محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

تنبه حسن الهضيبي لخطورة هذا التحول في فكر الإخوان المسلمين من الدعوة إلى التكفير، حين كتب ضد سيد قطب ومصطفى شكري، وبين في كتابه "دعاة لا قضاة" أن الإسلام الحركي للإخوان إسلام دعوي. 
الإخوان يعترفون بحق السلطة التشريعية والاجتهادية للبشر في إطار المبادئ العامة للشريعة وروحها، بينما ينكر الخطاب "الجهادي" ذلك تماماً، إذ يحل مكان "تفسير" القرآن في الخطاب "الإخواني" تفهيم "القرآن" في الخطاب "الجهادي"، فالخطاب الإخواني يرى الشورى ملزمة للإمام، في حين أن الخطاب "الجهادي" لا يرى فيها إلاَّ رأياً استشارياً بحتاً، ليس له أدنى سلطة على "الإمام" (محمد جمال باروت: يثرب الجديدة، ص17).
الفارق بين الخطاب الإخواني والخطاب الجهادي كما يرى (باروت) في كتابه آنف الذكر، أن الموجه الفعلي لخطاب الإخوان في بنيته السطحية والعميقة هو محمد عبده وتلميذه محمد رشيد رضا، حيث لعبت "المنار" دور الموجه للوعي النظري "الإخواني"، في حين أن الموجه للوعي النظري "الجهادي" 
هو أبو الأعلى المودودي ونظريته "الثيوقراطية" لـ"الدولة الإسلامية" التي تتخطى نظرية "تطبيق الشريعة" "الإخوانية" إلى نظرية "الحاكمية" (ص17).
من هنا نستطيع أن نميز بين "إخوان إصلاحي" و"إخوان جهادي" وكلاهما جاء من مرجعية مختلفة عن الآخر.
مرجعية محمد عبده ومحمد رشيد رضا في مقابل مرجعية "أبو الأعلى المودودي" و"أبو الحسن الندوي" و"سيد قطب".
مرجعية مصطفى السباعي وكتابه "اشتراكية الإسلام" في مقابل مرجعية سعيد حوى وكتابه "جند الله ثقافة وأخلاقا". 
مرجعية عبده محمد المخلافي في مقابل مرجعية (حاكمية) عبد المجيد الزنداني وإعجازه وتوحيده.
تعرضت جماعة الإخوان المسلمين، منذ بدء تأسيسها، للعديد من الانشقاقات، منها الانشقاق الأول الذي حدث عام 1932م، وذلك بسبب اختيار من يحل محل البنا في الاسماعيلية بعد طلب البنا نقله للتدريس في مدارس القاهرة، وكان الانشقاق الثاني في عام 1939م لعدة أسباب منها "الأموال التي جمعها البنا لدعم إضراب العرب في فلسطين والأنشطة التي قامت بها الجماعة دعماً لهم. وقد قبل معظم الأعضاء بوجهة نظره بأن إنفاق بعض هذه الأموال على شعب الجماعة في مصر وبالتالي جعل الجماعة أكثر فاعلية، ليس من الأمور التي تلحق الضرر بالفلسطينيين بل تساعدهم بالأحرى بطريقة أخرى" (ريتشارد ميتشل: الإخوان المسلمون، ترجمة: عبد السلام رضوان، مكتبة مدبولي، ط2، 1985م، ص 39).
إلاَّ أن انتقال حركة الإخوان من "الدعوة" إلى "الجهاد" داخل المجتمعات العربية والإسلامية كان أخطر انشقاق وتحول في بنائها ومسارها ظلت تعاني منه حتى اليوم.
لهذا فإن قراءة حركة الإخوان المسلمين واختزالها بمرجعية الخطاب الجهادي لا تقدم طرحاً ورؤية موضوعية للأرضية والمنطلقات المعرفية لهذه الحركة كما هي في موجهاتها عند رشيد رضا وحسن البنا، فعملية الإرجاء التي اشترطها حسن البنا للخروج وإسقاط الأنظمة بـ300 كتيبة كانت في جوهرها رداً على الضغوط والإلحاحات التي تطالبه بالانقلاب على الدولة والمجتمع، وفرض التصور الإسلامي للحكم كما يرونها ويفسرونه، أو يفهمونه. ولعلَّ هذا الانتقال من "الدعوي" إلى "التكفيري" الذي قاده التنظيم الخاص، مبتدئاً إياه باغتيال (النقراشي باشا) وغيرها من عمليات الاغتيال قد أجبرت حسن البنا على وصف هذا التحول والانفلات بـ"ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين"، في تعبير دال على أن الإرجاء كان نهجاً ولم يكن تكتيكاً.
وهو ما عبر عنه بشكل جلي "حسن الهضيبي" في كتابه "دعاة لا قضاة" ضد الخطاب الجهادي والتكفيري لكتاب "معالم في الطريق" منفيستو الجماعات الجهادية.
إزاحة الخطاب "الدعوي" للإخوان وإحلال الخطاب "الجهادي" كان نتيجة لعدة عوامل، منها الصدام مع السلطة الناصرية، ومنها حاجة الحرب الباردة وتخصيب المال الخليجي لهذا الخطاب، من خلال مزج الإخواني بالوهابي في "جاهلية القرن العشرين" لمحمد قطب و"جند الله" لسعيد حوى و"المنطلقات" لمحمد أحمد الراشد و"الإسلام الحركي" لفتحي يكن" و"توحيد" عبد المجيد الزنداني، و"إعجازه العلمي" الذي لم يغادر ضيق التشبيه البدوي بـ"البعرة تدل على البعير".

أترك تعليقاً

التعليقات