درس للأمة
 

أحلام عبدالكافي

أحلام عبدالكافي / لا ميديا
الله جل جلاله هو من يتولى الاهتمام بمن سيتولى القيادة لهذه الأمة، لتكون الأمة على مستوى عالٍ من النهوض بمسؤوليتها. هذه القضية المهمة في واقع الأمة لابد أن يتولاها الله، كيف لا.. فمن يهتم بكل صغيرة وكبيرة، ويعتني بإصلاح كل شؤون حياتنا، لا يمكن أن يغفل عن أهم الأمور وأكثرها تأثيراً، وهي قضية من سيتحمل تبعات مسؤولية قيادة الأمة، ويكون جديراً بالاختيار الإلهي ليكون ولي أمر المسلمين، فالله سبحانه وتعالى هو من يتولى السير بهذه الأمة في كل زمان ومكان نحو الكمال الذي هو أرقى منابر التفضيل.
فالله سبحانه قد علم النبي وأوحى إليه بإعلان الإمام علي عليه السلام (بغدير خم) على كافة الملأ بأنه من يستحق الولاية بعد الرسول الأعظم و(القيادة)، وهو درس فعلي في ماهية المؤهلات التي يجب توافرها في قادة الأمم عبر الأجيال، وأنه لابد لأي قائد أو ولي أمر للمسلمين أن يتمتع بمؤهلات قرآنية عالية شبيهة بمؤهلات الإمام علي القرآنية، لكي يضمن الله للأمة الرقي والسمو والابتعاد عن الذل والهوان وتجنب الوقوع في براثن الانحطاط لأعداء الله وأعداء الأمة..
سوف أتناول هذا الموضوع بشكل أوضح من منطق الآيات القرآنية التي تدعم أهمية اختيار الله لولاة الأمة، وما علّمه سبحانه لنا في يوم عيد الولاية بغدير خم، والتي لا أملك أنا ولا أنتم الحق في المزايدة عليها، ولا حتى التقوّل في مفاهيمها ودلالتها في أن الله سبحانه وتعالى أورد الآيات، بل جعل النبي الأعظم يعلم الأمة أهمية تولي آل بيته، وقد توالت أحاديثه الشريفة بهذا الشأن، وتوالت أيضاً المواقف الداعمة لحديث التولي في يوم غدير خم..
يقول تعالى: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم)، أولو الأمر هنا مرتبط بالرسول، والرسول مرتبط بالله سبحانه وتعالى، وولي أمر المسلمين لابد أن يكون مرتبطاً بالله ورسوله... هي هكذا ولا تقاس إلا هكذا. لا يمكن أن تكون القيادة بمنأى عن طاعة الله ورسوله، وإلا لما انطبقت عليها شروط التسليم لها كقيادة تستحق الطاعة والانقياد تحت لوائها.
كما أن السنة الإلهية اقتضت أن يكون هناك هداة وورثة (كتاب) تلزم الناس باتباعهم، لأن الله يعلم أن الأنبياء سلام الله عليهم سيموتون، فمن سيتولى تعليم (الكتاب والحكمة) من بعد الأنبياء لعباده، والتي تعتبر أولى أولويات الرسل وورثة الكتاب من بعدهم، وهي تعليمنا القرآن والحكمة السديدة التي هي المواقف والأقوال النابعة من القرآن، والتي تنطلق منه، نجد الإجابة واضحة في قوله تعالى: (ثم أورثنا الكتاب)، أي أن هناك ورثة للكتاب، وورثة الكتاب لا يمكن أن يأتوا عن طريق انتخابات، أو أن يترك الموضوع للصدف وللعشوائية في هكذا موضوع مصيري لأمة الإسلام، هنا لابد من اصطفاء (اختيار)، قال تعالى: (ربكم يخلق ما يشاء ويختار، ما كان لهم الخيرة)، الله هو من يضع لأمته أعلاماً، ويختارهم ويؤهلهم ليكونوا جديرين بهدايتها، وجديرين بقيادتها، لأن الاهتمام الإلهي بهذا الأمر يعتبر جلياً وواضحاً، لأنه سبحانه هو العالم بما سيصلح أحوالهم.
