محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

يتسع البؤس وعجز اليسار عن تقديم البديل الاجتماعي والاقتصادي وتعبئة الجماهير، فتكون النتيجة توسع جماعتي الإخوان والسلفية الجهادية، ففي اليمن سنجد التجمع اليمني للإصلاح ينتشر في أوساط الفئات الاجتماعية من أصحاب المهن والحرف والبرجوازية الصغيرة، فنجد اللحام والإسكافي وعامل النظافة والحلاق وصاحب الدكان والبقالة وأصحاب البسطات في الشوارع وسائقي المواصلات والتربويين والجنود... إلخ، جلهم من كوادر الإخوان. 
هم تنظيم ينتشر في المدن، حيث يتسع الفقر والشعور بالغربة، وتكون الحاجة إلى اطمئنان النفس مطلبا لأولئك الذين نزحوا من الأرياف بحثا عن فرص للحياة. 
في حين أن اليساريين من قوميين وماركسيين تواروا من حيث التواجد في الأرياف.
في مصر اتسعت مدينة القاهرة بمئات الآلاف القادمين من الريف في عشرينيات القرن العشرين، وفي هذا الوسط نشأت جماعة الإخوان المسلمين التي أنشأها حسن البنا في الإسماعيلية سنة 1928م. لكن انتشار الحركة
 وتوسعها كان في القاهرة المكتظة بالنازحين إليها من الأرياف؛ أي انتشرت الجماعة وسط العمال وأصحاب المهن والمعلمين. وبحسب الدكتور محمد حافظ دياب في كتابه (سيد قطب والأيديولوجيا) الصادر عن دار الثقافة الجديدة 1987: "بصفة عامة ظلت القاهرة منطقة جذب لهم، بينما كانت أكثر المحافظات تصديراً هي: المنوفية، سوهاج، أسيوط، الغربية، الدقهلية، القليوبية، وقنا، على الترتيب" (ص45). 
وقد شكلت العوامل الاجتماعية من "ثقافة قروية بتقاليدها المحافظة على درجات متفاوتة، وارتفاع نسبة الأمية التي تحد بالضرورة من امتلاك أعضائها لوسائل المعرفة والوعي السياسي، إضافة إلى وطأة المصاعب والمشكلات الاقتصادية التي تعانيها" بيئة لتخصيب جماعة الإخوان وتمددها.
من هنا شكل العامل الاقتصادي والوضع الاجتماعي عوامل مساعدة لدعوة الإخوان التي جذبت إليها "سكان المناطق الريفية الذين كانوا يعانون الوحدة والغربة في مدينة القاهرة، والمهاجرين الوافدين إلى العاصمة ممن وجدوا الراحة النفسية في اجتماعاتها وفي تأدية الصلاة الجامعة، حيث قامت فروع الإخوان المسلمين بالنسبة لهؤلاء مقام التجمعات الصوفية وطوائف العمال القديمة" (ص4).
اعتمد الإخوان ـ بحسب الدكتور محمد حافظ دياب في كتابه آنف الذكر ـ على استنفار وإثارة الوجدان الديني، واستنفار مرتبط بذكر المفاسد والشرور الاجتماعية، مع ربط مسائل الفرد بمفاسد المجتمع الأخلاقية، والمقارنة بين الإسلام في "الحقبة الراشدة" وإسلام وواقع المجتمعات الإسلامية اليوم، أي الانتقال من غربة الحاضر إلى الاغتراب في الماضي المتخيل.
ينشط الإخوان في جانب التضامن الاجتماعي والإحسان إلى الفقراء، وتوظيف الزكاة التي يأخذونها من التجار في خدمة الجماعة، وربط حياة الفقراء بالورع والدعوة إلى الاكتفاء الذاتي والرضا، وتقديم المعونات الاجتماعية، والنشاط من خلال الجمعيات الخيرية والقروض الميسرة بنظام المرابحة، ودعم الأعراس الجماعية، ودعم الطلاب بتوفير السكن الطلابي ووجبات التغذية. وفي اليمن استفادوا من محاصصاتهم في الحكم، فاستثمروا الدرجات الوظيفية للانتشار التنظيمي.
بالمقابل يفتقد القوميون واليسار بشكل عام إلى التضامن الاجتماعي، مع هشاشة في العمل التنظيمي.
من الملفت أن تواجد قوى اليسار من قوميين وماركسيين في اليمن يتركز في بيئة الريف، فذلك فضاؤهم الاجتماعي المستند على نظام القرابة، فالفلاح هو جمهورهم، في حين أن جماعة الإخوان المسلمين في اليمن انتشرت في المدن: صنعاء وتعز والحديدة وعدن ولحج وحضرموت... وذلك حين ازدادت الهجرة إلى هذه المدن، وازدحمت بفقراء الأرياف.

أترك تعليقاً

التعليقات