محمد ناجي أحمد

محمد ناجي أحمد / لا ميديا

نحن على مستوى التحولات الاقتصادية نعيش علاقات إنتاجية متخلفة وتفتقد لأبسط الحقوق فيما يخص الفلاح ونظام الشراكة في الأرض، وفيما يخص غياب الحقوق النقابية، واستغلال مئات الآلاف من العمال وفق نظام المياومة. وعلى مستوى الأسرة ينشأ الطفل في الأسرة والمدرسة والمجتمع وفق قيم الخضوع والخوف والطاعة العمياء. وفي الممارسة السياسية فكل تجارب الانتخابات التي أجريت في اليمن كانت تعيد إنتاج قوى التسلط الاجتماعي في القرى والمدن، ولا تحقق مبدأ الشراكة والمواطنة، وإنما تكرس قيم الرعوية والعلاقات الاقتصادية والسياسية المشوهة... لقد انكسر القوميون واليساريون، فكان التحول من العلمانية، إما إلى الانطواء وإما إلى الأصولية، وهي أصولية انتهازية تختلف عن الأصولية الراديكالية التي حدثت في إيران وأحدثت قطيعة مع التبعية المباشرة للغرب وأعلنت عداءها ضد الإمبريالية والاستيطان الصهيوني...
قسمت المسيحية العالم بين الرب وبين القيصر، في محاولة منها للشراكة في السلطة
 مع امبراطور روما، ومن هنا كانت العلمانية إقصاء لسلطة رجال الدين، وسيطرة السلطة الدنيوية على العالم.
العلمانية لم تحافظ على تعاقد التقاسم بين السلطة الدينية والسلطة الدنيوية للعالم، وهو التقسيم الذي عبر عنه منذ وقت مبكر من تاريخ المسيحية السياسي، ففي أعقاب مجمع ميلانو سنة 355م، كتب هومسيوس إلى الامبراطور قسطنطيوس قائلاً: "لا تقحم نفسك في المسائل الكنسية، لا تصدر إلينا أوامر من صميم شؤوننا، بل لتتعلمها أنت منا،  وكما أن الذي يسلبك هذه الإمبراطورية يصنع الشر في عيني الرب فلتخشَ أنت أيضاً التدخل في شؤون الكنيسة، حتى لا تأتي بذلك إدَّا. مكتوب (أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله) ومن ثم فليس من حقنا أن نمارس حكم الدنيا، وليس من حقك أيها السيد أن تحرق البخور" (عبد الجواد ياسين: السلطة في الإسلام، المركز الثقافي، ط2، 2000م، ص12).
علمانية (الإصلاحيين الجدد) -على عكس العلمانية الغربية- انطلقت من المسجد، كلازمة لما سمي بثورات الربيع العربي، متخذة من عباءة الدين عباءة للدنيا، وفقاً لإيمانها بأنها حركة صالحة لكل زمان ومكان، من محاربة الشيوعية والقومية إلى إزاحة (قيصر) العربي ببدلته الكاكي!
هي علمانية معاوية بن أبي سفيان،  والتي بدأها منذ كان والياً على الشام، سواء في أبهة الإمارة بتماثلها مع خصمها الروماني في المظهر والجوهر، أو من خلال استئثاره ببيت مال المسلمين، والزعم بأنه (مال الله) وهو المستخلف فيه بانتزاعه من الناس يعطي منه من يشاء ويمنع من يشاء! وذلك باستحداثه لمقولة (المال مال الله) وهي المقولة التي فهم مغزاها الصحابي أبو ذر الغفاري فتصدى له، وكانت النتيجة أن تم نفيه إلى صحراء (الربذة) خارج المدينة، في انتصار جلي لعلمانية المسجد التي أسسها في السلطة والثروة معاوية بن أبي سفيان.



أترك تعليقاً

التعليقات