تأملوا معي كيف أتى هذا الحديث النبوي الشريف ليضع النقاط على الحروف، ويدعم أن ولاية الأمة هي اصطفاء من الله كما سبق وتحدثنا، فهو من يهتم اهتماماً كبيراً بتولية من يقود الأمة، حين قال: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، العترة هم آل بيت النبوة، ومنهم الإمام علي، أليس هذا الحديث يتناسق مع هذه الآية الكريمة: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)؟ من الذي يؤتي الزكاة وهو راكع.. أليس هو من قال عنه الرسول الأعظم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه)، في منطقة غدير خم. لذلك نحن اليوم نحيي يوم عيد الغدير، لأنه يوم عظيم، ويمثل منعطفاً هاماً للأمة في كيفية اختيار قادتها، ومن منّا لا يعلم من هو الإمام علي عليه السلام، وما هي المؤهلات الإلهية التي جعلته الرجل الأول بعد النبي الأعظم...
لاحظتم معي ترابط الآيات السابقة مع الحديث النبوي، والذي يقدم لنا الدلائل الواضحة التي تصب في ذات الحديث...
ها هي الآيات الكريمة تناسب في ذات السياق أيضاً، حيث وضح لنا الله تعالى بقوله: (الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس)، لاحظوا اصطفى من الناس الأنبياء، أي اختيار قادة الأمة، أوليس الأنبياء قادة؟! 
ثم يستمر التأكيد منه جل جلاله في آيات أخرى أن قضية الاصطفاء (للقيادة) هو اختيار رباني، ونحن نؤكد ذلك من خلال سردنا للآيات الكريمات: (إن الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين).
ثم في آية أخرى وضح لنا تعالى أن النبوة والكتاب قد أورثهما ذرية النبوة: (إنا أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب)، انتهت النبوة، بقي هنا الكتاب الذي قال الله إنه أورثه لذرية الأنبياء، المقصود بهم طبعاً آل بيت النبي بالنسبة لذرية النبي محمد، كون الحديث عن الإمام علي الذي يعتبر من آل بيته وله ذرية إلى يومنا هذا من سيتوارثون تعليم الناس الكتاب والحكمة، وهم قادة الأمة أيضاً. 
نقطة يجب تذكرها أن مهام الأنبياء والقادة تعليم الأمم الكتاب والحكمة، لاحظوا (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك الفضل الكبير). الاصطفاء هنا لابد أن يكون من أهل البيت السابقين بالخيرات الذين اصطفى منهم (النبي). هل تعلمون لماذا، لأن الله يبحث عن الكمال، والكمال الذي فيه أسرار الفضيلة والخيرات للناس، ولا يمكن أن يأتي الكمال سوى من آل بيت النبوة استناداً للحديث النبوي: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي أهل بيتي).
آل بيت النبي هم من يمتد نسلهم من الإمام علي عليه السلام في حديث أهل الكساء وآية المباهلة، وهم (علي والحسن والحسين وفاطمة) التي تعتبر دليلاً واضحاً على أن علياً عليه السلام هو من آل البيت عليهم السلام، والذين يمتد نسلهم إلى يومنا هذا... لذلك نحن سنتولى نسل بيت النبوة الأطهار في كل زمان ومكان. 
لاحظوا معي الأنبياء هم من يعلمون الناس القرآن والحكمة، وما ينطبق على الأنبياء من مسؤولية ينطبق على ورثتهم الذين هم (القادة) طبعاً من يرثون الكتاب والحكمة، والذين لا بد أن يكونوا من نفس دائرة النبوة، أي من آل البيت، لماذا، لأن الله تولى تأهيلهم، وأصبحوا قرناء القرآن، ولا يمكن لقرناء القرآن أن تضل بهم الأمم، وهذا هو لب الموضوع وسر ضياع الأمة اليوم وتخبطها المريع بين أروقة حكام باعوا الأمة والقرآن!
لمن يسخرون من يوم غدير خم، ومن إحيائنا له واحتفالنا به... نقول لهم نحن أنصار الله ورسوله وأنصار الإمام علي، سنتولى من سار على نهجهم من آل البيت الأطهار بأمر إلهي، وبمقتضى حتمي ومصيري، فما لكم كيف تحكمون؟!

أترك تعليقاً

التعليقات