليمن الديمقراطية بتنظيمها السياسي (الجبهة القومية، حزبها الاشتراكي) تحولات على صعيد الفلاحين والنقابات التعاونية والعمالية، والطلاب والمرأة، وبناء الكادر الحزبي... إلخ.
أي أن هناك وعياً بالمسيرة الثورية ووجهتها والأهداف المرجوة، ومراحل التحولات التي تنجزها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.
فمع عام 1973م تأسست المليشيا الشعبية، بهدف إنتاج كادر يجمع بين الموقف والوعي الأيديولوجي والسياسي لأفراد المليشيا الشعبية، مع تطور الروح القتالية والتسليح، وتحسين الانضباط والتدريب العسكري، وكان للميليشيا دورها في الجانب العسكري والاقتصادي والأمني.

أترك تعليقاً

التعليقات